الحرية مفهومها وضوابطها الشرعية – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-10-21 - 1447/04/29
التصنيفات:

مظلومة هي كلمة "الحرية" في زماننا أيما ظلم، فهي تحمل الآن -زورًا- تبعة كثير من الموبقات والكبائر وتحمل على عاتقها -ظلمًا- ذنب العديد من الفواحش والمعضلات؛ فقد التُبس مفهوم الحرية عند بعض الناس، حتى ظنّوا أن انتهاك حدود الدين أو ثوابت المجتمع يُعد حرية، وهي في الحقيقة انفلات من القيم وضوابط الشرع.!

 

والحرية في التصور الغربي، والتي يتأثر بها بعض المفكرين المعاصرين، تحمل في طياتها كثيرًا من التناقضات، فبينما ينادون بالمساواة بين الأجناس والألوان والاندماج التام لجميع طوائف المجتمع تجدهم يسيئون معاملة الأقليات الدينية والملونين من أبناء الغرب، فلا تزال النظرة العنصرية سائدة في الغرب إزاء السود أو الآسيويين أو العرب، فضلاً عن التضييق على المسلمين على وجه الخصوص في ممارسة شعائرهم، والتضييقات الأمنية التي تحد من حريتهم في الذهاب والمجيء والسفر والأعمال، لذا فالحرية في الغرب حرية مغلوطة زائفة، تتوافق مع ما يحقق مصالح الطغمة الحاكمة دون نظر إلى حقوق الأقليات أو كرامتهم.

 

أما الحرية في الإسلام فهي محدودة بحدود الشريعة، تؤطرها وتسيِّجها بما يتوافق مع الطبيعة الإنسانية التي لا تطيق الحرية المطلقة ولا تطيق الكبت وقهر الحريات، فهي وسط بين نقيضين، وكذلك هو الإسلام وسط بين طرفين مذمومين، فإن الحرية الإسلامية بمعناها السليم تكرِّس للعبودية لله -تعالى- وحده وترفع الإنسان عن العبودية لكل ما سواه.

 

فالحرية الإسلامية في الاقتصاد مثلاً تحده بحدود المعاملات الشرعية، فترفع الإنسان عن العبودية للدولار والدوران في فلك المصلحة الاقتصادية بغض النظر عن مساوئها ومضارّها، فالإسلام جعل المال تابعًا لا متبوعًا، ووسيلة لتحقيق منافع الحياة لا غاية تتسابق إليها النفوس وتجهض في سبيلها المبادئ والقيم، وهو ما نراه في النظام الرأسمالي مثلاً الذي يتيح حرية التجارة والقروض الربوية وجميع أشكال المعاملات، في الوقت الذي لا يرى فيه بأسًا في احتلال الدول لبعضها بغرض التوسع الاقتصادي والسيطرة على المقدرات الاقتصادية للدول المحتلة، غالبًا ما يُغفل هذا النظام حقوق الشعوب في الاستقلال والحرية.

 

والحرية الإسلامية في الأبضاع والشهوات تضرب كذلك المثال الأسمى في المحافظة على حرمات الآخرين، فكما كفل الإسلام الحرية في الزواج مثنى وثلاث ورباع فإنه حرّم تعدي ذلك الحد، بل جعل كل نظرة أو لمسة تزيد عن ذلك الحد انتهاكًا لحرية الآخرين، وهذا ما يحفظ على الفرد نفسه ودينه وما يحفظ للمجتمع هيبته ونظامه الذي لا يستقيم إلا به.

 

أما انتشار الفواحش بحجة رضا الطرفين فإنه مؤذن بهلاك المجتمع قيميًّا وسلوكيًّا، وفتحٌ لباب لا يجر على الفرد نفسه سوى الوبال والدمار، فالنفس البشرية مفطورة على التطلع للمزيد، فإن لم توضع لها حدود في هذه المسألة على وجه الخصوص فلن ينتهي بها المطاف عند ممارسةٍ ما، وإنما كلما حققت تطلعها المبدئي ازداد شبقها وشغفها لممارسة المزيد، وهذا ممارس بالغرب بشكل لافت للنظر؛ فقد تطورت صناعة السينما في الغرب من مجرد التمثيل الفني إلى مشاهد تخدش الحياء وتخالف القيم الفطرية، مما أثّر سلبًا في نظرة المجتمعات إلى الأخلاق والحياء.

 

 

والحرية في الغرب مفهوم مضطرب في تصوره النظري غير منضبط في تطبيقاته العملية. وقد تبلورت الحرية عند الغربيين ضد أغلال الإقطاع والكنيسة والملكية، ولا شك أن ذلك كان فيه بعض خير، ولكنه لا يرقى لأن يكون مثالا يتأسى به المسلمون، لما فيه من مآخذ وسيئات.

 

ولا يماري أحد أن الحرية المطلقة مستحيلة وغير حميدة، ولا بد من حدود لضبطها، ومن تلك الحدود عندهم الحكومة والقانون. ورغم دعوى فصل السلطات فإن الحكومة والقانون وجهان لعملة واحدة، إذ الغالب أن الحكومة لها نصيب الأسد في سن القانون وتشريعه، وغالبا ما ينحاز القانون لمصلحة الفئة القابضة على زمام الأمور، وبإمكانه تقييد الحرية متى شاء بحجة الأمن القومي وسلامة النظام.

 

والحربة في الغرب ليست قيمة اجتماعية منفصلة عن غيرها من القيم، وليست شيئا قائما بذاته يمكن نقله إلى ثقافات أخرى. ولقد أثبتت التجارب المعاصرة أن نقل التقنية الغربية قد كان أحد الأسباب الهامة في تغريب العالم بأجمعه ومنه العالم الإسلامي.

 

وبعد ما احتل الغرب مركز القيادة للعالم المعاصر بسبب تفوقه المادي والعلمي، أخذ يزعم بصلف وكبرياء أن حضارته هي الحضارة وأن تطوره هو آخر مراحل التقدم البشري، وأخضع الدنيا لفكره ونظمه الاجتماعية عن رغبة وإعجاب حينا وعن رهبة وإرهاب أحيانا أخرى. وفي ظل هذه الأوضاع انتقل المفهوم الغربي للحرية إلى العالم الإسلامي وقامت على أسسه كثير من حركات التحرر المعاصرة، تحذو حذو الغرب وتتأسى بنماذجه، وقد حذر النبي ﷺ من تقليد الأمم الأخرى تقليدًا أعمى يخالف هدي الإسلام، وفهم هؤلاء أن الحرية هي العلمانية وفصل الدين عن الدولة ونبذ التشريع الإسلامي واستبداله بالقوانين الغربية. وقسّم هؤلاء العالم الإسلامي إلى دويلات متناحرة تحت راية التحرر القومي.

 

وذهب هؤلاء إلى أن الحرية هي الإباحية والسفور. وصارت الحرية سبيلا إلى الإلحاد والطعن في الدين وإثارة الشك والشبهات في مسلماته والسخرية والاستهزاء بمقدساته. -وهو من أسوأ ما عرفه العالم الإسلامي- حللا وزخارف زاهية من ديمقراطية الغرب، من دستور وضعية. فهل يرغب في هذه الحرية مسلم له مسحة من عقل وفي قلبه ذرة من إيمان؟

 

والخلاصة أن نماذج الحرية في الغرب فيها من المتناقضات والسوءات -بشهادة الغربيين أنفسهم- ما يجعلها غير صالحة للتأسي والاقتداء بها... فلعلّ من تأثروا بالمفاهيم الغربية يعيدون النظر في حقيقتها، ويدركون أن الحرية الحقة هي التي تضبطها الشريعة وتكرم الإنسان بقيمها ويفيقون فيدركوا أن الحرية بمعناها الغربي لا تلائم طبيعة مجتمعنا الإسلامي وقيمه، لأنها قائمة على فصل الدين عن الحياة وضياع الضوابط الأخلاقية؛ فهل يعود المسلمون إلى دينهم وحريتهم المنضبطة بحدود إسلامهم؟! وهل يفهمون أنه ليس بعد الحرية بمفهومها الإسلامي القويم من حرية؟!... هذا ما نتمناه ونأمله.

 

وفيما يلي بيان لما تركناه من نقاط في هذه العجالة، وطرح لما عجزنا عن تفصيله، وإتمام لما بدأناه ولم نتمه، فاستفد من هذه الخطب المدبجة المعنى السليم للحرية، واستقرئ منها ضوابطها وحدودها ومظاهرها... كثير من الفوائد الأخرى سوف تراه فيها.

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
العنوان
نقض دعوى حرية الرأي 2009/06/30 6440 2407 60
نقض دعوى حرية الرأي

ولو صاح بالناس إنسان في أكبر بلاد الدنيا حرية أن حريقا قد اشتعل بالقرب منهم، أو أن قنبلة قد وضعت في طائرتهم وكان كاذبا متعمدا للكذب - لعوقب على ذلك؛ لأنه من باب الأذى للناس وترويعهم، والإزعاج للسلطات المسئولة، ولا تشفع دعوى حرية الرأي، أو محبة المزاح لصاحبها في مثل ذلك، مع أنه لم يعتد على أحد لا بقول ولا بفعل

المرفقات

دعوى حرية الرأي1

دعوى حرية الرأي - مشكولة

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life