عناصر الخطبة
1اقتباس
مَن أَدْرَكَ أَنَّهُ مَا مِنْ عَمَلٍ صالحٍ يَعْمَلُهُ العبدُ، إِلا وللهِ عَلَيهِ مِنَّةٌ أَنْ هَدَاهُ وأَعانَهُ ووفَقَهُ إِليه، مَنْ أَدرَكَ ذلك تَرَحَّلتْ عَنْ قَلْبِهِ مَعانِيْ العُجبِ، وانْقَشَعَتْ عَنْ نَفسِهِ دَواعِي الغُرُو، وقَامَ بِقَلْبِهِ شاهِدُ الإحسان، فَلا يَمُنُّ على رَبِهِ بِعِبادَة، ولا يَرى لِنَفْسِهِ فيها فَضْلاً...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أَيُّها المُسْلِمُون: كُلٌّ يَغدُو ويَرُوح، كُلٌّ يَعمَلُ على شَاكِلَتِه، أُمَمٌ تَمُوجُ بِهِم فِجاجُ الأَرْضِ وتَرْتَجُّ بِهِمْ شِعابُها، أَمَمٌ لا يُحْصِيْ عَدَدَهُم إِلا الله؛ (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)[مريم: 94 - 95].
أُمَمٌ ضَلَّ أَكْثَرُهُم عَنْ سَبِيْلِ الله؛ (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)[يوسف: 103]، (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)[الأنعام: 116]، يَتَخَبَّطُونَ في ظُلُماتِ الكُفرِ، ويَتِيْهُونَ في سَرادِيْبِ الغِوايَةِ، ويَنْغَمِسُونَ في أَوحالِ الوَثَنِية، يَنْقَلِبُونَ إِلى دارِ الشَّقاءِ، ويُحْشَرُونَ إِلى دار الجَحِيْم، ونُفُوسٌ أَخْرَى أَصابَها اللهُ بِرَحمَتِه، سَلَكَتْ سَبِيْلَ الشَّاكِرِين، هُدِيَتْ إِلى الحَقِّ المُبِيْن، أَشْرَقَ فيها نُورُ الإِيْمانِ، وأَضاءَ فيها صُبْحُ اليَقِيْن.
نُفُوسٌ مُؤْمِنَةٌ أَقْبَلَتْ إِلى خالِقِها، تَلْتَحِفُ لِحافَ العُبُودِيَةِ لا تُشْرِكُ بِرَبِها شَيئاً، لا تَسْجُدُ لِغَيْرِ الله ولا تَتَوَجَهُ لِسِواه، أَقْبَلَتْ إِلى خَالِقِها، مُخْلِصَةً مُنِيْبَةً شَاكِرَة؛ (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ: 13].
أَقْبَلَتْ بِقَلْبٍ مُشْرِقٍ، ونَفْسٍ رَضِيَة، أَقْبَلَتْ تَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ بِصالحِ العَمَل، ولا يَقبَلُ اللهُ من العَمَلِ إِلا ما كانَ لَهُ خالصاً، ولا يَقْبَلُ اللهُ مِن العَمَلِ ما لَمْ يَقُمْ بِدَلِيْل؛ (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[الكهف: 110].
مُؤْمِنٌ عَبَدَ اللهَ وصَلَّى، مُؤْمِنٌ زَكَّى وصَام، قَرأَ القُرآنَ، وبذَلَ الإِحسانَ، وأَطْعَمَ الطَعام، وقَرأَ السَّلام، وتَهجَّدَ في ظُلَمَةِ الليلِ والنَّاسُ نِيام، حُبِّبَ إِليهِ الإِيمانُ، وكُرِّهَ إِليهِ الكُفُرُ والفُسوقُ والعِصيان.
هَجَرَ ذُنُوباً كَانَ يأَلَفُها، وأَقْلَعَ عَن مَعاصٍ كَانَ يَقْتَرِفُها، جَدَّدَ للهِ تَوبَةً، تَطَهَرَّ مِن رِجْسِ الآثامِ وأَقْبَل، فَمْنَ الذي قَادَ إِلى الخيرِ خُطاه؟ ومَن الذي إِلى دَربِ الصَّلاحِ هَدَاه؟ مَنْ الذي شَرَحَ لَهُ في سَبِيْلِ الخيرِ صَدْرَه؟ مَنْ الذي يَسَّرَ لَهُ في سَبِيْلِ الرَّشادِ أَمْرَه؟ مَن الذي جَمَعَ شَتاتَ قَلْبِهِ مِنْ شِعابِ الدُّنيا؛ لِيُقِيْمَهُ خاشِعاً في مَقامِ العُبُودِيَة؟.
إِنَّها كَرامَةٌ يَمُنُّ اللهُ بِها عَلى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبادِه؛ (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)[يونس: 100]، (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[الأعراف: 43]، (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[النور: 21].
مَنْ اعتَرَفَ للهِ بِهذا الفَضْل أَسْبَلَ اللهُ عليه مِنْ فَيْضِ العَطاءَ، مَنْ أَقَرَّ للهِ بِهذا الإِنْعام، أَجزَلَ اللهُ لَه مِنْ فَيَض الكَرَم، مَنْ أَدْرَكَ أَنَّهُ لَولا اللهُ لَمْ يَهْتدِ لِسَبِيٍل، وأَنَّهُ لَولا اللهُ لَمْ يُوَفَّقْ لِعَمَل، وأَنَّهُ لَولا اللهُ لَمْ يَتَجَلَّلْ بِتَقْوى.
مَنْ أَدْرَكَ ذلكَ حَقاً لَمْ يَبْرَح محرابَ العُبُوديَةِ يَتَضَرَّعُ إِلى اللهِ ويَبْتَهِل، يَدعو بِما كَانَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدعو: "اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ ولِيُّهَا وَموْلاَهَا"(رواهُ مُسْلِمٌ).
مَن أَدْرَكَ أَنَّهُ مَا مِنْ عَمَلٍ صالحٍ يَعْمَلُهُ العبدُ، إِلا وللهِ عَلَيهِ مِنَّةٌ أَنْ هَدَاهُ وأَعانَهُ ووفَقَهُ إِليه، مَنْ أَدرَكَ ذلك تَرَحَّلتْ عَنْ قَلْبِهِ مَعانِيْ العُجبِ، وانْقَشَعَتْ عَنْ نَفسِهِ دَواعِي الغُرُو، وقَامَ بِقَلْبِهِ شاهِدُ الإحسان، فَلا يَمُنُّ على رَبِهِ بِعِبادَة، ولا يَرى لِنَفْسِهِ فيها فَضْلاً، بَلْ يُسْنِدُ الفَضْلَ فيها إِلى اللهِ، ذَاكَ هُو هَديُ الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم- فَهُو مَنْ كانَ يَقُول: "وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْتَ ما اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا"(متفق عليه).
وحَقُّ اللهِ على العِبادِ أَنْ يَعبدُوهُ ولا يُشْرِكوا بِه شَيئِاً، ومَهما اسْتَكْثَرَ العَبْدُ مِن العِبادَةِ، فإِنَّ حَقَّ اللهِ في العُبُودِيَةِ أَعظَم، ولكِنَّ رَبنا غَفُورٌ شَكُور، يَجْزِيْ على العَملِ اليسيرِ ثَواباً كَبِيْراً، واللهُ -تَعالَى- غَنِيٌّ عَنِ العِبادِ وعَنْ أَعمالِهِم، لا تَنْفَعُهُ طاعَةُ الطَّائِعِين، ولا تَضُرُّهُ مَعصِيَةُ العاصِيْن، قَالَ في التَّنْزِيل: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)[الزمر: 7]، وفي الحديث القُدْسِي قال الله -سبحانه-: "يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا"(رواه مسلم).
ومَنْ أَحْسَنَ في عِبادةِ رَبِهِ فَإِنَّما يُحسِنُ لِنَفسِه، يُحَقِّقُ الغَايَةَ التي من أَجلها خُلِق؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، ومَنْ انْحَرَفَ عَن الغايَةِ التي لأَجْلِها خُلِقَ، تَرَدَّى في مَهاوِي الضَلالِةِ وكُبَّ في قَعْرِ الجَحِيْم.
مَنْ أَحْسَنَ في عِبادةِ رَبِهِ فَإِنَّما يُحسِنُ لِنَفسِه؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت: 46]، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97]، (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ)[الروم: 44].
واللهُ يُحبُّ المُحْسِنِيْن، ويُضاعِفُ ثَوابَ المُخْلِصِيْن، وأَعَدَّ للمؤْمِنِيْنَ أَجراً عَظِيْماً؛ (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا)[الأحزاب: 47]، فأَحسِنُوا بالله الظَنَّ، وَكُونُوا للهِ من الشَّاكِرين؛ (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)[النمل: 40]، فَمَنْ شَكَرَ اللهَ على طَاعَةٍ أَعانَهُ عليها، زَادَهُ اللهُ للطاعاتِ تَوفيْقاً؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)[إبراهيم: 7].
أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.
أيها المسلمون: وَفِي خَاتمةِ الشَّهْرِ، يَخْتِمُ المسلمُ أَعْمَالَهُ بِأَحْسَنِها، فَلا يَفْتُرُ، ولا يَضْعُفُ، ولا يَتَأَخَر، وقَدْ شَرَعَ اللهُ لِعِبادِهِ في خِتامِ شَهْرِهِم أَعْمالاً تَزِيْدُهُم عِنْدَهُ قُرْبَى، شَرعَ لِعِبَادِه عِبادَاتٍ يَتَقَرَّبُونَ بها، لِيُوَفِيَهُم أُجُوْرَهُم وَيَزِيْدَهم مِنْ فَضْلِه؛ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
فَمِنْ ذَلِكَ زَكَاةُ الفِطْرِ، وَهِيَ صَدَقَةٌ وَاجبةٌ عَنِ الكَبِيْرِ والصَّغِيْرِ والذَّكَرِ والأُنْثَى والحُرِّ والعَبْدِ مِنَ المُسْلِمِين، صاعاً مِنْ الطَعامِ الذِيْ يَقْتاتُهُ أُهْلُ كُلِّ بَلَد، فَمَنْ كَانَ قُوتُهُم التَمْرُ أَخْرَج تَمْراً، ومَنْ كانَ قُوتُهُم البُرُّ أَخْرَجَ بُراً، ومَنْ كَانَ قُوتُهُم الأُرْزُ أَخْرَجَ أُرْزاً؛ لِـحَدِيْثُ أَبِيْ سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ، وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ، وَالتَّمْرُ"(رواه البخاري ومسلم)، قَالَ ابنُ عُثَيمِيْن -رَحِمَهُ اللهُ-: "لأَنَّ مِنْ حِكْمَةِ إِيْجَابِ زَكَاةِ الفِطْرِ أَنَّهَا طُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِيْنِ، وَهَذِهِ لا تَتَحَقَّقُ إِلا حِيْنَ تَكُوْنُ قُوْتاً للنَّاسِ".
زَكاةُ الفِطْرِ يُخْرِجُها الرجلُ عَنْ نَفْسِهِ وعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقُتُهُم، تُدْفَعُ لِلفُقَراءِ وَالمَسَاكِيْنِ خاصةً، وليستْ لسائرِ أَصْنَافِ أَهْلِ الزكاةِ؛ لقولِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "طُهرةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللغْو وَالرَّفَث وَطُعْمَةٌ لِلمَسَاكِيْن".
وزكاةُ الفِطْرِ مِنْ شَعائِرِ الإِسلامِ التي يَنْبَغِيْ أَنْ تُشْهَرَ، فَيُعَرِّفُ الوَلِيُّ أَهْلَهُ بِهذهِ الشَّعِيْرَةِ، وإِنْ أَمْكَنَهُ أَبْرَزَها بَيْنَهُم، وأَشْرَكَهُم في إِخراجِها، وأَفْضَلُ وقْتِهَا أَنْ تُؤَدَّى قبلَ خُرُوْجِ الناسِ لصلاةِ العيد، ويجوزُ أَنْ تُؤَدى قَبْلَ العيدِ بِيَوْمٍ أو يومين، ولا يجوزُ تأَخِيْرُها عَنْ صَلاةِ العيدِ، ويجوزُ أَنْ تُعْطَى زكاةُ الواحدِ لعددٍ مِنَ الفُقَراءِ، كما يجوزُ أَنْ تُعْطَى زكاةُ الجماعةِ لفقيرٍ واحد.
ويومُ العِيْدِ هو يومُ فرحٍ يشْتَركُ فيه عُمُومُ المُسْلِمِينَ في أَقْطَارِ الأَرْضِ، يَغْتَبِطُونَ فيهِ بما أَتَمَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعْمَةِ، وبِما أَنْعَمَ عَلِيْهِم في شَهْرِهِم، فَشَرَعَ اللهُ لَهُم فيهِ صَلاةَ العِيْدِ، وهِيَ من شَعائِرِ الإِسْلامِ العَظِيْمَةِ؛ لِذَلِكَ أُمِرَ المُسْلِمُونَ أَنْ يَخْرَجُوا إِليها جَمِيْعاً، قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ"(متفق عليه).
وَيُسَنُّ لِلمُسْلِمِ أَنْ يَأَكُلَ تَمَراتٍ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلى المُصَلَّى، ويُشْرَعُ للمُسْلِمِيَن أَنْ يُكَبِرَوا مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَومٍ من رَمَضانَ، حَتى يَدخل الإِمامُ لِصَلاةِ العِيْد؛ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
التعليقات