أخلاق يحبها الله -تعالى-

الشيخ د محمود بن أحمد الدوسري

2025-08-08 - 1447/02/14 2025-09-04 - 1447/03/12
عناصر الخطبة
1/إثبات صفة المحبة لله -تعالى- 2/من الأخلاق التي يحبها الله

اقتباس

وَالتَّوَاضُعُ خُلُقُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَخُلُقُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَدَلِيلٌ عَلَى كَرَمِ الْأَخْلَاقِ، وَرِفْعَةِ الْقَدْرِ، وَعُلُوِّ الشَّأْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "التَّوَاضُعُ مِنْ أَخْلَاقِ الْكِرَامِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: مِنْ خِلَالِ تَتَبُّعِ وَاسْتِقْرَاءِ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نَجِدُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ جُمْلَةً مِنَ الْأَخْلَاقِ الَّتِي وُصِفَتْ بِأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يُحِبُّهَا، وَيُحِبُّ أَصْحَابَهَا، وَيَرْضَى عَنْهُمْ، قَالَ الْفَيْرُوزُ آبَادِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مَمْلُوءَانِ بِذِكْرِ مَنْ يُحِبُّ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- مِنْ عِبَادِهِ، وَذِكْرِ مَا يُحِبُّهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ".

 

وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ:

التَّقْوَى: قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)[التَّوْبَةِ: 4]، وَالتَّقْوَى مِنْ أَعْظَمِ الْأَخْلَاقِ الْإِيمَانِيَّةِ الَّتِي تُدْخِلُ الْجَنَّةَ، فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: "تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ"(حَسَنٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ التَّقِيِّ، الْخَفِيِّ عَنِ الشُّهْرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَالْمُتَّقُونَ تُقْبَلُ أَعْمَالُهُمْ، قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[الْمَائِدَةِ: 27].

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ: قَالَ -تَعَالَى-: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]، وَالتَّوَكُّلُ خُلُقٌ إِيمَانِيٌّ عَظِيمٌ، أَمَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- عِبَادَهُ بِهِ؛ لِيَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ، وَيُفَوِّضُوا أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ، فَهُوَ الْوَكِيلُ -جَلَّ جَلَالُهُ- بِتَدْبِيرِ أُمُورِهِمْ، وَرِعَايَتِهِمْ، وَحِفْظِهِمْ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ)[الشُّعَرَاءِ: 217]؛ وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)[إِبْرَاهِيمَ: 12]. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَالتَّوَكُّلُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مَا لَا يُطِيقُ مِنْ أَذَى الْخَلْقِ وَظُلْمِهِمْ وَعُدْوَانِهِمْ"(بدائع الفوائد).

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الصِّدْقُ: بَشَّرَ النَّبِيُّ -صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَ الصِّدْقِ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ، وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ؛ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "‌مَنْ ‌سَرَّهُ ‌أَنْ ‌يُحِبَّ ‌اللَّهَ ‌وَرَسُولَهُ، أَوْ يُحِبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ فَلْيَصْدُقْ فِي حَدِيثِهِ إِذَا حَدَّثَ"(حَسَنٌ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ)، وَالصِّدْقُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَخْلَاقِ السُّلُوكِيَّةِ الَّتِي حَثَّ الْإِسْلَامُ عَلَى التَّخَلُّقِ بِهَا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَقْوَالِ، أَوِ الْأَفْعَالِ، أَوِ النِّيَّاتِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى صِدْقِ اللِّسَانِ، وَصِدْقِ الْأَعْمَالِ، وَصِدْقِ النِّيَّاتِ.

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الْأَمَانَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "‌مَنْ ‌سَرَّهُ ‌أَنْ ‌يُحِبَّ ‌اللَّهَ ‌وَرَسُولَهُ، أَوْ يُحِبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ ‌فَلْيَصْدُقْ ‌حَدِيثَهُ إِذَا حَدَّثَ، وَلْيُؤَدِّ أَمَانَتَهُ إِذَا أُؤْتُمِنَ"(حَسَنٌ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ)، وَالْأَمَانَةُ خُلُقٌ لَا يَنْفَكُّ عَنْ أَيِّ عَمَلٍ تَكْلِيفِيٍّ يَعْمَلُهُ الْمُسْلِمُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِدِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ، وَمِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ: ضِيَاعُ الْأَمَانَةِ، وَقِلَّةُ الْأُمَنَاءِ، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الْحَيَاءُ وَالسَّتْرُ: يُحِبُّ اللَّهُ -تَعَالَى- الْحَيَاءَ، وَأَهْلَ الْحَيَاءِ، وَهُوَ -تَعَالَى- سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ، وَلَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)، وَيُحِبُّ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- أَنْ يَسْتُرَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ إِنْ رَأَى مِنْهُ مَا يَكْرَهُ، فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَنْشُرَ عَوْرَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، مَا لَمْ يُجَاهِرُوا بِمَعَاصِيهِمْ فُسُوقًا وَإِصْرَارًا، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا؛ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الصَّبْرُ: قَالَ -تَعَالَى-: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 146]، وَهُوَ تَعْبِيرٌ عَنْ قُوَّةِ الْإِرَادَةِ، وَكَمَالِ الْعَقْلِ، وَالْبُعْدِ عَنِ التَّسَرُّعِ وَالطَّيْشِ وَالرُّعُونَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ، وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ)، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌يُحِبُّ ‌ثَلَاثَةً"، وَذَكَرَ مِنْهُمْ: "رَجُلٌ لَهُ جَارُ سُوءٍ يُؤْذِيهِ؛ فَيَصْبِرُ عَلَى إِيذَائِهِ، حَتَّى يَكْفِيَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ إِمَّا بِحَيَاةٍ أَوْ مَوْتٍ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ).

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الْعَدْلُ وَالْإِقْسَاطُ: قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الْمَائِدَةِ: 42]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ..."(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، وَبَشَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَمْتَثِلُونَ الْعَدْلَ فِي أَحْكَامِهِمْ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِمْ بِمَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ، وَأَهْلِيهِمْ، وَمَا وَلُوا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الْإِحْسَانُ: قَالَ -تَعَالَى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[الْبَقَرَةِ: 195]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 134]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الْأَعْرَافِ: 56]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "‌إِذَا ‌حَكَمْتُمْ ‌فَاعْدِلُوا، وَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- مُحْسِنٌ يُحِبُّ الْإِحْسَانَ"(حَسَنٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ)، فَالْإِسْلَامُ هُوَ دِينُ الْإِحْسَانِ بِكُلِّ قِيَمِهِ وَتَعَالِيمِهِ.

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ: وَهُمَا: خُلُقَانِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَهُمَا دَلِيلٌ عَلَى رَجَاحَةِ الْعَقْلِ، وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ، وَجَوْدَةِ النَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ، قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: "إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَفِي رِوَايَةٍ: "إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا، أَمِ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: "بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا"، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ"(حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَإِذَا انْحَرَفَتْ عَنْ خُلُقِ الْأَنَاةِ وَالرِّفْقِ؛ انْحَرَفَتْ إِمَّا إِلَى عَجَلَةٍ ‌وَطَيْشٍ ‌وَعُنْفٍ، وَإِمَّا إِلَى تَفْرِيطٍ وَإِضَاعَةٍ، وَالرِّفْقُ وَالْأَنَاةُ بَيْنَهُمَا"(مدارج السالكين).

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الرِّفْقُ: وَهُوَ: خُلُقٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَيُعْطِي عَلَيْهِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الشِّدَّةِ وَالْعُنْفِ، وَلِلْمُتَخَلِّقِ بِهِ فِي الدُّنْيَا الثَّنَاءُ الْجَمِيلُ، وَتَحْقِيقُ الْمَطَالِبِ، وَفِي الْعَقْبَى لَهُ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى-، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ...

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنَ الْأَخْلَاقِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ -تَعَالَى-، وَيُحِبُّ أَصْحَابَهَا:

التَّوَاضُعُ: أَخْبَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- عَنْ مَحَبَّتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَاضِعِينَ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا، الْأَشِدَّاءِ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)[الْمَائِدَةِ: 54]، وَالتَّوَاضُعُ خُلُقُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَخُلُقُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَدَلِيلٌ عَلَى كَرَمِ الْأَخْلَاقِ، وَرِفْعَةِ الْقَدْرِ، وَعُلُوِّ الشَّأْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "التَّوَاضُعُ مِنْ أَخْلَاقِ الْكِرَامِ، وَالتَّكَبُّرُ مِنْ أَخْلَاقِ اللِّئَامِ، وَأَرْفَعُ النَّاسِ قَدْرًا مَنْ لَا يَرَى قَدْرَهُ، وَأَكْبَرُ النَّاسِ فَضْلًا: مَنْ لَا يَرَى فَضْلَهُ"(شعب الإيمان للبيهقي).

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الْكَرَمُ وَالْجُودُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَحَثَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتْبَاعَهُ عَلَى الْجُودِ وَالْكَرَمِ، وَبَشَّرَهُمْ بِالْجَائِزَةِ الْعُظْمَى وَالْقِيمَةِ الْمُثْلَى، أَلَا وَهِيَ حُبُّ اللَّهِ -تَعَالَى- لِلْكَرَمِ وَالْكُرَمَاءِ، وَالْجُودِ وَالْأَجْوَادِ، بِقَوْلِهِ: "إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ)، وَبِقَوْلِهِ: "إِنَّ اللَّهَ ‌جَوَادٌ ‌يُحِبُّ ‌الْجُودَ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ).

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: عِفَّةُ النَّفْسِ: وَهِيَ حَالَةٌ لِلنَّفْسِ تَمْتَنِعُ بِهَا عَنْ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ، وَهِيَ أُسُّ الْفَضَائِلِ، مِنَ الْقَنَاعَةِ وَالزُّهْدِ، وَغِنَى النَّفْسِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِأَهْلِ الْعِفَّةِ وَالتَّعَفُّفِ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ‌الْحَيِيَّ ‌الْعَفِيفَ ‌الْمُتَعَفِّفَ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ)، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، فَعِفَّتُهُمْ وَزُهْدُهُمْ أَوْرَثَهُمْ مَحَبَّةَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَأَوْرَثَهُمْ تَعَفُّفُهُمْ وَزُهْدُهُمْ -عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ- مَحَبَّةَ النَّاسِ.

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الْغَيْرَةُ الْمَحْبُوبَةُ: وَهِيَ غَيْرَةُ الرَّجُلِ عَلَى عِرْضِهِ وَمَحَارِمِهِ إِذَا رَأَى مِنْهُمْ فِعْلًا مُحَرَّمًا، فَهَذِهِ غَيْرَةٌ يُحِبُّهَا اللَّهُ -تَعَالَى-، وَيَرْضَى عَنْ صَاحِبِهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-... فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ"(حَسَنٌ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ)، فَاللَّهُ -تَعَالَى- يُبْغِضُ الْغَيْرَةَ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عَلَى أَسَاسِ الظُّنُونِ وَالشُّكُوكِ وَالْأَوْهَامِ.

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ: الْمَخِيلَةُ الْمَحْبُوبَةُ: الْأَصْلُ فِي الْمَخِيلَةِ أَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[لُقْمَانَ: 18]، إِلَّا أَنَّ هُنَاكَ بَعْضَ الْحَالَاتِ تُشْرَعُ فِيهَا الْمَخِيلَةُ، وَيُرَخَّصُ بِهَا، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الِاخْتِيَالُ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يُبْغِضُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْخُيَلَاءُ فِي الْبَاطِلِ"(حَسَنٌ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).

المرفقات

أخلاق يحبها الله -تعالى-.doc

أخلاق يحبها الله -تعالى-.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات