عناصر الخطبة
1/أهمية دعوة المراهقين في عصرنا الحديث خاصة وخطورة إهمالهم 2/أهم ما ندعو المراهقين إليه في عصرنا 3/ثمار دعوة المراهقين عليهم وعلى مجتمعاتهم 4/أكثر المشاكل التي يعاني منها شباب عصرنا 5/سبل حماية الشباب من الوقوع في مشكلات العصر 6/وصايا للآباء والمربين.اقتباس
لَكِنَّ الْخَوْفَ كُلَّ الْخَوْفِ -مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ- مِنْ قَوَاطِعَ تَقْطَعُ الْمُرَاهِقِينَ عَنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَتَجْرِفُهُمْ جَرْفًا إِلَى الْهَلَاكِ وَالتَّدْمِيرِ وَالِانْحِرَافِ، وَمِنْ أَخْطَرِهَا: وَبَاءُ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- بِاجْتِنَابِهَا...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: خَلَقَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى شَرْعِهِ وَمِنْهَاجِهِ، لَكِنَّ الْمَخْلُوقَ الضَّعِيفَ تَعْتَرِيهِ الْغَفْلَةُ تَارَةً وَيَعْتَرِيهِ التَّقْصِيرُ تَارَةً أُخْرَى، وَتَارَةً لِضَعْفِ إِدْرَاكِهِ لَا سِيَّمَا فِي بَعْضِ مَرَاحِلِ حَيَاتِهِ؛ كَالطُّفُولَةِ وَمَرْحَلَةِ الْمُرَاهَقَةِ الَّتِي يَغِيبُ فِيهَا حُسْنُ التَّدْبِيرِ وَجَمِيلُ التَّقْدِيرِ لِطَبِيعَةِ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الَّتِي لَمْ يَكْتَمِلْ فِيهَا عَقْلُ ابْنِ آدَمَ، وَكَوْنُهَا مَرْحَلَةَ إِرْهَاصَاتٍ وَاضْطِرَابَاتٍ نَفْسِيَّةٍ وَفِكْرِيَّةٍ وَسُلُوكِيَّةٍ؛ وَلَمَّا كَانَ هَذَا حَالَ الْعَبْدِ احْتَاجَ إِلَى مَنْ يَدْعُوهُ وَيُقَوِّمُهُ وَيُذَكِّرُهُ فِي سَائِرِ حَيَاتِهِ، وَتَزْدَادُ الْحَاجَةُ فِي الْمَرَاحِلِ غَيْرِ الرَّاشِدَةِ؛ كَمَرْحَلَةِ الْمُرَاهَقَةِ كَمَا عَلِمْتُمْ حَالَ الشَّبَابِ فِيهَا.
لِمَاذَا كَانَ الْمُرَاهِقُونَ هُمْ أَكْثَرَ النَّاسِ حَاجَةً لِدَعْوَتِهِمْ وَالِاهْتِمَامِ بِهِمْ وَتَثْبِيتِهِمْ؟!
أَوَّلًا: لِأَنَّهُمْ مُسْتَقْبَلُ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَعِمَادُ نَهْضَتِهَا وَسِرُّ قُوَّتِهَا... فَعَلَيْهِمْ تُعَقَدُ الْآمَالُ، وَبِسَوَاعِدِهِمْ تَتَحَقَّقُ الْأَحْلَامُ، وَبِعُقُولِهِمْ تَتَبَدَّدُ الْأَوْهَامُ... لَكِنَّ شَرْطَ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَسْتَقِيمُوا عَلَى الصِّرَاطِ وَيَتَمَسَّكُوا بِطَاعَةِ الْكَبِيرِ الْعَلَّامِ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِدُونِ حُسْنِ تَرْبِيَتِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ.
ثَانِيًا: لِأَنَّهُمْ مُسْتَهْدَفُونَ مِنْ قِبَلِ أَعْدَائِنَا الْمُتَرَبِّصِينَ بِهِمْ لِيَضْرِبُوهُمْ فِي مَقْتَلٍ بِسِلَاحِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ.
ثَالِثًا: لِكَثْرَةِ مَا يُحِيطُ بِهِمْ فِي عَصْرِنَا مِنَ التَّيَّارَاتِ الْفَاسِدَةِ وَالدَّعَوَاتِ الْهَدَّامَةِ... فَإِنْ لَمْ نُعِنْهُمْ نَحْنُ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِ النُّورِ وَالْخَيْرِ تَنَكَّبُوا طُرُقَ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ.
رَابِعًا: لِهَشَاشَةِ وِجْدَانِهِمْ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَتَجَارِبِهِمْ: فَقَدْ يَنْخَدِعُونَ بِكُلِّ جَدِيدٍ، وَيَنْبَهِرُونَ بِكُلِّ غَرِيبٍ، وَيَدْفَعُهُمُ الْفُضُولُ إِلَى الْخَوْضِ فِيمَا لَا يُدْرِكُونَ عَاقِبَتَهُ!
خَامِسًا: لِثَوَرَانِ دَوَاعِي الْغَفْلَةِ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَلِفَوَرَانِ نَوَازِعِ التَّمَرُّدِ وَالتَّفَلُّتِ فِي نُفُوسِهِمْ؛ فَفِي جَسَدِ الْمُرَاهِقِ بُرْكَانٌ مِنَ الشَّهَوَاتِ بِحَاجَةٍ إِلَى مَنْ يُخْمِدُهُ، وَفِي نَفْسِهِ طُوفَانُ تَسَاؤُلَاتٍ بِحَاجَةٍ إِلَى مَنْ يُجِيبُهَا؛ لِذَا هُمْ أَحْوَجُ الْخَلْقِ إِلَى مَنْ يُثَبِّتُهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ.
وَالسُّؤَالُ -أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ- إِلَى أَيِّ شَيْءٍ نَدْعُوهُمْ؟ وَبِأَيِّ شَيْءٍ نُمَسِّكُهُمْ؟
وَنُجِيبُ: إِنَّ أَوَّلَ أَوْلَوِيَّاتِنَا فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- مَعْرُوفٌ مَعْلُومٌ؛ وَهُوَ: دَعْوَتُهُمْ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، لِيَنْشَأَ الْمُرَاهِقُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالنَّهْجِ الْقَوِيمِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-، فَذَلِكَ هُوَ الْهُدَى الْمُبِينُ: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)[الْبَقَرَةِ:137].
وَثَانِيهَا: نُزَوِّدُهُمْ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ: الَّذِي يُرْشِدُ سَيْرَهُمْ، وَيَعْصِمُهُمْ مِنَ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، وَالَّذِي يُمَكِّنُهُمْ مِنَ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْهَوَى وَأَرْبَابِ الْفِتَنِ، فَالْعِلْمُ عِمَادُ بِنَاءِ النَّفْسِ ثُمَّ بِنَاءِ الْأُمَّةِ.
الْعِلْمُ أَفْضَلُ مَطْلُوبٍ وَطَالِبُهُ *** مِنْ أَكْمَلِ النَّاسِ مِيزَانًا وَرُجْحَانَا
وَالْعِلْمُ نُورٌ فَكُنْ بِالْعِلْمِ مُعْتَصِمًا *** إِنْ رُمْتَ فَوْزًا لَدَى الرَّحْمَنِ مَوْلَانَا
وَهُوَ النَّجَاةُ وَفِيهِ الْخَيْرُ أَجْمَعُهُ *** وَالْجَاهِلُونَ أَخَفُّ النَّاسِ مِيزَانَا
وَالْعِلْمُ يَرْفَعُ بَيْتًا كَانَ مُنْخَفِضًا *** وَالْجَهْلُ يَخْفِضُهُ لَوْ كَانَ مَا كَانَا
وَثَالِثُهَا: نُحَصِّنُهُمْ ضِدَّ الشُّبُهَاتِ: الَّتِي تَعْصِفُ فِي عَصْرِنَا عَصْفًا وَتَمُورُ مَوْرًا، مِنْ شِيعِيَّةٍ وَشُيُوعِيَّةٍ وَرَأْسِمَالِيَّةٍ وَعَلْمَانِيَّةٍ وَإِلْحَادِيَّةٍ وَزَنْدَقَةٍ... إِلَى آخِرِ ذَلِكَ الْبَلَاءِ الْعَظِيمِ.
وَرَابِعُهَا: نَدْعُوهُمْ إِلَى الْعَمَلِ لِلدِّينِ، وَالتَّحَرُّرِ مِنْ قُيُودِ الطِّينِ، فَنَسْتَثْمِرُ طَاقَاتِهِمْ فِي أَغْلَى مَا يَكُونُ، وَأَثْمَنِ مَا يُعْمَلُ لَهُ، وَلْيَكُنْ قُدْوَتُهُمْ فِي ذَلِكَ -بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ الَّذِي يَقُولُ: "وَاللَّهِ مَا نِمْتُ فَحَلَمْتُ، وَلَا شَبَّهْتُ فَتَوَهَّمْتُ، وَإِنِّي عَلَى طَرِيقِي مَا زُغْتُ".
فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- جَنَيْنَا طِيبَ الثِّمَارِ وَحَقَّقْنَا جَمِيلَ الْمَآلِ، وَمِنْهَا: اسْتِقَامَةُ الْمُرَاهِقِينَ عَلَى طَرِيقِ اللَّهِ -تَعَالَى- حَتَّى يَصِيرُوا مِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ: "يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ"، وَمِنْهُمْ: "وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْهَا: صَلَاحُ حَالِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ بِرُمَّتِهِ: بِيَدِ الشَّبَابِ النَّابِهِينَ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ عَلَى كَاهِلِهِمْ مَشَاعِلَ النُّورِ وَالْهُدَى، لِسَانُ حَالِهِمْ: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)[هُودٍ:88]، وَلَطَالَمَا كَانَ الشَّبَابُ هُمْ عِمَادَ كُلِّ نَهْضَةٍ وَصَحْوَةٍ وَتَقَدُّمٍ.
وَمِنْهَا: عِزَّةُ الدِّينِ وَرِفْعَتُهُ: وَهَلْ قَامَ فِي وَجْهِ دِقْيَانُوسَ الْكَافِرِ الْجَبَّارِ إِلَّا (فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ)[الْكَهْفِ:13]؛ "أَيْ شُبَّانٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)؛ أَيْ: إِيمَانًا وَبَصِيرَةً"(تَفْسِيرُ الْخَازِنِ)، وَسَلْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَغَيْرَهُمْ مِنْ شَبَابِ الصَّحَابَةِ كَيْفَ سَاهَمُوا فِي عِزَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَرِفْعَتِهِ.
لَكِنَّ الْخَوْفَ كُلَّ الْخَوْفِ -مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ- مِنْ قَوَاطِعَ تَقْطَعُ الْمُرَاهِقِينَ عَنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَتَجْرِفُهُمْ جَرْفًا إِلَى الْهَلَاكِ وَالتَّدْمِيرِ وَالِانْحِرَافِ، وَمِنْ أَخْطَرِهَا: وَبَاءُ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- بِاجْتِنَابِهَا: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)[الْمَائِدَةِ:90]؛ فَهِيَ حَرَامٌ أَيًّا كَانَتْ صُورَتُهَا؛ سَائِلَةً أَوْ صُلْبَةً أَوْ غَازِيَّةً، يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَكْلُ هَذِهِ الْحَشِيشَةِ الصُّلْبَةِ حَرَامٌ، وَهِيَ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَةِ".
وَمِنْهَا: الْإِلْحَادُ: ذَلِكَ الْكُفْرَانُ الْبَغِيضُ بِالدِّينِ، وَالْجُحُودُ لِلْخَالِقِ الْعَظِيمِ -عَزَّ وَجَلَّ-، ذَلِكَ الدَّاءُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشَّبَابُ فَيُعْمِي بَصَائِرَهُمْ عَنْ رُؤْيَةِ نُورِ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ، وَيُجَنْدِلُهُمْ فِي حَمْأَةِ الشَّكِّ وَالضَّلَالِ!.. يَدْفَعُهُمْ إِلَيْهِ دَفْعًا: غِيَابُ النُّصْحِ وَالتَّوْجِيهِ، وَالصِّرَاعُ بَيْنَ رَغَبَاتِ أَجْسَادِهِمُ الْعَنِيفَةِ وَأَوَامِرِ الدِّينِ، وَفَسَادُ بَعْضِ مَنْ يَدَّعُونَ التَّدَيُّنَ.
وَمِنْهَا: الِانْبِهَارُ بِالْغَرْبِ وَالتَّبَعِيَّةُ لَهُ: حَيْثُ يَرَوْنَ تَقَدُّمَهُمُ الْمَادِّيَّ الْكَاسِحَ، وَغَلَبَتَهُمُ الْعَسْكَرِيَّةَ الطَّاغِيَةَ، وَتَفَوُّقَهُمُ الْفِكْرِيَّ الدُّنْيَوِيَّ... فَيَتَّخِذُونَهُمْ قُدْوَةً وَأُسْوَةً وَيَتَطَلَّعُونَ -بِجَهْلِهِمْ- إِلَى اتِّبَاعِهِمْ وَالْمَشْيِ فِي رِكَابِهِمْ! وَمَا عَلَّمَهُمْ أَحَدٌ قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[الْمَائِدَةِ:51].
وَمِنْهَا: الشُّذُوذُ الْجِنْسِيُّ: الَّذِي لَا يُفْلِحُ مَنِ ارْتَكَسَ فِيهِ، وَلَا يُرْجَى لَهُ قَوْمَةٌ وَلَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ نَفْعٌ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَمْرًا، وَرَغْمَ ذَلِكَ يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ الْمُرَاهِقِينَ مَعَ أَنَّهُ "حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ، وَأَكْثَرُ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَسْتَحِلَّهُ إِلَّا قَوْمُ لُوطٍ وَبَعْضُ الزَّنَادِقَةِ"(الِاسْتِقَامَةُ، لِابْنِ تَيْمِيَّةَ).
فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ، وَالْبِدَارَ الْبِدَارَ -عِبَادَ اللَّهِ-، فَإِنَّ الْوِقَايَةَ خَيْرُ الْعِلَاجِ، فَلَا تَغْفُلُوا عَنْ مُرَاهِقِيكُمْ فَيَقَعُوا فَرِيسَةً لِلشَّيَاطِينِ تَتَلَاعَبُ بِهِمْ حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمَا يَأْتِي:
حَصِّنُوا قُلُوبَهُمْ وَعُقُولَهُمْ: وَتَحْصِينُ الْقُلُوبِ بِالْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، ثُمَّ بِالْعَطْفِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّوَدُّدِ... وَتَحْصِينُ الْعُقُولِ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَتَعَلُّمِيهِمْ دَفْعَ الشُّبُهَاتِ الَّتِي كَثُرَتْ مِنْ حَوْلِهِمْ، وَمَا أَرْوَعَ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِابْنِ عَبَّاسٍ: "يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ..."(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
ثُمَّ بِالتَّوْعِيَةِ بِالْوَاقِعِ وَبِمَكْرِ الْأَعْدَاءِ وَمُرَادَاتِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَهَذَا مَنْهَجُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الَّذِي حَذَّرَنَا مِرَارًا: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)[النِّسَاءِ:89]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ:149]...
ثُمَّ بِدَلَالَتِهِمْ عَلَى الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ: فَإِنَّ "الرَّجُلَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَ"مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
ثُمَّ بِالتَّقْوِيمِ الْمُسْتَمِرِّ وَالْمُتَابَعَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالتَّعَاهُدِ، وَلَقَدْ كَانَ هَذَا هُوَ دَيْدَنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كَانَ إِذَا غَابَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ سَأَلَ عَنْهُ، وَإِذَا جَهِلَ عَلَّمَهُ، وَإِذَا مَرِضَ عَادَهُ، وَإِذَا أَخْطَأَ قَوَّمَهُ...
ثُمَّ الْمُسَارَعَةِ إِلَى تَزْوِيجِهِمْ: طَاعَةً لِلتَّوْجِيهِ النَّبَوِيِّ الْخَالِدِ: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ فَفِي هَذَا عِفَّتُهُمْ وَطَهَارَتُهُمْ وَوِقَايَتُهُمْ مِنَ الِانْحِرَافَاتِ الْجِنْسِيَّةِ.
ثُمَّ إِنَّ كُلَّ مَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَيُبَاعِدُهُمْ عَنْ طُرُقِ الشَّيَاطِينِ فَهُوَ تَحْصِينٌ وَحِمَايَةٌ وَوِقَايَةٌ لَهُمْ مِنَ الزَّيْغِ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].
أَيُّهَا الْآبَاءُ الْفُضَلَاءُ وَالْمُرَبُّونَ الْأَخْيَارُ: إِنَّ بِنَاءَ هَذَا الْجِيلِ الصَّاعِدِ هُوَ مَسْئُولِيَّتُكُمْ أَمَامَ رَبِّكُمْ -عَزَّ وَجَلَّ- ثُمَّ أَمَامَ أُمَّتِكُمْ، فَاحْذَرُوا أَنْ تَتَخَاذَلُوا أَوْ تُقَصِّرُوا، بَلْ قُومُوا بِوَاجِبِكُمْ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ؛ فَصَاحِبُوا مُرَاهِقِيكُمْ وَاتَّخِذُوهُمْ إِخْوَانًا وَتَقَرَّبُوا مِنْهُمْ.
وَلَا تَهُولَنَّكُمْ أَخْطَاؤُهُمْ؛ فَإِنَّهَا مِنْ طَبِيعَةِ سِنِّهِمْ، وَقَلَّ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهَا مُرَاهِقٌ، وَانْظُرُوا كَيْفَ تَعَامَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ مَنْ جَاءَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الزِّنَا: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟"...(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَتَهَاوَنُوا فِي تَقْوِيمِهِمْ، فَيَنْشَأُ الْعُودُ مُعْوَجًّا، ثَمَّ لَا تَسْتَطِيعُونَ لَهُ إِصْلَاحًا.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مُرَاهِقِي الْيَوْمِ هُمُ الْقَائِمُونَ عَلَى أَمْرِ الْأُمَّةِ غَدًا، فَلَا تَتَوَانُوا فِي تَعْلِيمِهِمْ وَتَوْعِيَتِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى الْخَيْرِ؛ فَفِي صَلَاحِهِمْ صَلَاحٌ لِلْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا، وَفِي فَسَادِهِمْ فَسَادُهَا.
التعليقات