عناصر الخطبة
1/نصائح ووصايا لإصلاح الدين والدنيا 2/التحذير من الظلم وعاقبة الظالمين 3/التحذير من إراقة الدماء 4/الحث على الصبر والاحتساب في بيت المقدس 5/المواساة في فقد عالِم جليلاقتباس
اصبروا على النوائِب، ولا تتعرَّضوا للحقوق، لا تأكلوا أموالَ الناسِ ظُلمًا، وكونوا من أهل الرِّضا والصبر؛ في الصبر استعجالُ الراحة، وانتظارُ الفَرَج وحُسنُ الظنِّ باللهِ، وأجرٌ بغيرِ حسابٍ، الصبرُ سلامَةٌ، والطيشُ ندامَةٌ، من صبرَ نالَ المُنى، ومن شكَرَ حصَّن النُّعْمَة...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله، رافعِ درجاتِ المُخبتين، ومجيبِ دعواتِ المضطرين، ومفرِّجِ الكُرَبِ عن المهمومينَ، وجاعلِ الصلاةِ على الشفيعِ سببًا للغُفران، وبابًا لتفريجِ الأحزانِ، وحِرزًا من وساوسِ الشيطانِ.
ونشهدُ أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ، صاحبُ العزةِ والجبروتِ، وبيدِه الْمُلْكُ والملكوتُ، ونشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه؛ جاءنا بالهدى بشيرًا ونذيرًا، فشرَّف أُمَّتَه كبيرًا وصغيرًا، ودمَّر عبَدةَ الأوثان تدميرًا، فعجزوا عنه فلم يجدوا له تدبيرًا.
ما جَزِعَ -صلى الله عليه وسلم- قطُّ من أمرٍ يتعلَّق به، وإنَّما كان يجزعُ على ما يتعلَّق بأمته، فصلواتُ الله تترى، وسلامُه يتوالى على مَنْ خصَّه اللهُ بالرُّتَبِ العلية، والمقاماتِ السَّنِيَّةِ، وأهلِ آلِه الأطهارِ الأبرارِ، وصحابتِه الأخيارِ، ومَنْ تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ، أيها المسلمُ: ألهمكَ اللهُ ذِكرَه، وأوزعكَ شكرَه، ورضّاكَ بقدرِه، ولا أخلاكَ من توفيقِه ومعونتِه، ولا وكلكَ إلى نفسِكَ، ولا إلى أحدٍ من خليقتِه، وجعلَكَ ممَّن وفَّى بعهدِه، وصدَق في قولِه وفِعلِه، وجعلَكَ ممَّنْ أرادَ اللهَ -عز وجل-، وجدَّ في الطلبِ بالصدقِ والأدب، وأرادَ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بالمتابَعةِ والتصديقِ.
اللهمَّ اجعلنا منهم يا ربَّ العالمينَ، وارزقنا هذه الصفاتِ الطيبةَ الحسنةَ يا إلهَ العالمينَ؛ لمثلِ هذا فليعملِ العاملون، وفي ذلك فليتنافسِ المتنافسون. هذا هو عزُّ الدنيا وشرفُ الآخرة.
فيا أيها المسلمُ: قدِّم لنفسك كما قدَّموا، وادَّخِرْ ليومِ القيامة كما ادَّخروا، واعلم أن المأكولَ للبدن، والموهوبَ للمعاد، والمتروكَ للعَدُوِّ؛ فاختَرْ أيَّ الثلاثِ شئتَ.
آهٍ من قلَّةِ الزاد، وبُعدِ السفر، ووحشةِ الطريق، أحوالُنا لا تُرضي الصديقَ ولا الشفيقَ؛ فعليكم -يا عباد الله- بالحقِّ الحقيقِ.
للهِ قومٌ إذا حلُّوا بمنزلةٍ حلَّ السرورُ، وسار الجودُ إن ساروا؛ تحيا بهم كلُّ أرضٍ ينزلون بها، كأنهم في بقاعِ الأرضِ أمطار، ونورُهم يهتدي الساري لرؤيتِه، كأنهم في ظلامِ الليلِ أقمار، وتشتهي العينُ منهم منظرًا حسنًا، كأنهم في أعينِ الناس أزهار.
يا أيها المسلمُ: اضمُمْ جناحَكَ عن المسلمين، واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنَّها مستجابة، لا تكن على الإساءةِ أقوى منكَ على الإحسان، مَنْ عرَّض نفسَه للتُّهَم فلا يَلُومَنَّ مَنْ أساء به الظنَّ.
وفي بعض الآثار: أوحى الله إلى داودَ -عليه السلام-: "إن لم تكنْ ظالمًا فلا تَصْحَبِ الظالمينَ فتهونَ في عيني".
يا معشرَ الظَّلَمة: لا تُجالِسُوا أهلَ الذكر؛ فإنهم إن ذكروني ذكرتُهم برحمتي، وإذا ذكرتموني ذكرتُكم بلعنَتي، من خاف ربَّه كفَّ ظُلْمَه، ومن سالم الناسَ غَنِمَ.
مِلَاكُ أمورِ الدينِ وعصمتُكم: التقوى، وزينتُكم: الأدب، وحصونُ أعراضِكم: الحِلمُ.
أتدرون -يا عباد الله- مَنْ أظلمُ الظالمينَ لنفسِه؟ أظلمُ الظالمينَ لنفسِه مَنْ تواضعَ لمن لا يكرمُه، ورغب في مودَّةِ من لا ينفعُه، وقَبِلَ مدحَ مَنْ لا يعرِفُه.
أيها المسلمُ: إن لم تكنْ مِلْحًا تُصلِح؛ فلا تكنْ ذُبابًا تُفسِد، ومَنْ لم يقدِرْ على جمعِ الفضائل؛ فلتكنْ همَّتُه تركَ الرذائل.
وإذا تتبَّع الإنسانُ عوراتِ الناسِ أفسدَهُم؛ وهنا يجبُ على أصحابِ القلوبِ السليمةِ، والعقولِ الراجحةِ، أن يُحاصِروا المحن، وأن يوقِفوا كلَّ إنسانٍ عند حدِّه، فلا يجب أن تتدحرجَ الأمورُ فتأكلَ الأخضرَ واليابسَ.
أتدرون -يا عبادَ اللهِ- بِمَ ينتقمُ الإنسانُ من عدوه؟ بإصلاحِ نفسِه.
والأصلُ في المسؤول أن يكون له رأيٌ يَنفَع، وتدبيرٌ يَقطع، وهيبةٌ تَجمعُ، الرياسة لا تتمُّ إلا بحُسْنِ السياسة.
إذا ذهب الوفاءُ نزل البلاء، وإذا مات الاعتصامُ عاش الانتقام، وإذا ظهرتِ الخياناتُ امتُحقتِ البركاتُ.
نسألُ اللهَ -عز وجل- أن يجعل قِرَاكم دخولَ الجنةِ، وأن يجعل ذكرَ الموتِ منا ومنكم على بال، وأن يحفظ علينا الإيمانَ إلى الممات.
عبادَ اللهِ: إن الله لا يستجيب دعاءَ مُصِرٍّ على معصيةٍ أبدًا.
يا نفسُ، توبي إلى الله -تعالى- قبل أن تموتي، طُوبى لمن ذكرَ المعاد، وعملَ للحساب، وقَنِعَ بالكفاف، فتوجَّهوا -أيها المؤمنون- إلى الله -تبارك وتعالى- بالتوبةِ والاستغفارِ؛ فهو القائل: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)[طه: 82]، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله الذي أمَر بالحق، وفرَض الصدقَ، وحرَّم الكذبَ، ونهى عن الباطل، ونشهدُ أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ شهادةَ مُذعِنٍ للحق، وناطقٍ بالصدق، وسالكٍ بالرِّفق.
ونشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، طيَّبَ أُمَّتَه -صلى الله عليه وسلم-، وقُدِّسَتْ وَهُمْ في أصلابِ آبائهم؛ جعَل اللهُ -تبارك وتعالى- فيهم العزَّ والسلطانَ في آخِر الزمانِ، ويُظهرُهم على الدين كله ولو كره المشركون.
أما بعدُ، فيا عبادَ الله، يا أيها المسلمُ: إِنْ أردتَ طريقَ الحق، فاركبْ جوادَ الصدق، واسلكْ طريقَ الاستقامة.
انظروا -أيها المؤمنون- إلى أحوالِنا اليوم: قلوبٌ شاردةٌ، وأحوالٌ مائلةٌ، وشهواتٌ غالبةٌ، وهممٌ راقدةٌ، وعزائمُ خامدةٌ.
ابتعدَ الناسُ عن منهجِ اللهِ، واستهوتْهم الشياطينُ؛ أرحامُهم مقطوعةٌ، وحبالُهم مصرومةٌ، متى ترجعون -أيها الناسُ- إلى المولى -تبارك وتعالى-؟ إلى متى وأنتم تهرعون إلى مصائب الدنيا؟ سيأتي اليومُ الذي تقولون فيه: يا حسرتَا على ما فرَّطتُ في جنبِ اللهِ.
إلى متى تقتلون أنفسكم؟ في كلِّ يومٍ نسمع ونرى ونشاهد جرائمَ القتل. كفانا ما نحن فيه.
لماذا تتعرَّضون للهلاك؟ لأجلِ دُنيا فانيةٍ، ومتعةٍ زائلةٍ، ومعصيةٍ قاتلةٍ.
فَكَمْ مِنْ دمٍ أراقَه سعيُ ساعٍ؟ وكَمْ حريمٍ استُبيح بنميمةِ باغٍ؟ وكم مِنْ صفيَّينِ تقاطعَا؟ وكم من محبَّين تباغَضَا؟ ومِنْ متواصلينِ تَبَاعَدَا؟ ومِنْ إلفين تهاجَرَا؟ ومن زوجين افترقا؟ فليتقِ اللهَ ربَّه رجلٌ ساعدته الأيامُ، وتراخت عنه الأقدارُ؛ أن يُصغيَ لساعٍ أو يسمعَ لنمَّامٍ؛ روى ابنُ مسعودٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أولُ ما يُقضَى بين الناسِ الدماء"، فاتقوا الله -يا عبادَ اللهِ-، وتذكَّر -أيها المسلمُ- أن ما عملتَه اليومَ وَجَدْتَه غدًا، وما أمليتَه اليومَ قرأتَه غدًا.
وإنَّما تُنال شفاعةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَدْرِ ما تُراعى سُنَنُه، وتُنال رحمةُ الله -تبارك وتعالى- بقدر ما يرحم العبادُ أنفسَهم.
فالراحمون ي-رحمهم الله-؛ ارحموا أهليكم، وقوهم نارًا وقودُها الناسُ والحجارةُ.
فاتقِ الله -يا عبدَ الله- والتزِمْ بأحكامِ اللهِ، وإيَّاكَ ثم إيَّاكَ وخُطُواتِ الشيطانِ، الفاحشةُ عارُ الأبد، وعقوبةُ غدٍ، وثمراتُ الشهواتِ المخازي، ومن أَمِنَ الزمانَ خانَه، ومن تَعَزَّز عليه أهانَه.
أيها المؤمنون: خاطَبَنا المولى -تبارك وتعالى- بقوله: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)[النُّورِ: 30]، فكيف بمن يزني؟! وقال: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)[الْمُطَفِّفِينَ: 1]، فكيف بمن يأخذ المالَ كُلَّه؟! وقال: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)[الْحُجُرَاتِ: 12]، فكيف بمن يقتلُه ويفتري عليه ويقاتلُه؟!
