عناصر الخطبة
1/الجزاء العظيم والثواب الجزيل 2/أوصاف الجنة ونعيمها 3/أنعم النعيم وأعظمه 4/أسباب دخول الجنة.اقتباس
نعيم الجنة دائمٌ، وهو نعيم لا يَبِيد ولا يفنى ولا ينقطع، وهو يختلف عما في الدنيا من النعيم وتنتفي فيه الآفات كالمرض والموت الهرم وزوال النعيم،... وأنعم النعيم هو رضوان الله -تعالى- على أهل الجنة...
الخطبةُ الأولَى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: أيها المؤمنون: الجنة هي الجزاء العظيم، والثواب الجزيل، أعدَّها الله -تعالى- لأوليائه المتقين وعباده الصالحين؛ فقد ذكر الله وصفها ووصف أهلها والعمل الموجب لدخولها -بعد رحمة الله- وهي نعيم كامل لا يشوبُه نقصٌ ولا يعكِّر صفوَه كَدَرٌ؛ قال الله -تعالى-: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ)[النحل: 30]؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "الجنَّة درجات، متفاضلة تفاضلاً عظيمًا، وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات: بحسب إيمانهم، وتقواهم".
وأوصاف الجنة ونعيمها يصعب الإحاطة به، وقد أخبرنا الله -سبحانه- أن عقولنا لا تدرك ذلك، وأن أبصارنا لم ترَ مثلها؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله -تعالى-: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمِعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر؛ فاقرؤوا إن شئتم: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)[السجدة: 17]"(متفق عليه).
فنعيم الجنة دائمٌ، وهو نعيم لا يَبِيد ولا يفنى ولا ينقطع، وهو يختلف عما في الدنيا من النعيم وتنتفي فيه الآفات كالمرض والموت الهرم وزوال النعيم، ونعيم الجنة كما قال الله -عز وجل-: (عطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[هود: 108]؛ أي: غير مقطوع، وهو نعيم لا ينتهي؛ قال -تعالى-: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ)[ص: 54].
عباد الله: وأنعم النعيم هو رضوان الله -تعالى- على أهل الجنة؛ كما جاء في الحديث القدسي أن: "الله -تبارَك وتعالى- يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول هل رضيتم فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا"(متفق عليه).
ورؤية الله نعيم عظيم، وقد ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ؛ قال: يقولُ اللَّهُ -تَبارَكَ وتَعالَى-: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ -عزَّ وجلَّ"(رواه مسلم).
وفي رواية الإمام أحمد: "وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: (لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ)، والحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى الله، وهو أعلى من نعيم الجنة"؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فإذا كان نعيم الجنة وهو خلق من خلق الله كذلك؛ فما ظنك بالخالق -سبحانه وتعالى-!
عباد الله: كل نعيم في الجنة ورد ذكره مشابهًا له في الدنيا في القرآن الكريم أو الأحاديث الصحيحة، إنما هو تشابه له بالأسماء لا الذوات؛ قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: "ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء، وكل مَن دخل الجنة يرى أن لا نعيم أعلى منه لتمام النعيم".
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "ليس في نعيم الجنة دنيّ ولا نقص ولا كدر بوجه من الوجوه، بل كل من تنعم بأي نعيم من نعيمها لم يكن في قلبه أعلى منه؛ فإن الله أعطاهم وأرضاهم، وخيار هؤلاء الأنبياء على مراتبهم، ثم الصديقون على مراتبهم، ولكل درجات مما عملوا، فسبحان من فاوت بين عباده هذا التفاوت العظيم، والله يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم".
وفقنا الله وإياكم لفعل الطاعات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد: معاشر المسلمين: هناك أسباب لدخول الجنة -بعد رحمة الله-؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لن ينجو أحد منكم عمله"؛ قال رجل ولا إياك يا رسول الله قال: "ولا إياي إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، ولكن سددوا وقاربوا"(رواه مسلم).
وهذه الأسباب بعد القيام بفرائض الدين منها:
الأول: الإيمان بالله والعمل الصالح؛ قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة: 82].
الثاني: طاعة الله ورسوله؛ قال -تعالى-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)[النساء: 13].
الثالث: تقوى الله وحسن الخلق؛ سُئلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مَا أَكثرُ مَا يُدخل الناس الجَنَّةَ؟ قال: "تَقوى الله وحُسنُ الخُلُقِ"(رواه الترمذي).
الرابع: إفشاء السلام وإطعام الطعام وصلة الأرحام؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل، والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"(رواه ابن ماجه).
الخامس: من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"(رواه أبو داود).
السادس: قراءة آية الكرسي دُبُر كل صلاة مكتوبة؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ آية الكرسي في دُبُرِ كلِّ صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت"(رواه النسائي وصححه الألباني).
السابع: سيد الاستغفار عند الصباح والمساء؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار موقنًا بها، فمات من يومه، قبل أن يُمسيَ، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة"(رواه البخاري).
الثامن: الدعاء عقب الوضوء؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين فُتِحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"(رواه مسلم).
التاسع: أن تسأل الله الجنة ثلاثًا؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من سأل الله الجنة ثلاث مرات؛ قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات؛ قالت النار: اللهم أجِرْه من النار"(رواه الترمذي).
العاشر: إماطة الأذى عن الطريق؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس".
الحادي عشر: العناية بالبنات والنفقة عليهن والصبر عليهن؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جِدَته؛ كن له حجابًا من النار يوم القيامة"(رواه أبو داود)، "من جدته"؛ أي من غناه.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا ووالدينا من أهل الجنة.
صلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات