محاذير وأخطاء في تربية المراهق

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-07-08 - 1447/01/13
عناصر الخطبة
1/قلة سلامة المراهَقَة من الأخطاء التربوية 2/أمثلة من المحاذير والأخطاء في تربية المراهق 3/أضرار تجاهل الأخطاء في تربية المراهق.

اقتباس

مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَحَاذِيرِ وَالْأَخْطَاءِ فِي تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ: تَقْيِيمُ الْمُشْكِلَاتِ عَلَى أَسَاسِ التَّفَوُّقِ الدِّرَاسِيِّ؛ فَبَعْضُ الْمُرَبِّينَ مَنْ يَرَى أَنَّ صَلَاحَ وَلَدِهِ وَرِضَاهُ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ بِحُسْنِ مُسْتَوَاهُ فِي دِرَاسَتِهِ، وَلَا يَهُمُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِخْفَاقُهُ فِي الْجَوَانِبِ الْأُخْرَى الدِّينِيَّةِ مِنْهَا وَالدُّنْيَوِيَّةِ! وَهَذَا قُصُورٌ ظَالِمٌ، وَاجْتِزَاءٌ جَائِرٌ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الرُّومِ:54].

 

فَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَرَاحِلَ عُمْرِ الْإِنْسَانِ مِنْ نَاحِيَةِ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ، وَجَعَلَهَا مُرَتَّبَةً تَبْتَدِئُ بِالضَّعْفِ وَتَنْتَهِي بِالضَّعْفِ، وَبَيْنَهُمَا الْقُوَّةُ؛ وَمِنَ الْمَرَاحِلِ الَّتِي تَقْتَرِبُ مِنَ الْقُوَّةِ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ: مَرْحَلَةُ الْمُرَاهَقَةِ، وَمَعْنَاهَا: الِاقْتِرَابُ مِنَ النُّضْجِ الْجِسْمِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَالنَّفْسِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ سِنِّ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْعُمْرِ إِلَى سِنِّ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ.

 

وَهَذِهِ الْمَرْحَلَةُ الْعُمْرِيَّةُ، ذَاتُ أَهَمِّيَّةٍ فِي الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ؛ لِمَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنَ التَّحَوُّلَاتِ الْجِسْمِيَّةِ وَالتَّغَيُّرَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ، وَهَذَا يَدْعُونَا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- الْآبَاءَ وَالْمُرَبِّينَ، إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَسَالِيبِ الصَّحِيحَةِ فِي كَيْفِيَّةِ التَّعَامُلِ مَعَهَا، وَتَجَنُّبِ الْأَخْطَاءِ التَّرْبَوِيَّةِ الَّتِي تُرَافِقُهَا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَمْ مِنَ الْمُعَلِّمِينَ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: الْخَطَأُ وَصْفٌ مُلَازِمٌ لِلْإِنْسَانِ، فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَلَا يُمْكِنُ -بِحَالٍ- أَنْ يَصِلَ يَوْمًا لِدَرَجَةِ الْعِصْمَةِ؛ جَاءَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)؛ وَلِهَذَا فَإِنَّ تَرْبِيَةَ الْمُرَاهِقِينَ لَا تَسْلَمُ مِنْ أَخْطَاءِ الْمُرَبِّينَ، فَلَيْسَ كُلُّ مُرَبٍّ -وَإِنْ حَاوَلَ السَّدَادَ دَائِمًا- يَسْلَمُ مِنْ أَخْطَاءٍ قَوْلِيَّةٍ أَوْ فِعْلِيَّةٍ مَعَ مَنْ يُرَبِّيهِ، وَهَذَا مِنْ ضَعْفِ الْإِنْسَانِ الَّذِي خُلِقَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ خَالِقُهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النِّسَاءِ:28].

 

عِبَادَ اللَّهِ: هُنَاكَ مَحَاذِيرُ وَأَخْطَاءٌ تَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْمُرَبِّينَ، نُشِيرُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ إِلَى أَمْثِلَةٍ لَهَا:

مِنْهَا: اسْتِعْمَالُ لُغَةِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَغِيَابُ الْحِوَارِ، وَهَذَا -أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ- مَفْهُومٌ خَاطِئٌ فِي التَّرْبِيَةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَوَاقِفِ تَحْتَاجُ إِلَى حِوَارٍ، وَهُوَ الْكَفِيلُ بِتَحْقِيقِ الْإِقْنَاعِ، وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الشَّابِّ الَّذِي اسْتَأْذَنَهُ لِلزِّنَا.

 

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَحَاذِيرِ فِي تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ: تَجَاهُلُ الْمُرَبِّي لِلْمُرَاهِقِ، وَضَعْفُ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّوَاصُلِ مَعَهُ، وَمَا أَسْوَأَ أَنْ يَقِفَ بَعْضُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَالْمُرَبِّينَ وَالْمُرَبِّيَاتِ عَنْ مُوَاصَلَةِ التَّرْبِيَةِ النَّافِعَةِ لِلْمُرَاهِقِ؛ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا فَهْمَ الْمُرَاهِقِ، وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْمُرَاهِقُ فَهْمَمَ؛ إِنَّهَا كَارِثَةٌ تَرْبَوِيَّةٌ كَبِيرَةٌ أَنْ تَتَوَقَّفَ التَّرْبِيَةُ بِهَذَا الِاعْتِذَارِ غَيْرِ الْمَقْبُولِ، بَلِ الْمَطْلُوبُ الِاسْتِمْرَارُ الْمُتَّصِلُ، وَالصَّبْرُ الدَّؤُوبُ، وَمَعْرِفَةُ أَسْبَابِ هَذِهِ النَّتِيجَةِ الْمُرَّةِ، وَلَعَلَّ مِنْ أَسْبَابِهَا؛ الْبَقَاءَ عَلَى أُسْلُوبٍ تَرْبَوِيٍّ وَاحِدٍ، وَعَدَمَ التَّنْوِيعِ فِي الْأَسَالِيبِ النَّافِعَةِ.

 

وَانْظُرْ -أَيُّهَا الْمُرَبِّي الْكَرِيمُ- إِلَى كِتَابِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ، كَيْفَ عَدَّدَ الْأَسَالِيبَ الدَّعَوِيَّةَ فِي هِدَايَةِ النَّاسِ، حَيْثُ قَالَ -تَعَالَى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[النَّحْلِ:125]؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُدْعَى بِالْحِكْمَةِ، وَمِنْهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، وَمِنْهُمْ بِالْمُجَادَلَةِ، فَحَاوِلْ -بِدَوْرِكَ- أَنْ تَبْحَثَ عَنْ مَفَاتِيحِ نُفُوسِ الْمُرَاهِقِينَ، وَعَنِ الْأَسَالِيبِ الْمُجْدِيَةِ مَعَهُمْ، حَتَّى تَسْتَعْمِلَهَا لِلْوُصُولِ إِلَى قُلُوبِهِمْ وَالتَّأْثِيرِ عَلَيْهِمْ.

 

وَمِنَ الْأَخْطَاءِ: تَرْكِيزُ الْمُرَبِّي دَوْمًا عَلَى سَلْبِيَّاتِ الْمُرَاهِقِ، وَتَنَاسِي إِيجَابِيَّاتِهِ، وَهَذَا مِيزَانٌ جَائِرٌ، يُنَفِّرُ الْمُرَاهِقَ عَنِ الْمُرَبِّي، وَيَغْرِسُ بَيْنَهُمَا بُذُورَ الْكَرَاهِيَةِ وَالنُّفُورِ؛ وَالْمِيزَانُ الشَّرْعِيُّ الْعَادِلُ يُعَلِّمُنَا -جَمِيعًا- أَنْ نُوَازِنَ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَالْإِيجَابِيَّاتِ وَالسَّلْبِيَّاتِ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا)[آلِ عِمْرَانَ:75].

 

وَفِي قِصَّةِ حَاطِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مُعْتَبِرًا لَهُ تَارِيخَ مَاضٍ مُشَرِّفٍ، وَذَاكِرًا إِيجَابِيَّاتِهِ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ لِذَلِكَ عَلَيْكَ -أَيُّهَا الْمُرَبِّي- أَنْ لَا تُرَكِّزَ عَلَى سَلْبِيَّاتِ الْمُرَاهِقِ؛ بَلِ انْطَلِقْ مِنْ خِلَالِ تَذْكِيرِهِ بِإِيجَابِيَّاتِهِ إِلَى إِصْلَاحِ سَلْبِيَّاتِهِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَحَاذِيرِ وَالْأَخْطَاءِ فِي تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ: تَقْيِيمُ الْمُشْكِلَاتِ عَلَى أَسَاسِ التَّفَوُّقِ الدِّرَاسِيِّ؛ فَبَعْضُ الْمُرَبِّينَ مَنْ يَرَى أَنَّ صَلَاحَ وَلَدِهِ وَرِضَاهُ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ بِحُسْنِ مُسْتَوَاهُ فِي دِرَاسَتِهِ، وَلَا يَهُمُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِخْفَاقُهُ فِي الْجَوَانِبِ الْأُخْرَى الدِّينِيَّةِ مِنْهَا وَالدُّنْيَوِيَّةِ! وَهَذَا قُصُورٌ ظَالِمٌ، وَاجْتِزَاءٌ جَائِرٌ، وَتَصَوُّرٌ ضَيِّقٌ لِمَعْنَى التَّفَوُّقِ.

 

فَيَا أَيُّهَا الْأَبُ الْكَرِيمُ: تَفَوُّقُ وَلَدِكَ فِي الدِّرَاسَةِ مَطْلُوبٌ، وَاهْتِمَامُكَ لِلْوُصُولِ إِلَى ذَلِكَ مَحْبُوبٌ، وَلَكِنْ لَا تَنْسَ سَلْبِيَّاتِهِ الْأُخْرَى؛ فَقَدْ يَكُونُ مُتَفَوِّقًا فِي دِرَاسَتِهِ، وَلَكِنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي صَلَاتِهِ، أَوْ سَيِّءٌ فِي أَخْلَاقِهِ، أَوْ مُؤْذٍ لِإِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَجِيرَانِهِ وَزُمَلَائِهِ، أَوْ لَدَيْهِ اعْوِجَاجٌ فِي شَخْصِيَّتِهِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ السَّلْبِيَّاتِ، فَانْتَبِهْ لِهَذَا، وَرَبِّ وَلَدَكَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهُ، وَلَاسِيَّمَا فِي أَمْرِ الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي صَلَاحِ جَوَانِبِ دُنْيَا الْإِنْسَانِ كُلِّهَا مَعَ خَرَابِ دِينِهِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)[النِّسَاءِ:77].

 

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا أَبْقَتِ الدُّنْيَا عَلَى الْمَرْءِ دِينَهُ *** فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ بِضَائِرِ

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا الصَّبْرَ عَلَى تَرْبِيَةِ أَوْلَادِنَا، وَأَنْ يُنِيلَنَا بِرَّهُمْ فِي حَيَاتِنَا وَبَعْدَ مَمَاتِنَا.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْمَحَاذِيرِ وَالْأَخْطَاءِ فِي تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ: الِاعْتِمَادُ التَّامُّ عَلَى الْأُمِّ فِي التَّرْبِيَةِ؛ وَقَدْ كَانَ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ أَنْ جَعَلَ لِلطِّفْلِ أَبًا وَأُمًّا لِتَرْبِيَتِهِ؛ فَمَنْ تَرَبَّى عِنْدَ أُمِّهِ فَقَطْ كَانَ فِي تَرْبِيَتِهِ قُصُورٌ، وَمَنْ تَرَبَّى عِنْدَ أَبِيهِ فَقَطْ كَانَ فِي تَرْبِيَتِهِ قُصُورٌ أَيْضًا؛ وَلِهَذَا يَذْكُرُ اللَّهُ الْبِرَّ بِالْوَالِدَيْنِ مَعًا، قَالَ -تَعَالَى-: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الْأَنْعَامِ:151].

 

فَالطِّفْلُ مُحْتَاجٌ إِلَى الْحَنَانِ وَالرَّحْمَةِ، وَهَذَا يَجِدُهُ عِنْدَ أُمِّهِ؛ وَلِذَلِكَ جَاءَتِ الْوَصِيَّةُ النَّبَوِيَّةُ بِمُضَاعَفَةِ بِرِّهَا أَكْثَرَ مِنَ الْأَبِ؛ فَلِغَلَبَةِ الْعَطْفِ وَالضَّعْفِ فِي الْأُمَّهَاتِ يَكْثُرُ عُقُوقُهُنَّ مِنَ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ، وَالطِّفْلُ مُحْتَاجٌ كَذَلِكَ إِلَى الْحَزْمِ وَالْقُوَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَهَذَا يَجِدُهُ عِنْدَ الْأَبِ، وَبِذَلِكَ تَكْتَمِلُ شَخْصِيَّتُهُ.

 

فَإِذَا وَكَلَ الْوَالِدُ تَرْبِيَةَ الْمُرَاهِقِينَ مِنْ أَوْلَادِهِ إِلَى أُمِّهِمْ دَائِمًا، وَجَنَّبَ نَفْسَهُ عَنَاءَ التَّرْبِيَةِ؛ فَقَدْ عَقَّهُمْ، وَأَسَاءَ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا مَا كَبِرُوا وَرَأَوْا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ضَعْفَ التَّرْبِيَةِ عَادُوا بِاللَّائِمَةِ الْمُوجِعَةِ عَلَى أَبِيهِمْ؛ فَقَدْ عَاتَبَ بَعْضُهُمْ وَلَدَهُ عَلَى الْعُقُوقِ، فَقَالَ: "يَا أَبَتِ، إِنَّكَ عَقَقْتَنِي صَغِيرًا، فَعَقَقْتُكَ كَبِيرًا، وَأَضَعْتَنِي وَلِيدًا، فَأَضَعْتُكَ شَيْخًا".

 

إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ: مَنْ يَتَجَاهَلُ الْمَحَاذِيرَ وَالْأَخْطَاءَ فِي تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِينَ؛ فَسَيَنْدَمُ نَدَمًا كَبِيرًا، وَيَلْقَى ضَرَرًا كَبِيرًا، وَذَلِكَ حِينَ يَرَى أَوْلَادَهُ غَيْرَ صَالِحِينَ، وَلِوَالِدِيهِمْ غَيْرَ مُحْسِنِينَ، وَفِي دُنْيَاهُمْ غَيْرَ مُوَفَّقِينَ، وَفِي دِينِهِمْ غَيْرَ صَالِحِينَ، وَحِينَئِذٍ يَعَضُّ أَصَابِعَ النَّدَمِ، وَيَتَجَرَّعُ غُصَصَ الْأَلَمِ، وَرُبَّمَا يَعْتَذِرُ لِأَوْلَادِهِ، وَلَكِنْ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَوَانِ، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَنْ مِثْلِ هَذَا الِاعْتِذَارِ فَقَالَ: "وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ"(رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ).

 

أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ: اعْلَمُوا أَنَّ تَرْبِيَةَ الْمُرَاهِقِينَ لَا تَسْلَمُ مِنْ إِخْفَاقَاتٍ، لَكِنَّ الْعَاقِلَ مَنْ يَتَجَاوَزُ تِلْكَ السَّلْبِيَّاتِ، فَتَجَنَّبُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- فِي تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِينَ لُغَةَ الْأَوَامِرِ دَائِمًا، وَاسْلُكُوا مَسْلَكَ الْحِوَارِ أَحْيَانًا، وَاحْذَرُوا أَنْ تُسَلِّطُوا الْأَضْوَاءَ عَلَى السَّلْبِيَّاتِ، تَارِكِينَ مَعَهَا النَّظَرَ إِلَى الْإِيجَابِيَّاتِ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى أَنَّ النَّجَاحَ مِنْ زَاوِيَةٍ، وَتَغْفُلُوا عَنْ زَوَايَا يَكُونُ فِيهَا إِخْفَاقَاتٌ كَثِيرَةٌ.

 

وَلْنَحْذَرْ جَمِيعًا أَنْ نَكِلَ تَرْبِيَةَ أَوْلَادِنَا إِلَى زَوْجَاتِنَا فِي كُلِّ حِينٍ، وَلْنَفْهَمْ جَيِّدًا أَنَّ تَجَاهُلَ أَخْطَائِنَا فِي تَرْبِيَتِنَا قَدْ يَضُرُّنَا وَيَضُرُّ أَوْلَادَنَا، فَلْنَحْذَرْ ذَلِكَ كُلَّ الْحَذَرِ.

 

نَسْأَلُ اللَّهُ عَوْنًا مِنْهُ يُقَوِّينَا، وَتَسْدِيدًا مِنْهُ يُعِينُنَا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life