الهجرة - ملف علمي

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2024-07-06 - 1445/12/30
التصنيفات:

اقتباس

وفي هجرته المشرفة علَّمنا -صلى الله عليه وسلم- أن الدين أهم من الوطن والأرض، وإلا لما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- وطنه ليقيم دينه على أرض أخرى صالحة تتقبله، ولهادن الكفار وداهنهم ووصل معهم إلى "حلول وسط" كي لا يغادر وطنه، فلما لم يفعل -صلى الله عليه وسلم- ذلك واختار المهاجرة، عُلِم أن الدين أهم من الوطن...

قد تتضايق على الإنسان الأرض حتى لا يطيقها، وحتى تصير تربتها له قبرًا، وسماؤها عليه عبئًا، وماؤها في فمه حنظلًا، وطرقاتها في عينيه حيات وأفاعي!... وقد يضطهد المرء في بلده لتمسكه بدينه ومبادئه، أو لمناهضته لظلم، أو لمطالبته بحق، حتى تتنكر له شمسها وقمرها ونجومها وهواؤها وبرها وبحرها!... وقد يفتقد المسلم في وطنه الأمن والأمان، ويحيط به ما يستوجب الفزع والخوف والهلع، وتتقاذف عليه "براميل" المتفجرات وقذائف الدبابات، حتى يصير المقام في أرضه ضربًا من المجازفة والمخاطرة!... وقد تنقطع به أسباب الرزق، وتنسد في وجهه السبل، ويعضه الجوع، ويؤلمه بكاء أهله وولده من العوز والحرمان....

 

عند ذلك يطلب المرء الهرب والفرار والفكاك منها، فيهاجر من وطنه ومسقط رأسه "هجرة اضطرارية"؛ يطلب الأمن أو الرزق أو السعة أو الاستقرار يحدوه قول الله -عز وجل-: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[النساء: 100]، وقوله -تعالى-: (يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)[العنكبوت: 56].

 

فإن كانت فتنته في دينه؛ بحيث لا يستطيع إقامة شعائره وحدوده، ثم لم يهاجر فله ذل الدنيا وعذاب الآخرة: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النساء: 97]، إلا إن كان من الضعفاء الذين لا يستطيعون ولا يقدرون فهم -إن شاء الله- معذورون: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)[النساء: 98-99].

 

ويبقى النوع الآخر من الهجرة؛ وهو "الهجرة الاختيارية"، وقد تكون مباحة؛ وذلك إن هاجر طلبًا للتوسعة في الرزق، أو السياحة والترفيه الحلال أو للاستشفاء والعلاج... وقد تكون مستحبة ومندوبًا إليها إن كانت للدعوة إلى الله -تعالى- والدلالة عليه: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[التوبة: 122].

 

***

 

وكم من صالح خرج من وطنه مهاجرًا فارًا بدينه من اضطهاد المشركين، ومنهم كثير من الأنبياء والرسل، فهذا موسى -عليه السلام- يُنصح بأن يهاجر من بلده فيستجيب فرارًا بحياته: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ)[القصص: 20-21]، ولم ينكر نبي الله موسى أنه فرَّ خوفًا على حياته، بل قالها لفرعون: (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ)[الشعراء: 21].

 

أما لوط وشعيب -عليهما السلام- فقد حاول قومها طردهما من بلادهما، فتعاقد قوم لوط وتعاهدوا مرددين: (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)[النمل: 56]، أما قوم شعيب فهددوه قائلين: (لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)[الأعراف: 88].

 

بل في الجملة، ما أتي رسولٌ قومه إلا حاولوا طرده وإخراجه ومن معه من المؤمنين: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)[إبراهيم: 13]، ولما قال ورقة بن نوفل لنبينا -صلى الله عليه وسلم-: يا ليتني فيها جذعًا، أكون حيًا حين يخرجك قومك، سأله -صلى الله عليه وسلم-: "أومخرجي هم"، فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي(متفق عليه).

 

 

***

 

ولقد اضطر الكفارُ نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن يترك بلده مكة الحبيب إلى قلبه، ويهاجر إلى المدينة المنورة، ولقد قال على عتباتها كلماته المشهورة: "ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

 

وفي هجرته المشرفة علَّمنا -صلى الله عليه وسلم- أن الدين أهم من الوطن والأرض، وإلا لما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- وطنه ليقيم دينه على أرض أخرى صالحة تتقبله، ولهادن الكفار وداهنهم ووصل معهم إلى "حلول وسط" كي لا يغادر وطنه، فلما لم يفعل -صلى الله عليه وسلم- ذلك واختار المهاجرة، عُلِم أن الدين أهم من الوطن.

 

وعلَّمنا -صلى الله عليه وسلم- أنه لا نجاح بلا تخطيط سليم: فلقد كان الله -عز وجل- قادرًا -ولا يزال- أن ينقل نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليلة الهجرة من مكة إلى المدينة في طرفة عين كما فعل -سبحانه- ليلة الإسراء والمعراج، لكنه -تعالى- أراد أن يعلِّمنا من جملة ما علَّمنا: التخطيط والأخذ بالأسباب؛ فيأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يتجه هو وصاحبه عكس اتجاه المدينة المنورة تمامًا؛ تجاه غار ثور، ليفروا من الطلب، ويكلِّف -صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- أن يعمي آثار أقدامهما بغنمه، ويأتيهما بأخبار قريش، كما يكلف أخته أسماء -رضي الله عنها- أن تأتيهما بالطعام، ويستأجر -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن أريقط دليلًا خبيرًا بطرق الصحراء... لتتعلم الأمة إلى يوم القيامة أنه لابد من التخطيط والأخذ بالأسباب وإلا صار الأمر تواكلًا وتوانيًا يعقبه الخيبة والفشل لا محالة.

 

وعلَّمنا -صلى الله عليه وسلم- أن نختار الرفيق قبل الطريق: فلما أذن الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة أتى صاحبه أبا بكر -صلى الله عليه وسلم- فقال: "فإني قد أذن لي في الخروج"، قال: فالصحبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: "نعم"(رواه البخاري)...

ثم لا تنقطع الدروس والعبر من الهجرة النبوية المشرفة.

 

***

 

ولكن للهجرة بأنواعها شروطًا لا تكون جائزة إلا بها، لعل أهمها شرطين، أولهما: ألا تكون إلى بلاد الكافرين: فعن جرير بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"(رواه أبو داود، وصححه الألباني)، فهذا هو الأصل؛ أنه يحرم الهجرة إلى بلاد الكافرين إن لا يستطيع إظهار شعائر دينه، فإن كان يستطيع إظهارها فهجرته مكروهة.

 

والثاني: أن يدخل البلد التي سيهاجر إليها بإذن أهلها: فتحرم الهجرة "غير الشرعية"؛ حيث يقتحم أو يتسلل إلى البلاد بغير إذن أهلها، فيُعرِّض نفسه للذل والمهانة والحبس والتغريم، بل ويعرضها إلى المخاطر التي قد تودي بحياته أثناء رحلته المشبوهة.

 

***

 

ولأن أمر الهجرة مهم جليل، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من قبل المغرب"(رواه النسائي في الكبرى، وصححه الألباني)، فقد أفردنا لها هذا الملف العلمي الكامل، وضمنَّاه خمسة محاور، كل منها يبحث في مبحث من مباحث الهجرة، ويفصِّل في جانب من جوانبها... وقد جاءت على الصورة التالية:

المحور الأول: مفهوم الهجرة ومرادفاتها وتاريخها:
المحور الثاني: الهجرة في الإسلام فضلها ومقاصدها وحكمها:
المحور الثالث: الهجرة الشرعية وغير الشرعية.
المحور الرابع: حقوق المهاجرين وواجباتهم.
المحور الخامس: كتب ومراجع وإحالات
العنوان
خطب في الهجرة النبوية 2010/03/08 4123 1291 25
خطب في بيان حكم الهجرة وتحريم الاحتفال بمناسبة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم 2010/03/13 12266 1152 39
خطب الهجرة النبوية 2010/12/14 59934 2171 322
خطب الهجرة النبوية 2010/12/14 9239 1514 106
خطب اختيار الهجرة بداية للتأريخ الإسلامي 2010/12/21 10635 3201 52
خطب الهجرة النبوية 2011/05/19 5804 932 17
خطب تأملات في الهجرة 2012/02/25 7231 1475 61
خطب قصة الهجرة إلى المدينة النبوية 2012/10/01 12890 1486 39
خطب الهجرة لم تكن هروبا من الواقع 2012/11/11 12535 1433 263
خطب الهجرة تضحية وثورة 2012/12/05 5813 1198 45
خطب الهجرة تضحية ونصرة 2013/12/31 2977 923 12
خطب من معاني الهجرة 2014/09/16 10829 910 17
خطب الهجرة إلى الله ورسوله 2014/10/25 8491 802 19
خطب الهجرة النبوية 2013/11/08 3807 759 9
خطب نبأ الهجرة 2014/10/29 3908 1016 24
خطب الهجرة هجر الذنوب والخطايا 2015/08/12 19368 906 26
خطب من معاني الهجرة النبوية 2017/09/14 4226 655 8
خطب الهجرة 2018/01/09 3270 811 7
خطب الهجرة من المعاصي 2018/01/10 4317 643 5
خطب حقيقة الهجرة وصورها 2018/01/10 4650 578 2
خطب هجرة من المعصية الى التوبة الصادقة 2018/01/11 13877 1193 82
خطب الهجرة من مكة إلى المدينة 2019/03/25 7119 723 7
خطب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم 2019/09/29 2804 559 4
خطب رحلة الهجرة النبوية دروس وعبر 2022/07/31 4321 1131 23
خطب هجرة القلوب 2022/09/05 6975 1157 3
خطب صور مشرقة من حياة شباب الصحابة: الهجرة والمراغمة 2023/02/15 1819 859 4
مقالات أعظم حادث في التاريخ 2024/07/03 783 0 0
مقالات الهجرة النبوية الشريفة: انتصار الخير على الشر 2024/07/03 577 0 0
مقالات الهجرة النبوية ومنعطف التاريخ 2024/07/03 528 0 0
مقالات الهجرة في القرآن الكريم 2024/07/03 706 0 0
مقالات تعريف الهجرة في الإسلام 2024/07/03 673 0 0
مقالات سلسلة: المسلم في بلاد الغربة ج3 2024/07/03 494 0 0
فتاوى أقسام الهجرة 2024/07/03 552 0 0
فتاوى الفرق بين الهجرة الشرعية والهروب 2024/07/03 549 0 0
فتاوى المقصود بالهجرة وشروطها 2024/07/03 640 0 0
فتاوى الهجرة من البلد الذي تكثر فيه المنكرات، ومعنى حديث: 2024/07/03 405 0 0
فتاوى معنى: الهجرة تهدم ما كان قبلها 2024/07/03 551 0 0
فتاوى هل يوجد تعارض بين الحث على دفاع المسلم عن أرضه وبين وجوب الهجرة من الأوطان 2024/07/03 427 0 0
صوتيات وفديوهات أقسام الهجرة - الشيخ: ابن عثيمين 2024/07/03 482 0 0
صوتيات وفديوهات مفهوم الهجرة - الشيخ: محمد المختار الشنقيطي 2024/07/03 479 0 1
صوتيات وفديوهات مفهوم الهجرة القرآني - للشيخ فريد الانصاري 2024/07/03 494 0 0
صوتيات وفديوهات نواع الهجرة إلى الله ورسوله - الشيخ ابن عثيمين 2024/07/03 457 0 0
صوتيات وفديوهات وثائقي: أكبر الهجرات عبر التاريخ 2024/07/03 419 0 0
ندوات وحوارات لماذا الهجرة ؟ الشيخ محمد حسان 2024/07/03 522 0 0
ندوات وحوارات الهجرة الواجبة - للشيخ محمد حسان 2024/07/03 590 0 0
ندوات وحوارات أسباب الهجرة وأهدافها وتأثيرها على مستقبل الإسلام - الشيخ الشعراوي 2024/07/03 419 0 0
ندوات وحوارات الهجرة وواقعنا المعاصر - للشيخ محمد حسان 2024/07/03 506 0 5
ندوات وحوارات لماذا الهجرة؟ - الشيخ محمود هاشم 2024/07/03 537 0 0
دراسات وأبحاث أثر الهجرة في تكوين الإمارت الإسلامية في إفريقيا الحبشة نموذجا عبد الله خضر أحمد 2024/07/03 471 283 0
دراسات وأبحاث الهجرة في طلب العلم 2024/07/03 478 259 0
دراسات وأبحاث قراءة في مفهوم الهجرة في الإسلام 2024/07/03 450 265 0
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life