تعظيم الصلاة وأخذ الزينة فيها

د. منصور الصقعوب

2025-11-17 - 1447/05/26
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/تشريع الصلاة ليلة الإسراء 2/تعظيم قدر الصلاة 3/من فضائل الصلاة وبركاتها 4/خطورة إضاعة الصلاة 5/وجوب احترام المساجد وصيانتها 6/رعاية حق الصلاة والمسجد.

اقتباس

ألا وإن المحروم من حُرِم جنّة الصلاة! ألا وإن المغبون مَن ضلّ طريق المسجد! ألا وإن التائه المخذول مَن لا يؤدي الصلاة.. فأيّ إكرام أعظم من أن يهيئ الله لك الوقوف بين يديه كل يوم خمس مرات، تناجيه فيسمعك، تدعوه فيجيبك، تُقبِل عليه فيهبك الخيرات...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله....

 

أما بعد: ففي مكة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يعاني الجحود من قومه والشدة، والمصائب تتعاقب عليه من وفاة عمه وزوجه، وفي ليلةٍ بينما هو مستيقظ لا نائم، وإذ بجبريل -عليه السلام- يأتيه ومعه دابة تُدْعَى البراق، تضع حافرها عند منتهى طرفها.

 

ركبها -صلى الله عليه وسلم- فاتجهت به نحو بيت المقدس؛ وإذ بالأنبياء ينتظرون مقدمه، فصلى بهم.

 

ثم عُرج به إلى السماء، ومر على الأنبياء، وتجاوز أطباق السماوات السبع، وهناك شرع الله عليه عبادة الصلاة، تشريفاً لهذه العبادة وإعظاماً لشأنها، أن شُرِعت من الله بلا واسطة، وأن شُرِعت في السماء لا في الأرض، وأن شُرِعت خمسين صلاةً ثم خُفِّفَت لخمس بأجر خمسين.

 

نزل نبينا -عليه السلام- بعد ذلك آماً أرضه وبلدته، فأرسل الله جبريل إلى الأرض، ليُعلِمه مواقيت الصلوات الخمس وهيئتها، ليضبط الناس هذه العبادة بأوقات معلومة حددها ربنا، وأداها جبريل بنبينا.

 

لأجل كل هذا فلهذه الصلاة القدر العالي في ديننا.

الصلاة عمود الدين، وبدون عموده لا يقوم، وركن الإسلام، وبدون الركن يسقط.

والصلة بين العبد وربه، والعهد بين الله وبين خلقه.

ووصية النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يفارق الحياة لأمته.

 

ولرفيع شأنها صارت تتكرر كل يوم خمس مرات، وفي أوقات متعددة، لتتزكى القلوب بها وتصلح النفوس بها، وضرب لنا نبينا -عليه السلام- مثلاً فيها بنهرٍ تغتسل منه كل يومٍ خمسَ مرات، فهل سيبقى من آثار الذنوب شيء.

 

وقال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح: "أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ: فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا".

 

ولجليل منزلتها جعل بين يديها عبادة التطهر، لتتنظف الأبدان قبل الولوج في جنة الصلاة، وكان للطهارة من الخيرات والأجور ما يدل على عظم أمرها وأمر الصلاة.

 

الصلاة -يا كرام- راحة للنفس وطمأنينة للقلب، وهي قُرَّة عين النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان يقول: "وجعلت قرة عيني في الصلاة".

 

هي السلوى من الهموم، والعون على الصعاب، وبها وبالصبر يستعان على الشدائد، وفي التنزيل (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[البقرة: 45].

 

الصلاة بوابة الرزق الحلال؛ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ)[طه: 132].

 

هذه الصلاة -يا كرام- تحمينا بإذن الله من أدواء النفوس المردية، فالإنسان هلوع بطبعه؛ جزوع في الضراء، منوع في السراء، ولا يُخلِّصه من هذين النقصين ولا يُسلِّمه من هذين الشقاءين إلا الدوام على الصلاة: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا * إِلاَّ المُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم دَائِمُونَ)[المعارج: 19- 23]؛ وذكرت الآيات جملة من الصفات الكريمة تباعًا، ثم ختمتها بالمحافظة على الصلاة بقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ)[المعارج: 34]

 

الصلاة -يا مؤمنون- هي الوسيلة لقوة النفس أمام طوفان الشهوات وتسويل الشيطان للمحرمات، إذا أقيمت كما شرعت، وفي القرآن (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: 45].

 

وكم من عبدٍ ردّته الصلاة عن معصية، أو صرفته عن بلية، أو كرّهت له مخالفة أمر رب البرية، فحفظه الله حين حفظها.

 

لأجل كل هذا، فمن أعظم الكرامات لهذه الأمة أن شرع لها هذه العبادة، فأي إكرام أعظم من أن يهيئ الله لك الوقوف بين يديه كل يوم خمس مرات، تناجيه فيسمعك، تدعوه فيجيبك، تُقبِل عليه فيهبك الخيرات.

 

ألا وإن المحروم من حُرِم جنّة الصلاة.

ألا وإن المغبون مَن ضلّ طريق المسجد.

ألا وإن التائه المخذول مَن لا يؤدي الصلاة.

 

اللهم اجعلنا وذرياتنا من مقيمي الصلاة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده أما بعد:

 

وحين يكون الحديث عن الصلاة، فإن للصلاة قدراً ولبيوت الله حرمة، جدير أن تُرْعَى.

 

فهذه المساجد شرّفها الله بفضائل ومزايا، فهي أفضل البقاع وأحبُّها، وأطهر الأماكن وأشرفها، وفيها تؤدى أجلُّ العبادات وأعظمها.

 

 فجدير بالمرء القادم للصلاة أن يُحسِن ملبسه حين يأتي مسجده، ويأخذَ زينته لبيت ربه، فهو يقابِلُ ربه وملائكتَه والصالحين من عباده، وفي القرآن (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف: 31]؛ فما كنت لابسه حين تقابل ملوك الدنيا فالبسه للمسجد، فأنت تقابل ملك الملوك، والعظيمَ -سبحانه-، وليس من رعاية قدر الصلاة والمسجد أن تأتي إليها بثياب النوم أو لباس التبذّل، قال ابن تيمية: "العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة".

 

عباد الله: ويرعى حق الصلاة والمسجد حين يعتني القادم إليها برائحته، فلا يأتي ورائحة الثوم والبصل والدخان وغيره مما تُستقبح رائحته تفوح منه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ- فَلاَ يَأْتِيَنَّ الْمَسَاجِدَ». 

 

وترعى الصلاة حين يأتي إليها ويدخل فيها وهو خاضع لربه، خافض لطرفه، قال ابن تيمية: "من كمال أدب الصلاة أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقًا، خافضًا طرفه إلى الأرض، ولا يرفع بصره إلى فوق".

 

وسئل عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عن قوله -تعالى-: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) أهم الذين يصلون دائمًا؟! فقال: "لا، ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خَلفَه".

 

وترعى المساجد حين يعتني القادم إليها بستر عورته، وبأن لا يلبس من الملابس ما عليه شعارات أندية بعضها تحوي الصلبان، أو فيها أسماء لأقوام من الكفرة، فبيوت الله أكرم من أن يدخل فيها بأسماء هؤلاء الأسافل.

 

وبعد: فالمساجد بيوت الله، والصلاة مناجاة لله، فبقدر هذين في قلبك اقْدُر أوقات الصلاة، وأماكن الصلاة، وهيئة الصلاة.

 

وصلوا وسلموا....

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life