فاتَّعِظُوا يا أولي الألباب، وأصلِحُوا؛ يُصلحِ اللهُ أحوالكم، قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما-: "ما ظهَر الغُلُولُ في قومٍ قطُّ إلا أُلقي في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنا في قومٍ قطُّ إلا كَثُر فيهم الموت، ولا نقصَ قومٌ المكيالَ والميزانَ إلا قُطع عنهم الرزق، ولا حَكَم قومٌ بغير الحق إلا فشا فيهم الدم، ولا غدَر قومٌ بالعهد إلا سلَّط اللهُ عليهم العدوَّ".
كفى -أيها المؤمنون- بهذه الآية وعيدًا للظالم، وتعزيةً للمظلوم: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)[إِبْرَاهِيمَ: 42].
مَنْ يَظْلِمْ يَخْرَبْ بيتُه؛ (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا)[النَّمْلِ: 52]؛ فالظلمُ أدعى شيءٍ إلى سلبِ النِّعم، وحلولِ النِّقم، كفى بالظلم طاردا للنعمة، وداعيًا للنقمة، الشبهة ظلمة.
انظر -أيها المسلم- كيف أن الله -تبارك وتعالى- يستر زلاتك، ويتغمد سيئاتك، ولا يفضحك في خلواتك، ففي هذا ما يمهد النفوسَ، ويؤدِّب ذوي العقول، ويَهدِي إلى الصواب، ويُوضِّح طريقَ الرشاد.
المؤمن عفيف كريم، فكم أطعم جائعا، وكم كسى عاريا، وكم وزن مهر فقير، وكم أوفى دينا!
من اشتاق إلى الجنة سلَا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن راقب الموت أقصر عن الخطيئات.
عليكم بإصلاح الطُّعمة فإنَّها أساسُكم الذي تَبنُون عليه دينَكم، أصلِحوا قلوبَكم، والبَسوا ما شئتُم.
اصبروا على النوائِب، ولا تتعرَّضوا للحقوق، لا تأكلوا أموالَ الناسِ ظُلمًا، وكونوا من أهل الرِّضا والصبر؛ في الصبر استعجالُ الراحة، وانتظارُ الفَرَج وحُسنُ الظنِّ باللهِ، وأجرٌ بغيرِ حسابٍ، الصبرُ سلامَةٌ، والطيشُ ندامَةٌ، من صبرَ نالَ المُنى، ومن شكَرَ حصَّن النُّعْمَة.
(اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[الْبَقَرَةِ: 153]؛ بدأَ بالصبر قبل الصلاة، ثم قال قولًا عظيمًا، فجعلَ نفسَه مع الصابرين دون المُصلِّين؛ فالحمدُ لله الذي جعلَنا من عبادِه الصابرين، فمن صبرَ على البلاء ورضِي بالقضاء فقد كمُل أمرُه.
الزُّهدُ في الدنيا هو الصبر، وارتِقابُ الموت.
وتذكَّروا -يا أهلَنا في أرضنا المُبارَكة- أنَّ أهلَ السماء راضون عنكم بما صبرتُم، (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرَّعْدِ: 24].
إيَّاكُم ثم إيَّاكُم والجزعَ؛ ففيه استعجالُ الهَمِّ، ونهكُ البدنِ، واستشعارُ الخيبةِ، وسوءُ الظنِّ، وحملُ الإثم، وانتظار العقوبة.
