عناصر الخطبة
1/الآخرة دار الجزاء 2/يوم يوفى الصابرون أجرهم 3/ذهب التعب وبقي الأجر 4/اليوم العظيم الذي طال انتظاره.اقتباس
على باب الجنة تسمع أصواتًا لم يطرق سمعَك أندى منها ولا أعذب، على عتبة باب الجنة لن تنسى مرضك، ولن تنسى فقرك ولا حاجتك؛ بل ستنسى الدنيا بأسرها؛ ألمك وقد عشت مع المرضى عدد سنين حين كنت تتقلَّب من شدة ما تجد، كنت تُسلِّم أمرك إلى ربِّك الرحيم بك، إلى الله مولاك، فترضى عن الله وبالله...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، وأرانا في خلقه وأمره شيئًا من عظمته، وأرانا في آياته ما يدل على وحدانيته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، السراج المنير، والبشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنُّهى، وعلى مَن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الملتقى.
أما بعد: التقوى جماع الخير كله؛ لذا تكرَّر في القرآن والسُّنَّة الأمر بها، فهي سبيل الرشاد والفلاح في الدنيا والآخرة؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].
عباد الله: هناك فقط تتلاشى كل الهموم، ستزول كل الأحزان، هناك ستنقلب كل الموازين، ستغدو الآلام آمالاً، والأوجاع ترياقًا، ستحول الأتراح أفراحًا، ما كان بالأمس عجزًا وفاقةً، سيصير اليوم بل اللحظة وعلى عتبة بابها قوة وغِنى.
تفكَّر في نفسك واسبح في خيالك، تصوَّر يوم أن تقف -بفضل الله ورحمته- على باب الجنة، نعم باب الجنة وأنت ترى النعيم لا كالنعيم، والجمال ليس كمثله جمال، وأنت تشتمُّ روائح ليس في الدنيا ما يُقارِبُها أو يُدانيها.
على باب الجنة تسمع أصواتًا لم يطرق سمعَك أندى منها ولا أعذب، على عتبة باب الجنة لن تنسى مرضك، ولن تنسى فقرك ولا حاجتك؛ بل ستنسى الدنيا بأسرها؛ ألمك وقد عشت مع المرضى عدد سنين حين كنت تتقلَّب من شدة ما تجد، كنت تُسلِّم أمرك إلى ربِّك الرحيم بك، إلى الله مولاك، فترضى عن الله وبالله، هناك على عتبة بابها تغيب آلام المرض وكأنَّ شيئًا لم يكن، ليبقى لك الجزاء وأي جزاء وعطاء!
أنت -أيها المظلوم- لحظات الظلم التي مرَّت بك حين كسر جناحك وتُعدِّي على حقِّك ونِيل منك هناك، فقط على باب الجنة سترى نتيجة صبرك وعاقبته.
على عتبة بابها سترتوي نفوس أهل الإيمان من نسيم هوائها العليل، ستعلم أن ثَم نِعْم المنقلب يوم صبروا على الطاعة وكابدوا مشقة الثبات عليها.
ستشاهدون -يا أهل الصلاح والإصلاح- عين اليقين، ثمارَ فرارِكم من أوحال المعاصي، ونتاج أمركم بالحق وصبركم عليه، ونهيكم عن المنكر والغي وتحذيركم منه، هناك ستتذكَّر أيَّامَك الخوالي وأنت تُجافي جنبك عن فراشك الوثير لتجيب داعي الفلاح: "الصلاةُ خيرٌ من النوم".
هل تذكر جهادك لنفسك وأنت تترك الدنيا وملذَّاتِها لتقوم على راحة والديك؟ هل تذكر صيام النهار وقيام الليل؟ هل تذكرين صبرك على الحجاب والحشمة؟ ذهب النصب، وزال الجهد، وثبت هنالك الأجر بإذن الله.
على بابها ستصفو الصدور لا غِلَّ لا حسدَ، لا شحناء، لا بغضاء، قلوبكم كأفئدة الطير بيضاء نقيَّة يكسوها الحبُّ ويعلوها الإخاء وأنتم تسمعون أجمل خطاب في أرقِّ بشرى؛ (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[الزمر: 73].
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلَّى الله وسلَّم على النبي المصطفى، وبعد:
إنه اليوم العظيم السعيد الذي طال انتظار أهل الإيمان له حين تبعث وترى الملائكة بانتظارك؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[الأنبياء: 101- 103].
إنه اليوم السعيد عندما تطلق فيه صرخة الفرح؛ (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ)[الحاقة: 19].
إنه اليوم السعيد الذي ينتظرك وأنت تمشي ومن خلفك وترى ذريتك؛ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)[الطور: 21].
يا الله، ما أسعد ذلك اليوم! وأنت تمشي في زمرة من رضي الله عنهم، يتقدَّمُهم حبيبُك محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-؛ (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم: 8].
هناك وفي ذلك اليوم السعيد ستتذكَّر ما كنت تتلو؛ (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)[القصص: 61].
هناك ستتلو مع أهل الإيمان؛ (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الأعراف: 43]، فلا يطُلْ بك العهد وانتظر الوعد، فو الله إنه قادم، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي يدخل الجنة إلَّا مَنْ أبى"، قال: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "مَنْ أطاعني دخل الجنة، ومَنْ عصاني فقد أبى".
اللهُمَّ إنا نسألك الجنة وما يُقرِّب إليها من قولٍ وعملٍ، ونعوذ بك من النار وما يُقرِّب إليها من قول وعمل.
اللهُمَّ اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا مُعظِّمين لما نهيت عنه، منتهين عنه، اللهُمَّ أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك.
اللهُمَّ أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك، اللهُمَّ أعِنَّا على ذكرك وشُكْرك وحُسْن عبادتك.
اللهُمَّ إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العُلَى أن تُعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأن تُذِلَّ الشرك والمشركين، وأن تُدمِّر أعداء الدين، وأن تنصر مَنْ نَصَر الدِّين، وأن تخذل مَنْ خذَلَه، وأن تُوالي مَنْ وَالاهُ بقوَّتِك يا جبَّار السماوات والأرض.
اللهُمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولاةَ أمرِنا لما تحبُّ وترضى، وخُذْ بنواصيهم للبِرِّ والتقوى، اللهُمَّ كُنْ لإخواننا المرابطين على الحدود، وجازهم خير الجزاء، اللهُمَّ اقبل مَنْ مات منهم، واخلفهم في أهليهم يا رب العالمين.
اللهُمَّ أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهُمَّ أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتَهم على ما يُرضيك يا ربَّ العالمين، اللهُمَّ بواسِع رحمتِك وجودِك وإحسانِك يا ذا الجلالِ والإكرام، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا وتفرُّقَنا مِنْ بعدِه تفرُّقًا معصومًا.
اللهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهُمَّ اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وجازهم عنَّا خيرَ الجزاء، اللهُمَّ من كان منهم حيًّا فأطِلْ عُمُره، وأصلح عملَه، وارزقنا بِرَّه ورِضاه، ومَنْ سبق للآخرة فارحمه رحمةً مِن عندك تُغنيهم عن رحمةِ مَنْ سِواك.
اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لأموات المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيِّك بالرسالة، اللهم جازهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيِّئات عفوًا وغفرانًا يا رب العالمين.
اللهُمَّ احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، ووفِّقْنا لهُداك، واجعل عملنا في رِضاكَ.
اللهُمَّ أصلحنا وأصلح ذريتنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا، ومَنْ لهم حقٌّ علينا يا رب العالمين.
اللهُمَّ ثبِّتْنا على قولِك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كُنْ لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهُمَّ كُنْ لهم بالشام وكل مكان يا رب العالمين.
اللهُمَّ إنا نسألك بأنك أنت الصمد تصمد إليك الخلائق في حوائجها، لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسع جودك ورحمتك وعظيم عطائك اقْضِ لكل واحدٍ مِنَّا حاجته يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182]، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
التعليقات