عناصر الخطبة
1/من خصال الجاهلية 2/حكم النياحة على الموتى 3/من صور وأشكال النياحة المحرمة 4/فضل الصبر عند المصائب 5/الفرق بين النعي المأذون به والنعي المحرم.

اقتباس

من أعظم الفساد في الأموال والفساد في الإدارة: الرشوة؛ التي ما دخلت بلدًا إلا وأفسدت عليهم عيشهم، وأبطأت عليهم أرزاقهم، واستحقوا بها لعائن الله -جَلَّ وَعَلا-، فإن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لعن بلعنة الله في الرشوة ثلاثة....

الخطبة الأولى:

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شهادةً نرجو بها النجاة من عذابه، ونرجو بها الفلاح في الدنيا والآخرة، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادنا على النار لا تقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أيها المؤمنون: ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي مالكٍ الأشعري -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أربعٌ من أمور الجاهلية في أمتي لا يتركونهن"، وفي رواية: "لا يدعونهن؛ الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالأنواء، والنياحة على الموتى". وقال -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-: "والنائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطران ودرعٌ من جرب".

 

صدق -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-؛ فلم تزل هذه الخصال الأربعة متجددة في الناس، تتنوع ظهورًا مرةً بعد مرة، حتى جاءت هذه الوسائل المعاصرة مع رقّة الدين وقلة العلم، فكرَّستها ظهورًا وانتشارًا وتنوعًا فيهم وعليهم ومنهم.

 

ومن ذلكم -يا عباد الله- النياحة على الموتى، والنياحة -يا عباد الله- كبيرة من كبائر الذنوب، تعلقت بالرجال، وتعلقها بالنساء أكثر؛ لأن عقول النساء تطيش عند هذه المصائب، وتطيش عواطفهن عند هذه البلايا، ولهذا جاء اللعن متوجهًا فيها إلى النساء أصالة، والرجال هم للنساء فيها تبع.

 

قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لعن الله الشاقَّة، ولعن الله الصالقة، ولعن الله النائحة"؛ وهذه أفعالٌ تدل على النياحة، فالشاقة تشق ثوبها، والصالقة هي التي تضرب وجهها وخدها وجسمها عند المصيبة، والحالقة هي التي تنتف شعرها وتطاير بشعرها عند حصول هذه المصيبة؛ فهذه أفعالٌ من النياحة استوجب أصحابها عليها لعائن الله ولعائن رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

وهذا -يا عباد الله- في حق النساء، وهو في حق الرجال كذلك؛ لأن الشريعة خاطبت الجميع إلا في ما جاء تخصيصًا كُلاً بحسبه.

 

ومن النياحة بالقول -يا عباد الله- رفع الصوت بالتجزع عند حصول المصيبة، أو عند وقوع الرزية، وعند الفجأة الأولى؛ مر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- على امرأةٍ تبكي عند قبر ابنٍ لها، فقال لها -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يا هنتاه، اتق الله واصبري"، فقالت: "إليك عني، فو الله ما أصابك الذي أصابني".

 

تركها -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-، ولم يطاول معها الكلام؛ لأنه لو طاول معها الكلام للزم على ذلك مفسدةٌ أعظم وفتنةٌ أشد، حتى إذا هدأت المرأة أُخبرت بأن الذي وعظها ونصحها هو رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فجاءت إليه بعد ذلك معتذرةً؛ فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إنما الصبرُ عند الصدمة الأولى".

 

ولقد بُلي -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- بالمصائب، وبُلي بالرزايا، وفقد أحبابه، ماتت خديجة، ومات عمه حمزة مقتولاً في أُحد، ومات ابنه إبراهيم ولم يُرزَق من الولد بعد الهجرة إلا هو، فدمعت عيناه -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-، فقال: "إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون".

 

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الصبر عند المصائب علامةُ ومعيار هذا الإيمان، ولا سيما الإيمان بقضاء الله وقدَره، وأن عدم الصبر والتجزع والتسخط هو علامةٌ على ضعف الإيمان، ولا سيما ضعف الإيمان بالقضاء والقدر.

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.

  

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كما أمر، أحمده -سبحانه- وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إجلالاً لأمره وإعظامًا لشأنه، مراغمًا بذلك مَن عاند به أو جحد وكفر، ونُصلِّي ونسلم على سيد البشر الشافع المشفّع في المحشر، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه السادة الغرر، ومن سلف من أنبياء الله ورسله من البشر، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد؛ عباد الله: إن من النياحة تعداد مناقب الميت إذا مات؛ إما بوصفه بالكرم وبالرجولة، أو وصفه بالعلم الغالب؛ راح الذي كان عزنا، وكان فخرنا، وكان وكان، فهذا نوعٌ من أنواع النياحة يتضمن في طياته التجزع والتسخط، وإن لم ينوه صاحبه، هذا هو نعي الجاهلية، الذي نهى عنه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

 واعلموا –رحمني الله وإياكم- أن نعي الجاهلية في تعداد مناقب الميت وحسناته بعد موته هو من النياحة المحرمة، أما النعي المأذون به فهو الإعلام والإخبار بموت هذا الميت؛ فقد جاء في الصحيحين أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وأمر أصحابه، فخرج بهم، فصلى عليه، وكبَّر عليه أربع تكبيرات؛ صلاة الغائب، فهذا نعيه إعلامه لهم ولأمته بأن هذا الرجل الصالح وهذا الملك الصالح أنه قد مات، فهو نعيٌ بالإخبار، لا بتعداد مناقب وصفات هذا الميت.

 

 وجاءت هذه الوسائل المعاصرة فإذا مات عظيمٌ أو من له شأن تعددت الناس في ذِكْر مناقبه وذكر حسناته ومدائحه، إما نثرًا وإما شعرًا، فاعلموا عباد الله أن هذا من النعي المحرم، وهو ضربٌ من ضروب النياحة، لا ينفع الميت، وإنما يضر هذا الحي المتكلم بها، أو الناقل لها، ومن كان في قلبه شيءٌ على هذا الميت في مدحه فليجير هذا دعاءً له إلى الله -سبحانه وَتَعَالى- أن يرحمه، وأن يرفع درجته، فهذا أنفع للميت من جهة، وهو أنفع لكم أيها الأحياء من جهةٍ أخرى.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللهمَّ تَسْلِيمًا.

 

اللهم عِزًّا تعزّ به الإسلام وَالسُّنَّة وأهلها، وذِلًّا تذل به الكفر والبدعة وَالشِّرْك والانحلال وأهله، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلًّا تذل به أعداءك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ احفظ علينا ديننا الَّذِي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الَّتِي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا الَّتِي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

 

اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم اجعله عزًّا للإسلام، ونصرةً لعبادك وأوليائك المؤمنين، اللَّهُمَّ اجعله عزًّا لِلسُّنَّةِ، وكفًّا عَلَى عبادك المسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إِلَّا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب.

 

اللهم أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك، وتوحيدك يا رب العالمين، اللهمَّ إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، ولا غنى لنا عن فضلك، اللَّهُمَّ فأنزل علينا من بركات السماء.

 

 اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه.

 

اللهم أغثنا، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life