الكهان وقراءة الطوالع

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2025-09-30 - 1447/04/08
التصنيفات: المنهيات
عناصر الخطبة
1/الحرص على سلامة العقيدة 2/خطورة إتيان الكهنة والعرافين 3/حكم تصديق العرافين والسحرة والدجاجلة 4/النظر في الأبراج والطوالع.

اقتباس

من الدجل والكهانة ما يدّعيه مدّعيه أنه يقرأ كفّك فيعرف حظك وسعدك وبختك، أو يقرأ فنجان قهوتك، أو أنه يعرف طالعك، ومن ذلك ما ابتُلي به بناتنا وبعض شبابنا من نظرهم إلى هذه الأبراج؛ إلى برج الثور أو إلى برج الجدي أو إلى برج العقرب وغيرها، وأن بختك كذا وكذا وأن ساعة حظك في كذا وكذا...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى ونبيه المجتبى، فالعبد لا يُعبَد كما الرسولُ لا يُكذَّب.

 

 فاللهم صلِّ وسلم عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن وسار على نهجهم واقتفى أثرهم وأحبهم وذبَّ عنهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى؛ فإن أجسادنا على النار لا تقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أيها المؤمنون: إن أعظم ما على العبد في هذه الدنيا أن يهتم له وأن يصونه وأن يحفظه وأن يتابعه ويداريه هو أمر دينه وإيمانه وعقيدته، وإن أعظم ما يناقض هذا الدين والإيمان والتوحيد والعقيدة صَرْف ذلك لغير الله -جَلَّ وَعَلا-.

 

 ومن ذلكم -يا عباد الله- ما يتعلق بمدعي علم الغيب، والذين ذاعت أخبارهم، وانتشرت وسائلهم وذرائعهم، خصوصًا في هذا الزمان؛ زمان الانتشار التقني الواسع، حتى أضحى هؤلاء المشككون في علم الغيب؛ من كهنةٍ وعرافين، وسحرةٍ ومشعوذين، ومدّعي علم الغيب، وتقريب الحظ، وصرف ما في الإنسان من السحر وما فيه من العمل.

 

 حتى أضحى ذلك حديث الناس إما في وسائلهم المعاصرة، وإما في مجالسهم، وإما في شكاية بعضهم إلى بعض، ولا يعلم الغيب إلا الله، ومن نازع الله -عَزَّ وَجَلَّ- علم الغيب نازعه خصيصةً من خصائص ربوبيته التي تفرد به -سبحانه- على سائر خلقه، فلا يعلم الغيب إلا هو -سبحانه وَتَعَالى-؛ (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)[النمل: 65].

 

حتى نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لا يعلم الغيب؛ كما قال -جَلَّ وَعَلا- عنه ذلك في آية الأعراف: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ)[الأعراف: 188]، فإنه لا يدري من الغيب إلا ما أعلمه الله له، كما يُعْلِمُه على غيره من رسله من ملائكته ومن بشره؛ قال -جَلَّ وَعَلا-: (عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)[الجن: 26- 27].

 

 ومن بلايا هذا الأمر -يا عباد الله- ومن فظائعه في الزمان الماضي وفي الزمان الحاضر وفي الزمان المستقبل من يدعون علم الغيب من كهنةٍ وعرافين، وسحرةٍ ومشعوذين، وأضرابهم، ومن تشبَّه بهم، ومن حاول أن يخدع هؤلاء الأغرار من الناس، فيحصِّل أموالهم، أو يعطِف إليه أبصارهم وقلوبهم، بأنه يستطيع أن ينفعهم أو يكشف السحر الذي سُحروا به، أو العمل الذي عُمل لهم، أو أنه يقرب البعيد وأنه يعطف الحبيب، وأنه يصرف من شاء، كل هؤلاء دجاجلةٌ كذابون يستعينون بالجن والشياطين لصرف الناس عن أصل دينهم ليكونوا حطبًا لنار جهنم مع الشيطان، مع إبليس –أعاذنا الله وإياكم منه-.

 

وفي الصحيح يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَن أتَى كاهنًا أو عرافًا فسأله فصدّقه فقد كفر بما أُنزل على محمد"؛ أي كفر بالقرآن وكفر بدين الله وكفر بهذا الوحي الذي أنزله الله على نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وإتيان الكهان والعرافين وأضرابهم من السحرة والدجاجلة والمشعوذين له ضروبٌ كثيرةٌ -يا عباد الله-.

 

فمن ذلك: مجاوبتهم في اتصالاتهم الهاتفية، أو التواصل معهم عبر هذه الوسائل المعاصرة في وسائل التقنية، أو مراسلتهم، أو السفر إليهم، أو سؤالهم على جهة التصديق لهم، فاعلموا أنه ردةٌ عن دين الله وكفرٌ بالقرآن، ولو صلى صاحبه وصام، ولو حج وقام، ولو قال: "لا إله إلا الله" مراتٍ كثيرة.

 

فاحذروا -عباد الله- أشد الحذر، وصونوا دينكم وإيمانكم وعقيدتكم، عما يناقضها، ومن ذلك تصديق هؤلاء العرافين والكهان والسحرة والدجاجلة فيما يدّعونه من علم الغيب، سواءٌ في أمرٍ ماضٍ أو في أمرٍ حاضر أو في أمرٍ مستقبل.

 

واعلموا -عباد الله- أن من سألهم ولم يصدقهم على جهة السخرية بهم أولاً، أو على جهة اختبارهم وامتحانهم ثانيًا، أو على جهة الاستهزاء وأن ينظر ما عندهم ثالثًا، فإنه مُتوعَّدٌ بوقوعه في كبيرةٍ من كبائر الذنوب؛ حيث قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَن أتى عرافًا فسأله لم تُقبَل له صلاةٌ أربعين يومًا"، هذا إذا سأله مجرد سؤال، ولم يُصدّقه فإنه مُتوعَّدٌ بهذا الأمر، فإذا ترك الصلاة يومًا أو يومين أو تركها أربعين يومًا؛ لأنها لا تُقبَل منه على جهة الوعيد وعلى جهة الزجر والتهديد، فإنه بتركه الصلاة يكون خارجًا من هذه الملة.

 

فاحفظوا دينكم، وحفِّظوه أولادكم وأهليكم، واحذروا من وسائلهم وتغريراتهم المتنوعة في وسائل التواصل المعاصرة، فإنها كثيرة، وكثيرٌ يقع في حبائلهم وهو يشعر أو لا يشعر.

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من إخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا إلى يوم رضوانه.

 

أما بعد: عباد الله: إن من الدجل والكهانة ما يدّعيه مدّعيه أنه يقرأ كفك فيعرف حظك وسعدك وبختك، أو يقرأ فنجان قهوتك، أو أنه يعرف طالعك، ومن ذلك ما ابتُلي به بناتنا وبعض شبابنا من نظرهم إلى هذه الأبراج؛ إلى برج الثور أو إلى برج الجدي أو إلى برج العقرب وغيرها، وأن بختك كذا وكذا وأن ساعة حظك في كذا وكذا، وأن طباعك هي على النحو الفلاني، كل ذلك من الدجل، وكل ذلك ضربٌ من ضروب الكهانة، كما جاء في حديث عبد الله بن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: "من نظر شعبةً في النجوم فقد نظر شعبةً من السحر زاد ما زاد".

 

فاحذروا ذلك كله –عباد الله-، وحاذروه أنفسكم وأهليكم وأولادكم وإخوانكم، واعلموا أن هؤلاء يسلبون منكم دينكم أولاً، ثم أموالكم ودنياكم ثانيًا، شعر الإنسان أو لم يشعر، ولا سيما إذا كان في حال ضعفٍ من مرض، أو كان في حال ضعفٍ من همٍ وغمّ؛ فإنهم يدلجون إلى قلبه وهو لا يشعر.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم أرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم رحمةً ترحم بها حالنا، وترحم بها شيوخنا، وترحم بها بهائمنا.

 

اللهم إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، اللهم فارحمنا برحمتك الواسعة، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الركع والبهائم الرتع، اللهم أغثنا، اللهم غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا طبقًا مجللاً.

 

اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب، اللهم أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك، يا ذا الجلال والإكرام، لبلدنا هذا خاصة، ولبلاد المسلمين عامةً، يا رب العالمين.

 

 اللهم عزًا تعز به الإسلام وأهله، وذلاً تذل به الشرك والكفر وأهله، يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم خذ بناصيته ومستشاريه إلى البر والتقوى، اللهم اجعلنا وإياهم هداةً مهديين ممن يقولون بالحق وبه يعدلون.

 

اللهم من ضارنا أو ضار المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، يا خير الماكرين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، في بلاد الشام، وفي كل مكانٍ، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم كن لهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا، اللهم أفرغ عليهم الصبر إفراغًا.

 

 اللهم إن هؤلاء تتابعوا عليهم، اللهم ولا ناجي لهم ولا منجي ولا حسب إلا أنت، أنت حسبنا ونعم الوكيل، اللهم كن لجنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم سدد رأيهم ورميهم، وأعذنا وإياهم من عدوك وعدونا يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life