عناصر الخطبة
1/ كيف بُدِّل دين إبراهيم؟ 2/ كيف يُبدَّل الدين ولمصلحة من ومن يقوم بذلك؟ 3/ العز بالدين المنزل والذّلّ في الدين المبدل.اقتباس
هذا العرضُ الشَّيطانيُّ لم يتوقَّفْ يومًا؛ لأنَّ أعداءَ الإسلامِ لم يستطيعوا تحريفَ ألفاظِه، ولا إطفاءَ نوره، فكانت الخُطَّةُ: تبديلَ الدين، والإتيانَ بدينٍ يُنسبُ إلى اللهِ، يحملُ اسمَ الإسلامِ دونَ حقيقتِهِ. لعلَّك تسألُ: كيف ذلك؟...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمدُ للهِ الذي وعدَ المؤمنينَ الحياةَ الطيِّبةَ، وتوعَّدَ الغاوينَ المضلِّينَ بالحياةِ الشَّقيَّةِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا اللَّهَ -عبادَ اللَّهِ- حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
هل سمعتم عن عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ” رواه البخاري ومسلم.
أتدري لماذا؟
أخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عنه أنه: “أول من غيَّر عهدَ إبراهيم”، وأنه كانَ: “أَوَّلَ مَنْ حَمَلَ الْعَرَبَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ”.
كان العربُ على التَّوحيدِ، ملَّةِ إبراهيمَ -عليهِ السَّلامُ-، حتى أضلَّهُم عمرُو بنُ لحيٍّ الخزاعيُّ.
كانَ ذا مالٍ عظيم، سَيِّدًا مُطاعًا في أهلِ مكة، يُطعِمُ الحجيج، وكان قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِيهِمْ كَالشَّرْعِ الْمُتَّبَعِ، وإذْ بهِ يخرجُ إلى الشامِ، فيمُرُّ على قومٍ يعبدون الأصنامَ، فسألهم: مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا لَهُ: هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا، يسألونها النَّصرَ والمطر.
أعجبتْهُ الفكرةُ الشَّيطانيَّةُ، أخذَ منها صَنمًا ثم نصبهُ عند البيتِ الحرامِ، ودعا العربَ إلى عبادتِهِ، ثمَّ لم يكتفِ بذلك، بل غيَّر الشريعةَ ومعالمَ الحجِّ، وجعلَ الحلالَ حرامًا، والحرامَ حلالًا، فكان أوَّلَ مَن غيَّر دينَ إبراهيمَ عليهِ السلامُ.
هكذا يفعلُ أولياءُ الشيطانِ بالناسِ، إمَّا يُخرجونهم من الدينِ إلى اللادينيَّةِ، وإمّا يُبدِّلون لهم الدينَ بدينٍ آخرَ باطلٍ مُزيَّفٍ، قال -سبحانه- في الحديث القُدسي: “إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا”. رواه مسلم.
هؤلاء بنو إسرائيلَ، أرسلَ اللهُ إليهم الرُّسلَ، وأنزلَ إليهم الكُتبَ، إلَّا أنَّهُم لمَّا خالفَ الحقُّ أهواءَهم، حرَّفوا كتابَ اللهِ، وبدَّلوا دينَهُ. ألم يقلِ اللهُ -تعالى- عنهم: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 75].
يقول ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: “يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَابِ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِاللَّهِ، تَقْرَؤونَهُ لَمْ يُشَبْ؟! وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الكِتَابَ، فَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؛ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا”. رواه البخاري.
وهؤلاء كفّارُ قريشٍ، لمّا جاءَ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيدِ، ساوموهُ، وعرضوا عليهِ عَرضًا شيطانيًّا.
حكاهُ لنا اللهُ فقال: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [يونس: 15].
لقد سألوهُ أن يأتيَهم بقرآنٍ غيرِ هذا القرآنِ، أن يأتيَهم بدينٍ غيرِ هذا الدينِ، بقرآنٍ لا يأمرُهم بعبادةِ اللهِ وحدَهُ، ولا يُزهِقُ باطلَهم، بقرآنٍ لا يَعيبُ آلهتَهم، ولا يكشفُ زَيفَها ورِجْسَها، لا يُنغِّصُ عليهم شَهَواتِهمُ المحرَّمةَ بحديثِهِ عن البعثِ والحسابِ، أن يأتيَهم بدينٍ يوافقُ أهواءَهم، فيجعلَ الحرامَ حلالًا، والباطلَ حقًّا، لا يحولُ بينهم وبين شَهَواتِهم.
هذا العرضُ الشَّيطانيُّ لم يتوقَّفْ يومًا؛ لأنَّ أعداءَ الإسلامِ لم يستطيعوا تحريفَ ألفاظِه، ولا إطفاءَ نوره، فكانت الخُطَّةُ: تبديلَ الدين، والإتيانَ بدينٍ يُنسبُ إلى اللهِ، يحملُ اسمَ الإسلامِ دونَ حقيقتِهِ.
لعلَّك تسألُ: كيف ذلك؟ ولمصلحةِ مَن؟ ولأجلِ ماذا يُبدَّلُ الدين؟ ومَن سيفعلُ ذلك؟
إنَّ تبديلَ الدينِ يكونُ بتحريفِ نصوصِه، أو تحريفِ معانيه، ثم نِسبةِ هذا الدينِ المحرَّفِ إلى اللهِ -تعالى-، قال الله: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 78].
أمَّا القرآنُ، فلم يستطِع زنديقٌ أن يزيدَ أو يَنْقُصَ فيه حرفًا ولا شَكْلةً، فقد تَكفَّلَ اللهُ بحفظِ نُصوصِهِ، فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9].
وأمّا السُّنَّةُ النبويَّةُ التي بها تمامُ حفظِ القرآنِ ومعانيه، فإنَّ اللهَ قيَّضَ الآلافَ من رُواةِ الحديثِ فنقلوا السُّننَ حفظًا وكتابةً، ثم قيَّضَ سبحانهُ جهابذةَ الحديثِ لنقدِ هذه السُّننِ والتمييزِ بين صحيحِها وضعيفِها، وبيانِ المكذوبِ منها وكشفِ الكذّابين؛ صيانةً للدينِ عن التَّبديلِ.
لم يبقَ إلّا تحريفُ المعنى، وهذا هو مسرَحُ جريمةِ الزَّنادقةِ على مدارِ الزَّمانِ، إذ يحصُل تزاوجٌ خبيثٌ بين أصحابِ الأهواءِ من ذوي النُّفوذِ والمالِ وبينَ عمائمِ الزُّورِ؛ ليقوموا بإعادةِ إنتاجِ الدِّينِ، وتقديمِ دينٍ لا يُعارِضُ مصالحَهم ودنياهم، يقول النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمُ، اخْتَرَعُوا كِتَابًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمُ، اسْتَهْوَتْهُ قُلُوبُهُمْ، واسْتَحْلَتْهُ أَلْسِنَتُهُمْ، وَكَانَ الْحَقُّ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ شَهَوَاتِهِمْ، حَتَّى نَبَذُوا كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”. رواه البيهقي، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “كَانَتْ مُلُوكٌ بَعْدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ”. رواه النسائي.
لقد بيّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- العِلَّة بقوله: “وَكَانَ الْحَقُّ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ شَهَوَاتِهِمْ”، فكان السَّبيلُ كتابةَ كتابٍ آخرَ غيرِ كتاب الله، وتبديلَ الدين.
وإليك مثالًا عمليًّا من واقعهم:
في ذاتِ يومٍ مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِيَهُودِيٍّ سَوَّدوا وجهه وجلدوه لأنَّه زنى، فسألهم: “هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟”، قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: “أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟” قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ، وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ”. رواه مسلم.
لقد سار الناسُّ سيرَتَهُم، حَذْوَ القُذّة بالقُذّة، فما أشبهَ الليلةَ بالبارحة!
اليومَ يُرادُ إفراغُ دينِ الإسلامِ من حقيقتِهِ، وتقديمُهُ بصورةٍ مُزيَّفةٍ، تُرضي أعداءَ الإسلامِ، تحت شعاراتٍ برّاقةٍ لا تتصادمُ معَ الجماهيرِ، مرَّةً باسم "الإسلامِ الوسَطيِّ المعتدلِ"، ومرَّةً باسم "الإسلامِ المُتمدِّنِ".
هو دينٌ روحيٌّ فحَسْبُ، محبوسٌ داخلَ الشَّعائرِ، لا علاقةَ له بالدُّنيا وأحكامِها وحدودِها، تُبتَرُ فيه نصوصُ العزَّةِ ومجاهدةِ الأعداءِ، وتُكتَمُ فيه آياتُ الولاءِ والبراءِ، وتُعرَضُ فيه أحكامُ الشَّريعةِ على آراءِ الناسِ، فإن قامَ مسلمٌ يُنادي عليهم بتلكَ النُّصوصِ، انتهضَ دعاةُ الزُّورِ لتبييضِ الخطيئةِ قائلينَ: هذا تجديدٌ للدينِ، وفهمٌ معاصِرٌ، وهذهِ أحكامٌ غيرُ مُلزِمةٍ، ونحن أعلمُ بشؤونِ دنيانا، والدِّينُ دينُ المصلحةِ، وحيثُما كانت فثمَّ شرعُ اللهِ.
يقومونَ بما يُسمَّى "إعادةَ تفسيرِ الإسلامِ"، ويُجْرونَ أسْلمةً للأفكارِ المستورَدةِ الباطلةِ، يُضْفونَ عليها مَسْحةً تحسينيَّةً مُزيَّفةً، فالإسلامُ عند هؤلاء الدَّجاجلةِ هو يومًا عَلمانيٌّ، ويومًا ديمقراطيٌّ، ويومًا اشتراكيٌّ، ويومًا رَأْسَماليٌّ، ويومًا ليبراليٌّ، ويومًا نِسْويٌّ.
وقاموا باختزالِ الدِّينِ فيما يُسمَّى العملَ الإنسانيَّ، وخِدمةَ الإنسانيَّةِ؛ فمَن فعلَ ذلك فقد أتى بكلِّ حَسنةٍ، وإن كان معَه كلُّ سَوْءةٍ، ولا عجبَ؛ فهو سبيلٌ شيطانيٌّ قديمٌ.
ها هو كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ اليهوديُّ يسألُهُ أهلُ مكةَ عُبّادُ الأوثانِ أنَّهم يسقون الحجيجَ ويقومون على البيتِ الحرامِ، فهل هم خيرٌ أم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-؟ فيُفتيهمُ الكذّابُ الأشِرُ أنَّهُم خيرٌ من رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) [النساء: 51]. رواه ابن حبان.
في الدينِ المُبدَّلِ تختلُّ الموازينُ، فيُصبح الكافرُ، والذي يأتي الفواحشَ، والفنَّانُ الدّاعرُ، والرّاقصُ الفاجرُ -إذا أطعم المساكينَ، وداوى المرضى- خيرًا من مسلمٍ يُقيم العبوديَّةَ للهِ وحدَهُ، ويستسلمُ لشرعِهِ.
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعد:
إنَّ الدينَ أكمَلهُ اللهُ؛ فلا نَقْصَ فيهِ ولا حَيفَ ولا مَيلَ، ولن يكونَ لنا حياةٌ طيِّبةٌ، ولا عزٌّ، ولا نصرٌ على عدوِّنا، إلا بالعملِ بالدينِ المُنزلِ، لا بالدِّينِ المُحرَّفِ المُبدَّلِ، والمؤمنُ يستسلمُ لحُكمِ اللهِ، ولا يجدُ منهُ حرجًا ولا ضيقًا.
لقد وقفَ عمرُو بنُ العاص -رضي الله عنه- أمامَ عظيمٍ من عظماءِ الرومِ أيّامَ فتحِ مصرَ، يتحدَّثُ عن نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- ودينِ الإسلامِ، وحالِ العربِ قبلَهُ وبعدَهُ، فلما انتهى قال له هذا الرجل: “إِنَّ رَسُولَكُمْ قَدْ صَدَقَ، قَدْ جَاءَتْنَا رُسُلُنَا بِمِثْلِ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُكُمْ، فَكُنَّا عَلَيْهِ حَتَّى ظَهَرَتْ فِينَا مُلُوكٌ، فَجَعَلُوا يَعْمَلُونَ بِأَهْوَائِهِمْ، وَيَتْرُكُونَ أَمْرَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنْ أَنْتُمْ أَخَذْتُمْ بِأَمْرِ نَبِيِّكُمْ لَمْ يُقَاتِلْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبْتُمُوهُ، وَلَمْ يُشَارِكْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا ظَهَرْتُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْنَا، وَتَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيِّكُمْ وَعَمِلْتُمْ مِثْلَ الَّذِي عَمِلُوا بِأَهْوَائِهِمْ فَخَلَّى بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، لَمْ تَكُونُوا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنَّا، وَلَا أَشَدَّ مِنَّا قُوَّةً”. رواه ابن حبان.
إنَّ محكَماتِ الدينِ آياتٌ بيِّناتٌ، وأحاديثُ نيِّراتٌ، قام بها العلماءُ الرَّبَّانيون الذين لم يبيعوا دينَهم؛ فإيّاكم والدَّجاجلةَ المضلِّين، ممَّن ساروا على نهجِ الأممِ الضّالَّةِ الهالكةِ.
اللَّهُمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللَّهُمَّ ونَجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
التعليقات