عناصر الخطبة
1/التوبة من صفات المتقين 2/المعاصي سبب لهلاك الأمم السابقة 3/من آثار الذنوب والمعاصي 4/الحث على ترك الذنوب والتوبة منهااقتباس
ومن آثار الذنوب والمعاصي: أنه ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة، ولا يستقبح رؤية الناس له، بل تجده يجاهر بها وينشرها وربما يفخر بها، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وهذا الضربُ من الناس لا يعافون، ويُسدُ عليهم طريقُ التوبة في الغالب...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أما بعد:
عباد الله: احرصوا على طاعة الله واحذروا من معصيته، وإذا وقع أحدٌ منا في شيء من الذنوب والمعاصي فعليه أن يبادر للتوبة والرجوع إلى الله؛ فإن هذه الصفة من صفات عباد الله المتقين، يقول -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران: 135].
ولنعلم -عباد الله- أن الذنوب والمعاصي ضررها عظيم في الدنيا والآخرة، فما الذي أخرج آدم وحواء من الجنة؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه؟ وما الذي أغرق قوم نوح حتى علا الماء فوق رؤوسِ الجبال؟ وما الذي سلط على عاد الريح فأهلكتهم؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم؟ وما الذي رفع قرى اللوطية إلى السماء، ثم قلب عاليها سافلها؟ وما الذي أغرق قوم فرعون في البحر؟ وما الذي خسف بقارون وبداره وماله؟ وما الذي أرسل على قوم سبأ السيل العظيم فجعلهم شذر مذر -أي: متفرقين في كل جهة- وغيرهم كثير.
والجواب: إن السبب في ذلك كله هو الذنوب والمعاصي والمجاهرة بها، وكل ذلك قصه الله علينا في كتابه لنتعظ ونعتبر: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[النمل: 52]، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)[الشعراء: 8]، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[النازعات: 26].
عباد الله: إن من آثار الذنوب والمعاصي حرمانُ العلم الشرعي؛ فالعلمُ نورٌ والمعصيةُ تطفئ نوره، يقول الشافعي:
شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حفظي *** فأرشدني إلى تركِ المعاصي
وقال: اعلم بأنَّ العلمَ نورٌ *** ونورُ الله لا يُؤتاه عاصي
وهذا الذي يفسر انصراف كثيرٍ من الناس عن العلم الشرعي والعمل به، فمن أراد تحصيل العلم الشرعي فعليه أن يجتهد في ترك الذنوب والمعاصي، ويجدد التوبةَ دائماً.
ومن آثار الذنوب والمعاصي: حرمان بركة الرزق يقول الله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2 - 3]، فالمقصود بالرزق الرزق الحلال وليس الحرام، ويفهم من الآية: أن من لا يتقي الله أن الله لا يرزقه رزقاً حلالاً مباركاً، يسعد به في الدنيا والآخرة.
ويقول -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف: 96]، فمن أعظم أسباب تحصيل الرزق ونمو الاقتصاد تقوى الله، أما الطرق المحرمة في تحصيل الرزق فهي منزوعة البركة ولو كانت ملايين؛ لأنها ليست من تقوى الله.
ومن آثار الذنوب والمعاصي -والعياذ بالله-: ضيقٌ ووحشة يجدها العاصي في قلبه، لا تزيلها لذات الدنيا ولو اجتمعت بأسرها، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[طه: 124]، والضنك: هو الضيق، وبقدر بعد العبد عن ربه تزيد هذه الوحشة، وبقدر قربه من ربه تزول هذه الوحشة، حتى يحل محلها انشراح الصدر والطمأنينة.
ومن آثار الذنوب والمعاصي: أنه ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة، ولا يستقبح رؤية الناس له، بل تجده يجاهر بها وينشرها وربما يفخر بها، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وهذا الضربُ من الناس لا يعافون، ويُسدُ عليهم طريقُ التوبة في الغالب، ففي البخاري ومسلم يقول -عليه الصلاة والسلام-: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ".
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يغفر لي ولكم، وأن يتجاوز عنا، وأن يجعلنا من عباده التوابين والمتطهرين.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: من آثار الذنوب والمعاصي: أنها سببٌ للعن العبد، واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله؛ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد: 22 - 23]، وفي الحديث: "لعن الله آكل الربا"، و"لعن الله الراشي والمرتشي"، و"لعن الله من غير منار الأرض"، و"لعن الله من وسم دابة في وجهها"، و"لعن الله السارق"، و"لعن الله شارب الخمر"، إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على أن الذنوب والمعاصي من أسباب الطرد والإبعاد من رحمة الله.
ومن آثار الذنوب والمعاصي: العقوبات التي تكون في الآخرة، سواءً عند الموت بسوء الخاتمة، أو في القبر، أو في الموقف يوم القيامة، أو في النار -والعياذ بالله-.
وما ذكرتُ إنما هو بعض آثارها وليس كل آثار الذنوب والمعاصي، فأوصي نفسي وإياكم بمجاهدة النفس على ترك الذنوب والمعاصي، وإذا وقعنا في شيء منها ألا نصر عليها، بل نبادر للتوبة، والله يفرح بتوبة التائبين حتى لو تكرر منهم الذنب، ما دام أنهم يندمون ولا يصرون؛ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)[البقرة: 222].
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى، وأن يجعلنا من عباده الصالحين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم إنَّا نسألك لإخواننا المسلمين في كل مكان فرجاً قريباً، اللهم عليك بأعداء هذا الدين إنك أنت القوي العزيز.
عباد الله: صلوا على من أمرك الله بالصلاة عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهم صل على محمد، اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين.
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فأذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم