عناصر الخطبة
1/عظم حقوق الوالدين 2/وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما 3/فضائل بر الوالدين وثمراته في الدنيا والآخرة 4/صور بر الوالدين والإحسان إليهما 5/التحذير من عقوق الوالدين 6/وجوب صلة الأرحام وتحريم قطعهااقتباس
ومن صور البر والإحسان إليهما: تقديم رضاهما، والقيام بكل ما هو معروف لهما. والجلوس معهما، وإخبارهما بكل ما يسرهما ويجلب لهم الفرح والسرور، وتجنّب كل ما يُدخل عليهم الحزن والضيق.. والحذر من الانشغال بأجهزة التواصل الاجتماعي في حضورهما...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله ربّ العالمين؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعدُ: أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المسلمون: لقد أمر الله -تعالى- عباده وأوصاهم بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ؛ قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا)[الأحقاف: 15]، أَيْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا وَالْحُنُوِّ عَلَيْهِمَا.
وقال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)[العنكبوت: 8]، وقال -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23- 24].
وبر الوالدين والإحسان إليهما من أحب الأعمال إلى الله -تعالى- وأفضلها؛ فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا" قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ". قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي.
وإن بر الوالدين والإحسان إليهما يزيد للإنسان في عُمره ويبارك له في رزقه؛ فعَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(مسند أحمد مخرجًا 21/ 93).
ورضا الوالد من أسباب رضى الرب -سبحانه وتعالى-؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ".
أيها المسلمون: إن صور بر الوالدين والإحسان إليهما كثيرة ومتنوعة، ومنها: إسعادهما وإدخال السرور عليهما، وإكرامهما والثناء عليهما والقيام بخدمتهما... فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي جِئْتُ أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَقَدْ أَتَيْتُ وَإِنَّ وَالِدَيَّ لَيَبْكِيَانِ، قَالَ: "فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا".
ومنها: احترامهما وتقديرهما وعدم رفع الصوت عليهما، قال -تعالى-: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)[الإسراء: 23- 24].
ومن صور البر والإحسان إليهما: تقديم رضاهما، والقيام بكل ما هو معروف لهما.
ومن صور البر بهما: الجلوس معهما، وإخبارهما بكل ما يسرهما ويجلب لهم الفرح والسرور، وتجنّب كل ما يُدخل عليهم الحزن والضيق، ومن برهما ملازمتهما في حالة حاجتهم للمساعدة كالذهاب بهم إلى المستشفى، والقيام بشؤنهما، أو قضاء حاجياتهم من الأسواق وغيرها، والحذر من الانشغال بأجهزة التواصل الاجتماعي في حضورهما، والانشغال بها عنهم، وعدم التواصل معهم في مجلسهم.
واعلموا أنه ليس من البر مناداة الوالدين باسمِهما المجرد، ومن أجمل ما ينادى به الوالدان يا أبي ويا أمي، ويا والدي، ونحو ذلك.
ومن برهما بعد موتهما: الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ ما تعهّدا به، وصلة قرابتهم؛ فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا". وقال -تعالى-: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 24].
أيها المسلمون: احذروا عقوق الوالدين، وتجنبوا ذلك؛ فإن عقوقهما من الكبائر العظام، عن أبي بكرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟" ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا-، فَقَالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ"، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]؛ أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها، صلوا الأرحام من جهة آبائكم وأمهاتكم من الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وذرياتهم؛ فصِلة الرحم حق واجب عليك؛ قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى)[البقرة: 83].
وأمرنا الله -تعالى- بأن نقوم بحق ذوي القربى؛ قال -تعالى-: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)[الإسراء: 26]؛ من البر والإكرام الواجب والمسنون، وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الأحوال والأقارب والحاجة وعدمها والأزمنة.
وفي صلة الرحم من المكاسب العظام في الدنيا والآخرة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
وكذلك قطيعة الرحم أمرها خطير؛ قال -تعالى-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد: 22- 23]، وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ"؛ فلنحرص على بِرّ الوالدين والإحسان إليهما، وأن نُعزّز صلتنا بأرحامنا وذوي القربى، وتربية أولادنا على ذلك.
هذا وصلوا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات