هل خططنا لعبادتنا بعد رمضان

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2025-04-15 - 1446/10/17
عناصر الخطبة
1/من أسباب تيسر الطاعة في رمضان 2/الحث على المداومة على الطاعات بعد رمضان 3/من الأعمال الصالحة التي ينبغي المداومة عليها 4/الحث على الاكثار من الذكر والاستغفار

اقتباس

ثم ينظر المسلم للأعمال التي اجتهد فيها في شهر رمضان، فيحافظ عليها بعده، فيحرصُ على أداء الصلاة في وقتها جماعة، وخصوصًا صلاة الفجر، ويؤدي الرواتب القبلية والبعدية، وصلاة الضحى والوتر؛ لوصيةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهما...

الخُطْبَةُ الأُولَى:  

 

الحمد لله الذي منَّ علينا بإدراكِ شهرِ الصيام، ومتعنا بالطاعةِ فيه إلى أن بلغنا عيد الفطر ونحن بصحة وسلام، نحمده -تعالى- ونستعينه ونستغفره ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فيقول الله -تعالى-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة:281].

 

أيها الإخوة: مما يجدرُ بنا فعله بعد أن متعنا الله بإدراك شهر رمضان، ووفقنا للتعبد فيه بالصيام، والصلاة، والقيام، والصدقة، والبر وهدوء النفس، والحرص على الخيرِ بقدرٍ لا نؤدي مثله في غيره، ولا غرو أن يحصل ذلك في رمضان؛ فهو موسم طاعة ونسك، وقد جعل اللهُ لذلك أسبابًا كثيرةً تعين على طاعته، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: ‌يَا ‌بَاغِيَ ‌الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ"(رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي وأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وصححه الألباني).

 

فرمضان فرصةٌ لتربيةِ النفوسِ، وتقويةِ الإرادةِ فيها، والارتفاعِ بها إلى سماءِ المجد ودرجات العز، فالصوم يُدربُ المسلمَ على أن يمتنعَ باختياره عن شهواته وملذاته، ويؤدي فيه العبادة بإرادة قوية ثابتة، لا يَضِيرُها كيدُ الشيطان، ولا تعدو عليها عواديَ الشهوة، فأيُ قانونٍ من قوانين البشر يحقق ذلك؟! وأيُ أمةٍ من الأممِ تجدُ فرصةً تستطيعُ من خلالِها فرضَ نمطٍ من أنماطِ تربيةِ شعبِها، بمزاولةِ فكرةٍ نفسيةٍ واحدةٍ مرة واحدة كلَ سنة وخلال ثلاثين يوما؟!.

 

لذلك كان أهمُ درسٍ ينبغي للموفق أن يستفيده من شهر رمضان وأجوائه الإيمانية ونفحاته الربانية، التخطيطُ لطاعة الله بعده، حتى يرتقي بنفسه في سُلم الطاعة، فيما بقي له من عمر بعد شهر رمضان.

 

وهذا الشأن العظيم يحتاج إلى جلسة مع النفس ومجاهدتها، ثم مشارطتِها والاستعانة عليها بدعاء الله -تعالى- بالتوفيق لما يحبه -تعالى- من صالح القول والعمل، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69]، أي: الذين بذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته يهديهم إلى الطرق الموصلة إليه لأنهم محسنون، ودلت الآية على أن من أحسن فيما أُمِرَ به أعانَهُ الله، ويسر له أسباب الهداية، ومما يعين المسلم على الارتقاء بسلم العبادة محاسبة النفس وتعديل مسارها إن قصرت.

 

أيها الأحبة: أول ما يشارط الإنسان نفسه عليه تركُ المعاصي، سواء منها ما يكون في حق العباد من غيبة، ونميمة، وظلم، وغش، وأذية للمسلمين، وغيرها، أو في حق الله بترك ما حرم من أكلٍ للربا، أو نظرٍ محرمٍ، أو سماعٍ محرمٍ، أو تركٍ لواجبٍ، أو تأخيرٍ له عن وقتِهِ وغيرِها.

 

ثم ينظر المسلم للأعمال التي اجتهد فيها في شهر رمضان، فيحافظ عليها بعده، فيحرصُ على أداء الصلاة في وقتها جماعة، وخصوصًا صلاة الفجر، ويؤدي الرواتب القبلية والبعدية، وصلاة الضحى والوتر؛ لوصيةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهما، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "‌أَوْصَانِي ‌خَلِيلِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلَاثٍ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ"(رواه البخاري ومسلم).

 

وفي باب الزكاة بأن يؤديها بطيب نفس، ويقوم بما أوجب اللهُ -تعالى- عليه من النفقة على الزوجة والأولاد، وهي من أعظم الصدقات أجرًا عند الله -تعالى-، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ"(رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ"(رواه مسلم عَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: "بَدَأَ بِالْعِيَالِ، وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ، يُعِفُّهُمْ أَوْ يَنْفَعُهُمُ اللهُ بِهِ، وَيُغْنِيهِمْ؟!".

 

واجعل لك صدقة يومية أو أسبوعية أو شهرية ولو بريال واحد، وقد سهلت الأنظمة الآن بذل الصدقة، فيستطيع الإنسان أن يتصدق عبر المنصات الموثوقة بما يشاء قل أو كثر، وعبر متاجر الجمعيات بيسر وسهولة.

 

وينبغي لمريد الترقي بسلم الطاعة صيام بعض أيام النفل كصيام الاثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر.

 

وأن يولي ذكر الله -تعالى- وهو أيسرُ العبادات وأسهلُها العناية التامة، ويخصص له وقتًا، وأعظم الذكر تلاوة كتاب الله، وليعلم أنه في عشرين دقيقة يقرأ جزءً من كتاب الله -تعالى-، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فضله: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ"(رواه الترمذي عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وصححه الألباني).

 

وأن يخصص وقتًا للورد اليومي من أذكار الصباح والمساء، والعناية بالأذكار المشروعة بعد الصلاة المكتوبة، وأن يعمر وقته بالذكر، قال ابن حجر: "والمراد بالذكر هنا ‌الإتيان ‌بالألفاظ ‌التي ‌ورد ‌الترغيب في قولها والإكثار منها، مثل: الباقيات الصالحات، وهي سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار، ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة".

 

وقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فضل الباقيات الصالحات: "لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، ‌أَحَبُّ ‌إِلَيَّ ‌مِمَّا ‌طَلَعَتْ ‌عَلَيْهِ ‌الشَّمْسُ"، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ ‌كَانَتْ ‌لَهُ ‌عَدْلَ ‌عَشْرِ ‌رِقَابٍ، ‌وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ"(رواهما مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).

 

وفقنا الله لطاعته وشملنا بمغفرته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ بهُدَاه اقتَدَى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أيها الإخوة: اتَّقُوا اللَّهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ، واعلموا أن من السنة إتباعُ رمضانَ بصيام ستٍ من شوال، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ"(رواه مسلم)، وعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا"(صحيح رواه ابن ماجه)، وأحمد وفي لفظ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَة".

 

وأكثروا من الاستغفار والتوبة من كل خطيئة، فالاستغفار عبادة من أجل العبادات، وقربة من أفضل القربات، وله آثارٌ جليلةٌ على المكثرين منه والمداومين عليه، فالاستغفار يورث صاحبه راحة البال، وانشراح الصدر، وسكينة النفس، وطمأنينة القلب، ويُمَتِعُ اللهُ المستغفرين متاعًا حسنًا، فقد قال: (وأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)[هود: 3]، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ"(رواه الترمذي والحاكم عَنْ أَبِي يَسَارٍ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 

 

اللهم اغفر لنا ووالدينا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وصلوا وسلموا على نبيكم.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life