عناصر الخطبة
1/حرص المسلم على مراعاة حقوق ربه والتنزه عن حقوق الآخرين 2/التحذير من الإفلاس وحبوط العمل 3/الوصية بالعدل وإقامة الحق مع الخلقاقتباس
مِنَ التوفيق الأعظم، والسداد الأتمّ أن يحرص العبدُ على حفظ طاعاته لربه -عز وجل-؛ فيكون حريصًا أشدَّ الحرص على حفظ طاعته، يجاهد نفسَه على السلامة من حقوق الخَلْق، ويجاهدها على البُعْد التامّ عن الوقوع في ظُلْمِهم، بأي نوع من أنواع الظلم؛ القوليَّة أو الفعليَّة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له العلي الأعلى، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبي المصطفى، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه أهل الرشاد والتقوى.
أمَّا بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: اتقوا الله -جل وعلا-، وسارعوا على مغفرته ومرضاته، قال -جل وعلا-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[الْمُجَادَلَةِ: 9].
معاشرَ المسلمينَ: مِنَ التوفيق الأعظم والسداد الأتم أن يحرص العبد على حفظ طاعاته لربه -عز وجل-؛ فيكون حريصًا أشدَّ الحرص على حفظ طاعته، يجاهد نفسه على السلامة من حقوق الخلق، ويجاهدها على البُعْد التامّ عن الوقوع في ظُلْمِهم، بأي نوع من أنواع الظلم؛ القوليَّة أو الفعليَّة، يقول -جل وعلا-: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)[إِبْرَاهِيمَ: 42]، وفي الحديث القدسي، فيما يرويه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا"(رواه مسلم).
عبادَ اللهِ: من أعظم البوار وأشد الخسار ترك العَنان للنفس في ظلمها للآخَرين، وانتهاك حقوقهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الظلمَ فإنَّ الظلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ"(مُتفَق عليه)، تذكَّرْ -أيها المسلم- أن أعظم ما يجب عليك حفظ حسناتك، وصيانة دينك، ليوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، قال -جل وعلا-: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بها وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 47].
الإفلاس الحقيقيّ والخسارة الكبرى أن تُوفَّق -أيها العبد- للخيرات والمسارَعة للطاعات، ثم تأتي يوم القيامة حاملًا حقوق الناس، متلبِّسًا بظلمهم، فتلك بلية عظمى، وخسارة كبرى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كان له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليومَ قبلَ ألَّا يكون دينارٌ ولا درهمٌ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه، فحُمل عليه"(رواه البخاري).
إنه الإفلاس الكامل حين يأخذ أصحاب الحقوق حسناتك، أو يقذفون فوق ظهرك بسيئاتهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أتَدْرونَ مَنِ المُفْلِسُ"؟ قالوا: الْمُفْلِسُ فِينا مَنْ لَا دِرْهَمَ لهُ ولا مَتاعَ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هذا وقَذَفَ هذا، وَأَكَلَ مَالَ هذا، وَسَفَكَ دَمَ هذا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هذا من حَسناتِه، وهذا من حَسناتِه، فإنْ فَنِيتْ حَسناتُه قَبْلَ أنْ يقضى ما عَليْهِ، أُخِذ من خَطاياهُمْ، فَطُرحَتْ عَليْهِ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ"(رواه مسلم).
إنه العدل الإلهي الكامل، فيا من تريد السلامة والعافية دَعْ عنك الاعتداء على الخلق، وبادر بأداء حقوقهم، وسارع للتحلل منهم، قال الله -جل وعلا-: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ في الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)[الشُّورَى: 42]، يا من أطلقت لسانك وقلمك في شتم الخلق وقذفهم وعيبهم، وسارعت في غيبتهم، وتناولت أعراضهم، يا من أكلت أموال العباد، وتهاونت بها، وفرطت في إرجاعها إلى أهلها، تب إلى ربك، وعد إلى رشدك، وسارع إلى التخلص من تلك الحقوق، قال -جل وعلا-: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)[طه: 111]، والصحيح في تفسير هذه الآية أن المراد مطلق الظلم؛ فتشمل هذه الآية ظلم الناس ماديًّا ومعنويًّا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته، ليس ثم دينار ولا درهم"(رواه أحمد وابن ماجه، بسند صحيح)، فبادِروا -رحمكم الله- للخلاص، وسارعوا لنجاة أنفسكم، تسلموا وتغنموا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لتُؤَدُّونَّ الحقوقَ إلى أهلها يومَ القيامة، حتى يُقادَ للشاةِ الجلحاءِ مِنَ الشاةِ القَرْناءِ"(رواه مسلم).
اللهمَّ تُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.
بارَك اللهُ لنا فيما سمعنا، والحمد لله، وَصَلَّى الله وسلم على نبينا محمد.
الخطبة الثانية:
أحمد ربي وأشكره، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى آله وأصحابه.
عبادَ اللهِ: الواجب على المسلم أن يسعى جاهِدًا لبراءة ذمته من حقوق الآخَرين، فقد ورَد في الحديث الصحيح أن الجهاد في سبيل الله يُكفِّر الخطايا إلا الدَّينَ، وعاقبة التساهل بالدين يُورد العبدَ المواردَ المهلِكةَ دُنيا وأخرى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أخَذ أموالَ الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله"(رواه البخاري).
ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بأمر عظيم الشان؛ ألا وهو الصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ على نبينا محمد، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن الآل ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهمَّ احفظ المسلمين في كل مكان، اللهمَّ فرج هموهم، ونفس كرباتهم، ويسر لهم أمورهم، واخذل أعداءهم يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ احفظ المسلمين في فلسطين، اللهمَّ عليك بمن تسلط عليهم، اللهمَّ عليك بمن ظلمهم يا ذا الجلال والإكرام، خذه أخذ عزيز مقتدر يا قوي يا عزيز.
اللهمَّ وفِّقْ وليَّ أمرنا ووليَّ عهده لما تحبه وترضاه، اللهمَّ احفظهم بحفظك، واكلأهم برعايتك وعنايتك، اللهمَّ وفِّقْ ولاةَ أمور المسلمينَ لِمَا فيه صلاحُ رعاياهم يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ اسقنا، يا غنيُّ يا حميد، يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
التعليقات