أساليب تربية المراهق: تدريبه على تحمل المسؤولية

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-05-30 - 1446/12/03 2025-07-09 - 1447/01/14
عناصر الخطبة
1/المراد بالمسؤولية التي ندرب شبابنا عليها 2/بعض صور المسؤولية التي يجدر بالشاب إتقانها والقيام بها 3/أسباب عين المربي على تربية المراهق على تحمل المسؤولية 4/ثمرات تدريب المراهق على تحمل المسؤولية 5/وصايا للمربين والآباء.

اقتباس

إِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي عَلَيْكُمْ فِعْلُهُ مَعَ الْمُرَاهِقِينَ مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَطُلَّابِكُمْ: تَدْرِيبَهُمْ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ؛ وَالَّتِي تَعْنِي: إِشْعَارَهُمْ بِأَنَّ عَلَيْهِمْ مُهِمَّاتٍ حَيَاتِيَّةً يَنْبَغِي أَنْ يَقُومُوا بِهَا اسْتِقْلَالًا، وَأَنْ تُوكَلَ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الْمُهِمَّاتُ لِيُمَارِسُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونُ: لَقَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ التَّدْرِيبَ عَلَى الْأَعْمَالِ وَالْمُهِمَّاتِ قَبْلَ مُبَاشَرَتِهَا مِنْ أَسْبَابِ إِتْقَانِهَا، وَتَسَلُّمَهَا مِنْ دُونِ تَدْرِيبٍ وَتَأْهِيلٍ مِنْ عَوَامِلِ الْإِخْفَاقِ فِيهَا، وَهَذَا أَمْرٌ جَارٍ فِي الْوَظَائِفِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ، وَمِنْ تِلْكَ الْوَظَائِفِ: وَظِيفَةُ الْأَبَوَيْنِ فِي تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِمَا.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنْ كَانَ لِلْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ وَظَائِفُ مُعَيَّنَةٌ فَلَهُ أَيْضًا عُمْرٌ مَحْدُودٌ، وَهُوَ فِي هَذَا الْعُمْرِ مَرَاحِلُ يَنْتَقِلُ بَيْنَهَا مِنْ مَرْحَلَةٍ إِلَى أُخْرَى، وَلِكُلٍّ مِنْهَا خَصَائِصُهَا وَمُتَطَلَّبَاتُهَا، وَمِنْ تِلْكَ الْمَرَاحِلِ: مَرْحَلَةُ الْمُرَاهَقَةِ، وَهِيَ: الِاقْتِرَابُ مِنَ النُّضْجِ الْجِسْمِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَالنَّفْسِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ سِنِّ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْعُمْرِ إِلَى سِنِّ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ.

 

وَمَرْحَلَةُ الْمُرَاهَقَةِ مَرْحَلَةٌ حَسَّاسَةٌ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ يَحْصُلُ فِيهَا لِلْمُرَاهِقِ تَقَلُّبَاتٌ وَتَحَوُّلَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهَا أَثَرُهَا الْكَبِيرُ عَلَى مَا بَعْدَهَا مِنْ مَرَاحِلَ؛ وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْنَا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- أَنْ نَعِيَ مَا تَتَطَلَّبُهُ هَذِهِ الْمَرْحَلَةُ فِي أَوْلَادِنَا وَطُلَّابِنَا؛ حَتَّى نُرَبِّيَهُمْ تَرْبِيَةً مُسْتَقِيمَةً.

 

أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ: إِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي عَلَيْكُمْ فِعْلُهُ مَعَ الْمُرَاهِقِينَ مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَطُلَّابِكُمْ: تَدْرِيبَهُمْ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ؛ وَالَّتِي تَعْنِي: إِشْعَارَهُمْ بِأَنَّ عَلَيْهِمْ مُهِمَّاتٍ حَيَاتِيَّةً يَنْبَغِي أَنْ يَقُومُوا بِهَا اسْتِقْلَالًا، وَأَنْ تُوكَلَ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الْمُهِمَّاتُ لِيُمَارِسُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَصْبَحُوا فِي حُكْمِ الْكِبَارِ، أَوْ يُوشِكُ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ حَتَّى يَأْمُرُوا وَيَنْهَوْا.