أيها المؤمنون، يا أهل بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: الموتُ حقٌّ، الموتُ بابٌ وكلُّ الناسِ داخِلُه، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)[الْأَنْبِيَاءِ: 35]، و(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)[الرَّحْمَنِ: 26]، و(كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)[الْقَصَصِ: 88]، انتَقَل إلى ساحةِ الرحمنِ، سماحَةُ الشيخ عبد العظيم سلهَب، رئيسُ مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية، وسابقًا القائم بمنصب قاضي قضاة بيت المقدس، نسأل اللهَ -تبارك وتعالى- أن يتغمَّدَه برحمته الواسعة، فقد كان جامعًا لأنواع المحاسن والمعالي، قرَن بينَ العلم والعمل، والعقل والفضل، واللُّطف والرفق، وحُسْنِ النِّيَّةِ، وطِيبِ الطَّوِيَّة، بكَت عليه العيونُ، وعمَّ المُصابُ، -رضي الله عنه- وأرضاه، ونضحَ بماء الرحمة مثواه.
لقد علِمَ اللهُ اغتنامَنا لفقدِ حضرته، واستيحاشَنا لخلُوِّ الأقصى من بركته، واهتمامَنا بأدعيته، أسكَنَه اللهُ بحبوحةَ جنَّتِه، ونفعَنا بمحبتِه، قضى حياتَه في خدمةِ العلم والعلماء، واهتمامُه الكبيرُ بقضايا أرضِنا المباركة، كان يُحيي يومَه ولَيْلَه في عبادة ربِّه؛ فهو حيٌّ لمجدِه، وإنَّما نحن الموتى لفقدِه.
وهكذا -يا عباد الله- هي الدنيا؛ لا تبقى على حال، وكلُّ مَنْ عليها إلى زوال، واللهُ -سبحانه وتعالى- هو الباقي، وهو القائل: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)[مَرْيَمَ: 40]، إنَّا لله وإنا إليه راجعون.
اللهمَّ إنَّا نسألُكَ رحمةً من عندِكَ تهدي بها قلوبَنا، وتجمعُ بها شملَنا، وتلمُّ بها شعثَنا، وتردُّ بها أُلفتَنا، وتُصلِحُ بها دينَنا، وتحفظُ بها غائبَنا، وترفعُ بها شاهدَنا، وتُزكِّي بها عملَنا، وتبيِّضُ بها وجوهَنا، وتُلهِمَنا بها رُشدَنا، وتعصِمُنا بها من كلِّ سوء.
اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أن تُرسل السماءَ علينا مِدرارًا، اللهمَّ ضاحت بلادُنا، واغبرَّت أرضُنا، وهاجت دوابُّنا.
اللهمَّ مُنزِلَ البركاتِ من أماكنِها، وناشِرَ الرحمة من معادنِها، أنتَ المستغفَرُ للأنام؛ فنستغفرُكَ إنكَ كنتَ غفَّارًا، أَرسِلِ السماءَ علينا مِدرارًا، وأمدِدْنا بأموالٍ وبنينَ، واجعلْ لنا جناتٍ، واجعلْ لنا أنهارًا.
اللهمَّ وقد قنَط الناسُ -أو مَنْ قنَط منهم- وساء ظنُّهم، وهاجَتْ بهائمُهم، وعجَّت عجيجَ الثَّكلى على أولادِها، إذ حَبَسْتَ عنها قطرَ السماء، فدَقَّ لذلك عظمُها، وذهب لحمُها، وذاب شحمُها.
اللهمَّ ارحم أنينَ الآنَّةِ، وحنينَ الحانَّةِ، ومَنْ لا يحملُ رزقَهم غيرُك.
اللهمَّ ارحم البهائمَ الجاسمةَ، والأنعامَ السائمةَ، ارحمهم برحمتِك -يا ربَّ العالمينَ- ارحم الأطفالَ الصائمةَ، ارحم المشايخَ الرُّكَّعَ، والأطفالَ الرُّضَّعَ، والبهائمَ الرُّتَّعَ.
اللهمَّ زِدْنا قوةً إلى قوتِنا، ولا تَرُدَّنا محرومينَ، إنكَ سميعُ الدعاءِ، برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمِه يَزِدْكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات