أحكام طهارة المريض وصلاته

الشيخ نواف بن معيض الحارثي

2025-02-06 - 1446/08/07
عناصر الخطبة
1/أحكام الإسلام مبنية على التيسير والتخفيف 2/التيمم من مظاهر التخفيف في الشريعة 3/كيفية صلاة المريض 4/من أحكام الصلاة لمرضى والعاجزين

اقتباس

إِنَّ مِنَ الْـخُذْلَانِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا مَرِضَ تَرَكَ الطَّاعَةَ، وَخَاصَّةً الصَّلاةَ، وَرُبَّمَا سَوَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ، وَقَالَ: "إِذَا تَعَافَيْتَ فَصَلِّ مَا مَضَى"، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْـمَرِيضَ قَدْ يَكُونُ عَلَى مَشَارِفِ الْـمَوْتِ، فَكَيْفَ يَتَخَلَّى عَنِ الْعِبَادَةِ التِي مِنْ أَجْلِهَا خُلِقَ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْـحَمْدُ للـهِ الذِي جَمَّلَ ضَمَائِرَنَا بِشَرَائِعِ الإِيمَانِ، وَزَيَّنَ ظَوَاهِرَنَا بِشَعَائِرِ الإِسْلامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللـهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَرَعَ لَنَا طَهَارَةَ الْقُلُوبِ وَالأَبْدَان، فَبَيَّنَ الأَسْبَابَ وَالْوَسَائِلَ وَالطُّرُقَ أَتَمَّ بَيَان، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان.  

 

أَمَّا بَعْدُ: فأوصيكم بتقوى الله.

 

عن جابرٍ-رضي الله عنه- قال: خرَجْنا في سفَرٍ فأصابَ رجلًا منَّا حجَرٌ فشجَّهُ في رأسِهِ، ثمَّ احتَلمَ فسألَ أصحابَهُ، فقالَ: هل تَجِدونَ لي رخصةً في التَّيمُّمِ؟ فَقالوا: ما نجِدُ لَكَ رُخصةً وأنتَ تقدرُ علَى الماءِ، فاغتسَلَ فماتَ، فلمَّا قدِمنا علَى النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أُخْبِرَ بذلِكَ، فقالَ: "قَتلوهُ قتلَهُمُ اللَّـهُ، ألا سألوا إذْ لَم يعلَموا؛ فإنَّما شِفاءُ العيِّ السُّؤالُ، إنَّما كانَ يَكْفيهِ أن يتيمَّمَ ويَعصبَ علَى جُرحِهِ خِرقةً، ثمَّ يمسحَ عليها ويغسِلَ سائرَ جسدِهِ"(أبو داود).

 

عباد الله: إِنَّ اللَّـهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لَعَظِيمِ كَرَمِهِ وَجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ أَنْ خَفَّفَ عَنْهُمُ التَّكَالِيفَ، فَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، وَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ فِيمَا شَرَعَهُ لَـهُمْ مِنَ الأَحْكَامِ وَأَلَزَمَهُمْ بِهِ مِنَ الأَوَامِرِ، وَخَفَّفَ عَنْهُمْ فِي أَوْجِهِ الْعِبَادَاتِ، فَكَانَتْ شَرِيعَةُ الإِسْلَامِ سَهْلَةً مُيْسِرَةً مَبْنِيَّةً عَلَى السَّهْوَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّخْفِيفِ فِي الشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ: الأَحْكَامُ الْـمُتَعَلِّقَةُ بِطَهَارَةِ الْـمَرِيضِ وَصَلَاتِهِ، فَإِنَّ الْـمُسْلِمَ مُعْرِضٌ لِلْحَوَادِثِ وَالآفَاتِ، وَمِنْ جَمْلَةِ ذَلِكَ الأَمْرَاضِ الَّتِي تَعْتَرِيهِ، فَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ على المريضِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنَ الأَحْكَامِ مَا تَقُومُ بِهِ طَهَارَتُهُ وَصَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنِ الْـمُسْلِمِ مَا دَامَ حَاضِرَ الْقَلْبِ، وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ مِنْ شَرُوطِ الصَّلَاةِ.

 

أَيُّهَا الْـمُؤْمِنُونَ: يَجِبُ عَلَى الْـمَرِيضِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْـمَاءِ، فَيَتَوَضَّأَ مِنَ الْـحَدَثِ الأَصْغَرِ، وَيَغْتَسِلَ مِنَ الْـحَدَثِ الأَكْبَرِ، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الطَّهَارَةَ بِالْـمَاءِ لِعَجْزِهِ أَوْ خَوْفِ زِيَادَةِ الْـمَرَضِ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْئِهِ؛ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ.

 

فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُوَضِّئُهُ أَوْ يُيَمِّمُهُ شَخْصٌ آخَر، وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ جُرْحٌ فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ بِالْـمَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْغَسْلُ بِالْـمَاءِ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ مَسَحَهُ مَسْحَاً، فَيَبَلُّ يَدَهُ بِالْـمَاءِ وَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْـمَسْحُ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ أَيْضَاً فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَنْهُ.

 

وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ كَسْرٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ أَوْ جِبْسٌ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ بِالْـمَاءِ بَدَلاً عَنْ غَسْلِهِ، وَلا يَحْتَاجُ لِلتَيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْـمَسْحَ بَدَلٌ عَنِ الْغَسْلِ.

 

وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ: أَنْ يَضْرِبَ الأَرْضَ الطَّاهِرَةَ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً يَمْسَحُ بِهِمَا جَمِيعَ وَجْهِهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ كَفَّيْهِ بَعْضَهُمَا بِبَعْض.

 

وَيَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَلَى الْجِدَارِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ طَاهِرٌ لَهُ غُبَارٌ، فَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ مَمْسُوحاً بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَرْضِ كَالْبُويَةِ، فَلا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ.

 

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَيَمَّمُ عَلَى الأَرْضِ أَوِ الْجِدَارِ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ لَهُ غُبَارٌ، فَلا بَأْسَ أَنْ يُوضَعَ تُرَابٌ فِي إِنَاءٍ أَوْ مِنْدِيلٍ، وَيُتَيَمَّمَ مِنْهُ.

 

وَجَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْـمُسْتَشْفَيَاتِ حَاوِيَاتٌ صَغِيرَةٌ يُوجَدُ فِيهَا تُرَابٌ، وَعَلَيْهِ اسْفِنْجٌ، فِإِذَا وُجِدَ الْغُبَارُ وَتَيَمَّمَ مِنْهَا أَجْزَأَ.

 

وَإِذَا تَيَمَّمَ لِصَلاةٍ وبَقِيَ عَلَى طَهَارَتِهِ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ الأُخْرَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا بِالتَّيَمُّمِ الأَوَّلِ، وَلا يُعِيدُ التَيَّمُّمَ لِلصَّلاةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهَا.

 

أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ: يَجِبُ عَلَى الْـمَرِيضِ أَنْ يُطَهِّرَ بَدَنَهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ صَلَّى عَلَى حَالِهِ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.

 

وَمِنَ الْوَاجِبِ عَلَى الْـمَرِيضِ الْـمُتَطَهِّرِ مِنَ الْـجَنَابَةِ بِالتَّيَمُّمِ إِذَا عَافَاهُ اللَّـهُ أَنْ يَغْتَسِلَ عَنْ جَنَابَتِهِ السَّابِقَةِ الَّتِي طَهَّرَهَا بِالتَّيَمُّمِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّ الصعيدَ الطيبَ طَهورُ المسلمِ وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ سنينَ، فإذا وجد الماءَ فليُمِسَّهُ بشرَتَه فإن ذلك خيرٌ"(الترمذي وغيرُه).

 

وَيَجِبُ عَلَي المريضِ أَنْ يُصَلِّيَ بِثِيَابٍ طَاهِرَةٍ، فَإِنْ تَنَجَّسَتْ ثِيَابُهُ وَجَبَ غَسْلُهَا أَوْ إِبْدَالُـهَا بِثِيَابٍ طَاهَرِةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَلَّى عَلَى حَالِهِ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.

 

وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى شَيْءٍ طَاهِرٍ، فَإِنَّ تَنَجَّسَ مَكَانُهُ وَجَبَ غَسْلُهُ أَوْ إِبْدَالُهُ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ، أَوْ يَفْرِشَ عَلَيْهِ شَيْئاً طَاهِراً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَى حَالِهِ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.

 

وَلا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا مِنْ أَجْلِ الْعَجْزِ عَنِ الطَّهَارَةِ، بَلْ يَتَطَهَّرُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ، ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلاةَ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَكَانِهِ نَجَاسَةً يَعْجِزُ عَنْهَا.

فإذا كان المريضُ في مَحلٍّ لم يجدْ فيه ماءً ولا تراباً، ولا مَن يُحضرُ له الموجودَ منهما، فإنِّه يُصلي على حَسَبِ حالِه وليسَ له تأجيلُ الصلاةِ؛ لقولهِ -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن: 16].

 

أيها المؤمنون: مِنْ أَنُوَاعِ الْمـَرَضِ مَنْ يَكُونُ مَصَابًا بِسُلْسَ الْبَوْلِ، أَوْ اسْتِمْرَارِ خُرُوجِ الدَّمِ أَوِ الرِّيحِ، وَلَمْ يَبْرَأَ بِمُعَالَجَتِهِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَ، وَيَغْسِلُ مَا يُصِيبُ بَدَنَهُ وَثَوْبَهُ، وَأَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ احْتِيَاطًا يُمْنَعُ انْتِشَارُ الْبَوْلِ أَوِ الدَّمِ فِي الثَّوْبِ أَوِ الْـجَسَدِ أَوْ مَكَانِ الصَّلَاةِ.

 

قَالَ ابْنُ عُثِيمِينَ: "الْـمَصَابُ بِسُلْسِ الْبُولِ لَهُ حَالَانِ: الْأَوَّلَى: إِذَا كَانَ مُسْتَمِرًّا عِنْدَهُ بِحَيْثِ لَا يَتَوَقَّفُ، فَكُلَّمَا تَجَمَّعَ شَيْءٌ بِالْـمُثَانَّةِ نَزَلَ، فَهَذَا يَتَوَضَّأُ إِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَيَتَحَفَّظُ بِشَيْءٍ عَلَى فَرْجِهِ، وَيُصَلِّي وَلَا يَضُرُّهُ مَا خَرَجَ، الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ يَتَوَقَّفُ بَعْدَ بَوْلِهِ وَلَوْ بَعْدَ عَشْرِ دَقَائِقٍ أَوْ رَبْعِ سَاعَةٍ، فَهَذَا يَنْتَظِرُ حَتَّى يَتَوَقَّفَ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي، وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْـجَمَاعَةِ".

 

وَيُجْوَزُ لِمَنْ بِهِ سُلْسُ بُولٍ وَلِلْمُسْتَحَاضَةِ كَذَلِكَ الْـجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ.

 

أَسْأَلُ اللـهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَشْفِيَ كُلَّ مَرِيضٍ، وَأَنَّ يُعَافِيَ كُلَّ مُبْتَلَى.

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الْـخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْـحَمْدُ للـهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، الْـحَلِيمِ الْعَظِيم، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْـمَرِيضَ كَغَيْرِه مُطَالَبٌ بِأداء الصَّلَاةِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَاءُ، وَالْمِلَّةُ الغَرَّاءُ، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْـمَرِيضِ، فَهِيَ كَمَا يَلِي: يَجِبُ عَلَى الْـمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ قَائِمَاً، وَلَوْ مُنْحَنِيَاً، أَوْ مُعْتَمِدَاً عَلَى جِدَارٍ أَوْ عَصَا؛ لِعُمُومِ قَوْلِ اللـهِ: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[البقرة: 238]، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ صَلَّى جَالِسَاً، وَالأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَرَبِّعَاً فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ.

 

فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ جَالِسَاً صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ مُتَوَجِّهَاً إِلَى الْقِبْلَةِ، وَالْـجَنْبُ الأَيْمَنُ أَفْضَلُ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ اتِّجَاهُهُ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ عَلَى جَنْبِهِ صَلَّى مُسْتَلْقِيَاً رِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَالأَفْضَلُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلاً لِيَتَّجِهَ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ تَكُونَ رِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَتْ، وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.

 

ويَجِبُ عَلَى الْـمَرِيضِ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ فِي صَلاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْمَأَ بِهَمَا بِرَأْسِهِ، وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ الرُّكُوعَ دُونَ السُّجُودِ رَكَعَ حَالَ الرُّكُوعِ وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ، وَإِنِ اسْتَطَاعَ السُّجُودَ دُونَ الرُّكُوعِ سَجَدَ حَالَ السُّجُودِ وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَشَارَ فِي السُّجُودِ بِعَيْنِهِ، فَيُغْمِضُ قَلِيلاً لِلرُّكُوعِ، وَيُغْمِضُ تَغْمِيضَاً لِلسُّجُودِ.

 

وَأَمَّا الإِشَارَةُ بِالإِصْبِعِ، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْـمَرْضَى، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلا أَصْلَ لَهَا مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، وَلا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

 

فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الإِيمَاءَ بِالرَّأْسِ، وَلا الإِشَارَةَ بِالْعَيْنِ صَلَّى بِقَلْبِهِ، فَيُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ وَيَنْوِي الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالْقِيَامَ وَالْقُعُودَ بِقَلْبِهِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.

 

وَيَجِبُ عَلَى الْـمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَيَفْعَلُ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ فِيهَا، فَإِنَّ شَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا، فَلَهُ الْـجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْـمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، إِمَّا جَمْعُ تَقْدِيمٍ، وَإِمَّا جَمْعُ تَأْخِيرٍ، حَسْبَمَا يَكُونُ أَيْسَرَ لَهُ.

 

وَمِنْ أَجْرَيْتُ لَهُ عَمَلِيَّةٌ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْبَنْجِ فَعَلَيْهِ حِينَ يَفِيقَ أَنْ يَقْضِيَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي فَاتَتْهُ عَلَى التَّرْتِيبِ، الْفَجْرُ ثُمَّ الظُّهْرُ ثُمَّ الْعَصْرُ، وَهَكَذَا حَتَّى يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ طَالَ الْإِغْمَاءُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ وَصَارَ فِي حُكْمِ الْـمَعْتُوهِ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ فَيَبْتَدِئُ فِعْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ رَجُوعِ عَقْلِهِ إِلَيْهِ.

 

وَإِذَا كَانَ الْـمَرِيضُ مُسَافِرَاً يُعَالَجُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ، سَوَاءٌ طَالَتْ مُدَّةُ سَفَرِهِ أَمْ قَصُرَتْ.

 

عباد الله: إِنَّ مِنَ الْـخُذْلَانِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا مَرِضَ تَرَكَ الطَّاعَةَ، وَخَاصَّةً الصَّلاةَ، وَرُبَّمَا سَوَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ، وَقَالَ: "إِذَا تَعَافَيْتَ فَصَلِّ مَا مَضَى"، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْـمَرِيضَ قَدْ يَكُونُ عَلَى مَشَارِفِ الْـمَوْتِ، فَكَيْفَ يَتَخَلَّى عَنِ الْعِبَادَةِ التِي مِنْ أَجْلِهَا خُلِقَ، وَيَتْرُكُ الطَّاعَةَ التِي هِيَ زَادُهُ إِلَى الآخِرَةِ؟!.     

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life