 

قَالَ الشَّاعِرُ:

قَدْ هَيَّؤُوكَ لِأَمْرٍ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ *** فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعَى مَعَ الْهَمَلِ

 

عِبَادَ اللَّهِ: هُنَاكَ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ لِتَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ يَنْبَغِي لِلْمُرَبِّينَ أَنْ يَأْمُرُوا الْمُرَاهِقِينَ بِهَا؛ حَتَّى يَشْعُرُوا بِأَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْؤُولِيَّاتٍ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَعُودُوا صِغَارًا، وَهَذِهِ الصُّوَرُ مِنْهَا مَا هُوَ فِي جَانِبِ الدِّينِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي جَانِبِ الدُّنْيَا؛ فَأَنْتَ -أَيُّهَا الْأَبُ الْكَرِيمُ- دَرِّبِ ابْنَكَ الْمُرَاهِقَ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ؛ مِنْ خِلَالِ جَعْلِهِ إِمَامًا لِلصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ يَؤُمُّ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ أَحْيَانًا وَلَوْ فِي صَلَاةٍ نَافِلَةٍ؛ حَتَّى يُحَفِّزَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ إِمَامَ قَوْمِهِ، وَكَمْ فِي ذَلِكَ مِنْ فَضْلٍ عَظِيمٍ، وَشَأْنٍ كَرِيمٍ! قَالَ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الْفُرْقَانِ:74].

 

وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلِّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ، قَالَ: "كُنْ إِمَامَ قَوْمِكَ، فَإِنْ لَمْ تَسْطَعْ فَكُنْ مُؤَذِّنَهُمْ"، قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟ قَالَ: "فَكُنْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ".

 

وَأَمَّا صُوَرُ تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ فِي شُؤُونِ الدُّنْيَا، فَمَا أَجْمَلَ أَنْ يُرَبَّى الْمُرَاهِقُ فِي الْبَيْتِ عَلَى تَحَمُّلِ مَسْؤُولِيَّتِهِ ابْتِدَاءً مِنْ حَاجَاتِهِ الْخَاصَّةِ؛ فَيُرَبَّى عَلَى تَرْتِيبِ سَرِيرِهِ وَغُرْفَتِهِ، وَمَلَابِسِهِ وَأَدَوَاتِ دِرَاسَتِهِ، وَأَلَّا يَكُونَ عِبْئًا فِي ذَلِكَ عَلَى أُمِّهِ وَأَخَوَاتِهِ، فَمَنْ مِنَّا يَعْمَلُ هَذَا مَعَ أَوْلَادِهِ؟

 

وَمِنْ صُوَرِ تَدْرِيبِ الْمُرَاهِقِينَ عَلَى تَحَمُّلِهِمْ مَسْؤُولِيَّةَ شُؤُونِ دُنْيَاهُمْ: تَعْوِيدُهُمْ عَلَى كَسْبِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ بِعَرَقِ جَبِينِهِمْ، وَبَيِّنُوا لَهُمْ شَرَفَ ذَلِكَ وَحُسْنَ أَثَرِهِ؛ حَتَّى لَا يَكُونُوا عَالَةً عَلَيْكُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ فَقَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ".

 

وَمِنْ وَسَائِلِ ذَلِكَ: حَثُّهُمْ عَلَى الْجِدِّ وَالْمُثَابَرَةِ فِي دِرَاسَتِهِمْ؛ لِأَنَّ نَجَاحَهُمْ فِيهَا يَفْتَحُ لَهُمْ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّزْقِ، وَعَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يَتَعَلَّمُوا إِلَى جَانِبِ الدِّرَاسَةِ إِحْسَانَ مِهْنَةٍ مِنَ الْمِهَنِ الَّتِي تُنَاسِبُ بِيئَتَهُمْ وَعَصْرَهُمْ؛ فَهِيَ بَابٌ آخَرُ مِنْ أَبْوَابِ الرِّزْقِ، وَفِي الْمَثَلِ: "لَا تُعْطِنِي سَمَكَةً، وَلَكِنْ عَلِّمْنِي كَيْفَ أَصِيدُ".

 

وَأَمَّا الْبَنَاتُ الْمُرَاهِقَاتُ، فَهُنَّ مَسْؤُولِيَّةُ الْأُمَّهَاتِ، فَزِيَادَةً عَلَى مَا ذُكِرَ؛ الْأُمَّهَاتُ الْعَاقِلَاتُ - يَا عِبَادَ اللَّهِ- هُنَّ اللَّاتِي يُدَرِّبْنَ بَنَاتِهِنَّ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِلْنَ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِهِنَّ؛ حَيْثُ تُدَرِّبُ الْأُمُّ ابْنَتَهَا عَلَى إِحْسَانِ تَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ، فَتُعَلِّمُهَا كَيْفَ تَطْبُخُ وَكَيْفَ تُنَظِّفُ وَتُنَظِّمُ، وَكَيْفَ تَهْتَمُّ بِالْأَطْفَالِ الصِّغَارِ؛ فَكَمْ مِنْ أَزْوَاجٍ شَكَوْا تَقْصِيرَ زَوْجَاتِهِمْ فِي هَذَا؛ لِكَوْنِهِنَّ لَمْ يَتَعَلَّمْنَ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَاجِ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هُنَاكَ أَسْبَابٌ مُعِينَةٌ لِلْمُرَبِّي عَلَى تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، فَمِنْهَا:

أَنْ يُشْعِرَ الْمُرَبِّي الْمُرَاهِقَ بِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بَالِغًا، وَالْبَالِغُ مُكَلَّفٌ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ؛ فَالْمُرَاهِقُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ، وَالْمُرَاهِقَةُ بَلَغَتْ مَبْلَغَ النِّسَاءِ؛ فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

وَمِنَ الْأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ: وُجُودُ الْأُمِّ الَّتِي تَحْمِلُ نَفْسَ الْهَمِّ وَالْهَدَفِ، أُمٌّ تُسَاعِدُ الْأَبَ فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ؛ فَإِنَّنَا نَجِدُ -أَيُّهَا الْكِرَامُ- آبَاءً يُرِيدُونَ تَرْبِيَةَ أَوْلَادِهِمُ الْمُرَاهِقِينَ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، لَكِنْ يَقِفُ أَمَامَ غَايَتِهِمُ الْحَمِيدَةِ أُمَّهَاتٌ يُرِدْنَ لِأَوْلَادِهِنَّ الرَّاحَةَ وَالسُّكُونَ، وَالتَّرْبِيَةَ عَلَى الدَّلَالِ وَالْعَطْفِ الْمَذْمُومِ، فَالْأَبُ يَأْمُرُ وَالْأُمُّ تَنْهَى، وَالْوَالِدُ يَنْهَى وَهِيَ تَأْمُرُ! وَالِابْنُ مَعَ هَوَى أُمِّهِ الَّذِي يُنَاسِبُ هَوَى نَفْسِهِ، لَكِنْ عِنْدَمَا تَكُونُ الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ فِي مُهِمَّتِهِ، وَتُسَاعِدُهُ فِي تَرْبِيَةِ وَلَدِهِ عَلَى تَحَمُّلِ مَسْؤُولِيَّتِهِ؛ يَسْتَجِيبُ الْوَلَدُ، وَتَحْصُلُ النَّتِيجَةُ الْحَسَنَةُ، وَصَدَقَ الشَّاعِرُ حِينَ قَالَ:

الْأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا *** أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيِّبَ الْأَعْرَاقِ

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ ذُرِّيَّاتِنَا، وَأَنْ يُنْبِتَهُمْ نَبَاتًا حَسَنًا.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هُنَالِكَ ثَمَرَاتٌ كَبِيرَةٌ تَنْتُجُ عَنْ تَدْرِيبِ الْمُرَاهِقِ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَفِي تَأَمُّلِهَا دَعْوَةٌ لِلْعِنَايَةِ الْكَبِيرَةِ بِهَذَا الْمَوْضُوعِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ: اطْمِئْنَانُ الْوَالِدَيْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَؤُولُ بَعْدَ الْقُوَّةِ إِلَى الضَّعْفِ، وَبَعْدَ الْقُدْرَةِ إِلَى الْعَجْزِ، وَبَعْدَ الْعَطَاءِ إِلَى السُّكُونِ وَالِانْتِظَارِ؛ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الرُّومِ:54].

 

فَالْأَبَوَانِ عِنْدَمَا يَكْبُرَانِ يُصْبِحَانِ فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ إِلَى ابْنٍ بَارٍّ يَكْفِي أَبَوَيْهِ مَطَالِبَ الْحَيَاةِ، وَإِلَى بِنْتٍ مُحْسِنَةٍ تَخْدِمُ أُمَّهَا وَتُعِينُهَا عَلَى نَوَائِبِ الْكِبَرِ، فَمَنْ تَرَبَّى عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ كَانَ هُوَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الْمُنْتَظَرَ فِي الْغَالِبِ، أَمَّا مَنْ تَرَبَّى عَلَى الدَّلَالِ، وَحَبْلُهُ عَلَى غَارِبِهِ غَدَا عَنَاءً عَلَى وَالِدَيْهِ، فِي انْتِظَارِهِ لِعَطَائِهِمَا، وَتَحَمُّلِهِمَا لِمُشْكِلَاتِهِ وَطَيْشِهِ.

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ تَدْرِيبِ الْمُرَاهِقِ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ: حُصُولُ الْمَنَاعَةِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالتَّرْبَوِيَّةِ مِنْ جُلَسَاءِ السُّوءِ، وَصَرْفُهُ عَنْ رُفَقَاءِ الْبَطَالَةِ وَالْعَبَثِ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ، قَالَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ، أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ: عَلَيْكُمْ بِالْعِنَايَةِ بِتَرْبِيَةِ أَبْنَائِكُمْ عَلَى تَحَمُّلِ مَسْؤُولِيَّتِهِمُ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ؛ وَتَعْوِيدِهِمْ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ، وَالسَّمَاحِ لَهُمْ بِالتَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ، حَتَّى يَشْعُرُوا بِأَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْؤُولِيَّةً، وَأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا كِبَارًا، وَلَمْ يَعُودُوا أَطْفَالًا صِغَارًا، وَجَنِّدُوا الْأُمَّهَاتِ لِيَكُنَّ عَوْنًا لَكُمْ فِي هَذِهِ الْمُهِمَّةِ، وَلْيُخَفِّفْنَ مِنَ الْحَنَانِ وَالدَّلَالِ الَّذِي قَدْ يَعُوقُ هَذَا الْهَدَفَ النَّبِيلَ، وَأَبْشِرُوا بِحُسْنِ الثَّمَرَاتِ لِمَا بَذَلْتُمْ؛ فَأَنْتُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوَّلُ مَنْ يَقْطِفُ جَنَى غَرْسِكُمْ، كَمَا أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَسْتَفِيدُ مِنْ تِلْكَ الطَّاقَاتِ الشَّبَابِيَّةِ الَّتِي رَبَّيْتُمُوهَا.

 

جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لَبَنَاتِ بِنَاءٍ، وَأَصْلَحَ لَنَا وَلَكُمُ الْبَنَاتِ وَالْأَبْنَاءَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

أساليب تربية المراهق تدريبه على تحمل المسؤولية.doc

أساليب تربية المراهق تدريبه على تحمل المسؤولية.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات