أساليب تربية المراهق: تثقيف الأبوين بوسائل تربية المراهق

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-05-30 - 1446/12/03 2025-07-09 - 1447/01/14
عناصر الخطبة
1/لماذا يحتاج المربي إلى التثقيف؟ وما الثقافة النافعة له؟ 2/سبل تحصيل المربي إلى الثقافة العامة والخاصة بتربية المراهق 3/الآثار الحسنة لتثقيف الأبوين بوسائل تربية المراهق وخطورة جهله بها 4/مواطن التثقيف الأبوي بوسائل تربية المراهق.

اقتباس

مِنْ سُبُلِ تَحْصِيلِ الثَّقَافَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِتَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ: حُضُورُ الدَّوْرَاتِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِتَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِينَ؛ فَإِنَّ لَهَا آثَارًا حَسَنَةً، وَمَنَافِعَ جَمَّةً، وَتَسْتَطِيعُ -أَيُّهَا الْمُرَبِّي الْكَرِيمُ- أَنْ تُشَارِكَ فِي بَعْضِهَا وَأَنْتَ فِي بَيْتِكَ، عَبْرَ بَرَامِجِ الشَّبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِيَّةِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: شَتَّانَ بَيْنَ مَنْ لَدَيْهِ ثَقَافَةٌ فِي عَمَلِهِ، وَمَعْرِفَةٌ مُشْرِقَةٌ بِمَا هُوَ مَسْؤُولٌ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ جَاهِلٍ لَيْسَ لَدَيْهِ عِلْمٌ بِمَسْؤُولِيَّتِهِ، وَلَا خِبْرَةٌ كَافِيَةٌ لِلنَّجَاحِ فِي وَظِيفَتِهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْوَظَائِفُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَا يَسْتَحِقُّ أَصْحَابُهَا الثَّنَاءَ إِلَّا إِذَا أَتْقَنُوهَا مِنْ خِلَالِ مَعْرِفَتِهِمْ وَخِبْرَتِهِمْ؛ فَإِنَّ الْوَظَائِفَ التَّرْبَوِيَّةَ الْأَبَوِيَّةَ مِنْهَا وَالتَّعْلِيمِيَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً عَلَى الثَّقَافَةِ وَالْمَعْرِفَةِ بِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ وَالتَّلَامِيذِ.

 

وَرُبَّمَا سَمِعْتُمْ عَنْ مُصْطَلَحِ الْمُرَاهَقَةِ وَالْمُرَاهِقِينَ، وَالْحَدِيثِ عَنْ وَاجِبِ الْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ نَحْوَهُمْ، فَمَا مَعْنَى الْمُرَاهَقَةِ، مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ؟

 

تَعْنِي الْمُرَاهَقَةُ: الِاقْتِرَابَ مِنَ النُّضْجِ الْجِسْمِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَالنَّفْسِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ لِلطِّفْلِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ سِنِّ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْعُمْرِ إِلَى سِنِّ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ؛ وَالْمُرَبِّي بِحَاجَةٍ إِلَى مَا يُعِينُهُ عَلَى النَّجَاحِ فِيهَا، وَمِنْ ذَلِكَ: التَّعَلُّمُ وَالثَّقَافَةُ فِي هَذِهِ الْوَظِيفَةِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْأَعْمَالَ وَالْوَظَائِفَ الَّتِي يُرْجَى النَّجَاحُ فِيهَا، لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ لَدَى الْمُبَاشِرِينَ لَهَا عِلْمٌ وَخِبْرَةٌ بِهَا، وَإِلَّا لَنْ يَحْصُلَ الْمُرَادُ الْكَبِيرُ مِنْهَا، وَهَذَا مَعْنَى الْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ فِي الْحَيَاةِ الْوَظِيفِيَّةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)[النَّمْلِ:39].

 

وَمِنَ الْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ فِي تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِينَ: أَنْ يَكُونَ لَدَى الْمُرَبِّينَ عِلْمٌ وَثَقَافَةٌ بِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْوَظِيفَةِ السَّامِيَةِ.

 

قَدْ تَسْأَلُونَ -رَعَاكُمُ اللَّهُ- فَتَقُولُونَ: لِمَاذَا يَحْتَاجُ الْمُرَبِّي إِلَى التَّثْقِيفِ فِي تَرْبِيَتِهِ لِأَهْلِ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، وَمَا هِيَ الثَّقَافَةُ النَّافِعَةُ لَهُ؟

وَالْجَوَابُ: إِنَّ الْمُرَبِّيَ بِحَاجَةٍ إِلَى التَّثْقِيفِ فِي تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ لِيَكُونَ عَلَى عِلْمٍ بِحُسْنِ تَرْبِيَتِهِ وَتَقْوِيمِهِ، وَإِرْشَادِهِ وَتَعْلِيمِهِ؛ فَالثَّقَافَةُ النَّافِعَةُ هِيَ النُّورُ الَّذِي يُزِيحُ ظُلُمَاتِ الطَّرِيقِ، وَأَمَّا الْجَهْلُ فَإِنَّهُ ظَلَامٌ وَضَيَاعٌ.

 

وَاسْمَعُوا لِهَذِهِ الْقِصَّةِ لِتُدْرِكُوا مَنْفَعَةَ الْعِلْمِ، وَضَرَرَ الْجَهَالَةِ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟، فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: "قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ..."(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

وَيَحْتَاجُ مُرَبِّي الْمُرَاهِقِ إِلَى الثَّقَافَةِ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِيُعَالِجَ مُشْكِلَاتِ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَفَهْمٍ؛ إِذْ كَمْ فِيهَا مِنْ مُشْكِلَاتٍ بِسَبَبِ مَا يَطْرَأُ فِيهَا مِنْ تَحَوُّلَاتٍ عَلَى النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُرَبِّي مَعْرِفَةُ مُشْكِلَاتِ طَبِيعَتِهَا وَاحْتِيَاجَاتِهَا.

 

وَأَمَّا الثَّقَافَةُ الَّتِي يَحْتَاجُهَا مَنْ يُرَبِّي الْمُرَاهِقَ؛ فَإِنَّهَا الثَّقَافَةُ الدِّينِيَّةُ، وَالثَّقَافَةُ التَّرْبَوِيَّةُ تَخُصُّ الْمُرَاهِقَ فِي الْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ، فِي عَدَدٍ مِنَ الْمَسَائِلِ وَالْأَبْوَابِ؛ كَالثَّقَافَةِ الْكَافِيَةِ بِأَحْكَامِ بُلُوغِهِ وَوَاجِبَاتِهِ وَنَوَاهِيهِ وَمَحْظُورَاتِهِ، وَأَحْكَامِ طَهَارَتِهِ وَصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ، وَغَيْرِهَا مِنْ أَجْلِ أَنْ تُرَبِّيَ الْمُرَاهِقَ تَرْبِيَةً إِسْلَامِيَّةً نَظِيفَةً، وَتَسْلُكَ بِهِ الْآفَاقَ الْوَضَّاءَةَ الشَّرِيفَةَ، وَاسْمَعْ مَا يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَقُولُهُ لِكُلِّ مُرَبٍّ: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

وَعَلَيْكَ أَلَّا تَنْسَى -أَيُّهَا الْمُرَبِّي مِنْ أَبٍ أَوْ مُعَلِّمٍ- الْعِنَايَةَ بِالثَّقَافَةِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِتَنْشِئَةِ الْمُرَاهِقِينَ؛ فَإِنَّهَا مُعِينَةٌ لَكَ فِي وَظِيفَتِكَ أَيَّمَا إِعَانَةٍ، فَإِذَا كُنْتَ لَا تُحِيطُ بِهَا عِلْمًا فَتَعَلَّمْهَا وَحَصِّلْهَا، وَلِتَحْقِيقِ ذَلِكَ سُبُلٌ، وَهُنَاكَ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِتَحْصِيلِهَا؛ مِنْهَا:

قِرَاءَةُ الْكُتُبِ النَّافِعَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمُتَابَعَةُ الْأَبْحَاثِ الْمُخْتَصَّةِ بِدِرَاسَةِ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ؛ فَإِنَّهُ يُصْلِحُ اللَّهُ بِهَا أُسْرَةً أَوْ جِيلًا بِأَسْرِهِ.

 

وَمِنْ سُبُلِ تَحْصِيلِ الثَّقَافَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِتَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ: حُضُورُ الدَّوْرَاتِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِتَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِينَ؛ فَإِنَّ لَهَا آثَارًا حَسَنَةً، وَمَنَافِعَ جَمَّةً، وَتَسْتَطِيعُ -أَيُّهَا الْمُرَبِّي الْكَرِيمُ- أَنْ تُشَارِكَ فِي بَعْضِهَا وَأَنْتَ فِي بَيْتِكَ، عَبْرَ بَرَامِجِ الشَّبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِيَّةِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ.

 

وَمِنْ سُبُلِ تَحْصِيلِ الثَّقَافَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِتَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ: اسْتِشَارَةُ ذَوِي الِاخْتِصَاصِ، وَسُؤَالُهُمْ فِي قَضَايَا الْمُرَاهَقَةِ؛ حَتَّى يَكُونَ الْمُرَبِّي عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ فِيمَا يَفْعَلُ وَيَذُرُ، وَكَمْ فِي سُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ مَصَالِحَ! كَيْفَ لَا وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ -جَلَّ شَأْنُهُ-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ:7].

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَجْعَلَنَا صَالِحِينَ مُصْلِحِينَ، وَأَنْ يُصْلِحَ لَنَا الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ:281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمَتَى تَثَقَّفَ الْأَبَوَانِ بِوَسَائِلِ تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ سَنَرَى لِذَلِكَ آثَارًا حَسَنَةً، تَجْعَلُ الْوَالِدَيْنِ يَحْرِصَانِ عَلَى التَّثْقِيفِ النَّافِعِ؛ فَمِنْ آثَارِهَا: قِلَّةُ عَنَاءِ الْأَبَوَيْنِ، وَالسَّلَامَةُ مِنَ انْحِرَافِ الْأَوْلَادِ وَكَثْرَةِ مَشَاكِلِهِمْ وَعُدْوَانِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّرْبِيَةَ الْقَائِمَةَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ تُثْمِرُ اسْتِقَامَةَ سُلُوكِ الْمُرَاهِقِ، وَطَاعَتَهُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَإِقْبَالَهُ عَلَى بِرِّ وَالِدَيْهِ الَّذِي أَوْصَاهُ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الْبَقَرَةِ:83].

 

بَيْنَمَا الْجَاهِلُ بِهَذِهِ الثَّقَافَةِ فِي تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِ الْمُرَاهِقِينَ؛ فَسَيُسِيئُ مِنْ حَيْثُ يَرَى أَنَّهُ يُصْلِحُ، وَيَهْدِمُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ يَبْنِي، وَيَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ جُسُورًا مِنَ الْجَفَاءِ، وَسُدُودًا مِنَ الْبَغْضَاءِ، ثُمَّ يَنْتَظِرُ بَعْدَ ذَلِكَ عُقُوقًا وَإِسَاءَاتٍ، وَخُصُومَاتٍ وَمُشْكِلَاتٍ، وَيَكُونُ حَالُهُ كَمَا قَالَ الْمَثَلُ الْعَرَبِيُّ: "عَلَى أَهْلِهَا تَجْنِي بَرَاقِشُ".

 

وَمِنَ الْآثَارِ الْحَسَنَةِ: انْتِفَاعُ الْمُجْتَمَعِ بِأُولَئِكَ الشَّبَابِ الَّذِينَ نَالُوا قِسْطًا وَافِرًا مِنَ التَّرْبِيَةِ الْقَوِيمَةِ، دَاخِلَ أُسْرَةٍ كَرِيمَةٍ، حَتَّى أَصْبَحُوا مَضْرِبَ الْمَثَلِ فِي بِيئَاتِهِمْ بِحُسْنِ أَخْلَاقِهِمْ، وَجَمِيلِ مُعَامَلَتِهِمْ، وَسَلَامَةِ النَّاسِ مِنْ شَرِّهِمْ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَلِسَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ السَّبِيلِ إِلَى تَثْقِيفِ الْأَبَوَيْنِ بِوَسَائِلِ تَرْبِيَةِ مُرَاهِقِيهِمْ؟

وَالْجَوَابُ: ثَمَّةَ مَوَارِدُ يَنْبَغِي عَلَيْهِمَا أَنْ يَرِدُوهَا، وَعُيُونٌ يَجِبُ أَنْ يَنْهَلُوا مِنْ مَنَاهِلِهَا الْعَذْبَةِ ثَقَافَةً تَرْبَوِيَّةً صَالِحَةً، فَمِنْ تِلْكَ الْمَوَارِدِ:

اسْتِشَارَةُ أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ فِي الْمَجَالِ التَّرْبَوِيِّ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ إِلَى اللَّهِ وَالْمُرَبِّينَ، وَاسْتِقَاءِ الْأَسَالِيبِ النَّاجِعَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْخِبْرَةِ، وَالْبَحْثُ مَعَهُمْ عَنْ سُبُلِ مُعَالَجَةِ إِشْكَالَاتِ الْمُرَاهِقِ بِمَا يُعِينُ الْأَبَوَيْنِ عَلَى حُسْنِ التَّرْبِيَةِ لِمُرَاهِقِيهِمْ، وَتَعْدِيلِ سُلُوكِيَّاتِهِمْ، وَالْأَخْذِ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، وَحِمَايَتِهِمْ مِنْ مَسَالِكِ الْغَيِّ وَالْفَسَادِ.

 

وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى تَحْصِيلِ التَّثْقِيفِ الْأَبَوِيِّ بِوَسَائِلِ تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ: الْمَسْجِدُ، وَالْمَدْرَسَةُ، وَالْجَامِعَةُ، وَالْمَوَاقِعُ الْإِلِيكْتُرُونِيَّةُ الصَّالِحَةُ، وَوَسَائِلُ الْإِعْلَامِ، وَوَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، الَّتِي لَهَا عِنَايَةٌ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّرْبِيَةِ، فَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَحْرِصَ أَهْلُ هَذِهِ النَّوَافِذِ الْعِلْمِيَّةِ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِجَانِبِ تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ فِي مُقَرَّرَاتِهِمْ، وَمَوَادِّهِمْ، وَمُحْتَوَى وَسَائِلِهِمْ!

 

فَيَا أَيُّهَا الْآبَاءُ، وَيَا أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: احْرِصُوا عَلَى تَثْقِيفِ أَنْفُسِكُمْ بِالْوَسَائِلِ الْمُفِيدَةِ الَّتِي تُسَاعِدُكُمْ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِكُمُ الْمُرَاهِقِينَ، وَاسْعَوْا إِلَى سُبُلِ تَحْصِيلِهَا مِنْ مَصَادِرِهَا الْمَأْمُونَةِ، لِتَرَوْا بَعْدَهَا آثَارًا حَسَنَةً عَلَى أَوْلَادِكُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ.

 

رَزَقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ صَلَاحَ النِّيَّةِ، وَحُسْنَ التَّرْبِيَةِ لِلذُّرِّيَّةِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

أساليب تربية المراهق تثقيف الأبوين بوسائل تربية المراهق.doc

أساليب تربية المراهق تثقيف الأبوين بوسائل تربية المراهق.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات