عناصر الخطبة
1/أهمية شرح الصدر 2/من علامات انشراح الصدر 3/ من أسباب انشراح الصدر 4/حقيقة توحيد الله تعالى 5/فضل الصبر على قضاء الله تعالى 6/الصلاة كفيلة بشرح الصدور وطرد الهموم.اقتباس
إن أعظم ما يُزيل عنك الهم والغم أن تسجد لله الواحد الأحد. لا حيَّا الله من لم يُمرغ جبينه بين يدي الكريم المتعال. لا حيّا الله من لم يحافظ على الصلاة مع الجماعة إلا لعذر. مسكين من ينام عن صلاة الفجر. مسكين محروم من لا يعرف المسجد. مسكين محروم من لا يجيب داعي الله.
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا *** وارحم أيا رب ذنبًا قد جنيناه
كم نطلب الله في ضُرٍ يحل بنا *** فإن تولت بلايانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا *** فإن رجعنا إلى الشاطئ عصيناه
ونركب الجو في أمنٍ وفي دعةٍ *** وما سقطنا لأن الحافظ الله
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- لتكونوا من أولياء الله الذين يقول الله فيهم: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[يونس: 62].
يقول الله -تعالى- مخاطبًا نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)[الشرح: 1]؛ بأبي وأمي -صلى الله عليه وسلم- كان أشرح الناس صدرًا، قُتل أصحابه وكان صدره منشرحًا، أتاه الفقر والمرض وكان صدره منشرحًا، طُرد من دياره وبلده وكان صدره منشرحًا؛ لأنه عرف الله القائل: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ)[الأنعام: 125].
عباد الله: إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا شرح صدره للإيمان والإسلام.
إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا شرح صدره للمسجد والقرآن.
إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا شرح صدره لمصاحبة أهل الخير والصلاح والإحسان.
انظر إلى منشرح الصدر يأتي إلى المسجد مرات ومرات، ويقرأ القرآن مرات ومرات ويذكر ربه ليزداد من الحسنات.
سبحانك يا رب! تُسعد هذا فتشرح صدره فلا تراه إلا راضيًا مرضيًا باسمًا مبتسمًا.
سبحانك يا رب! تُعمي هذا فتُظلم صدره وقلبه فلا تراه إلا ساخطًا متسخطًا غاضبًا مغضبًا. اللهم اشرح صدورنا يا رب العالمين.
عباد الله: ما زلنا وإياكم مع أسباب شرح الصدور.
السبب الأول: من أسباب انشراح الصدر التوحيد الذي أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- التوحيد الصافي العظيم. التوحيد الذي قال الله فيه: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)[محمد: 19]. التوحيد الذي قال الله فيه: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر: 65]؛ السجود لله وحده والخضوع له والخوف منه وحده لا شريك له فهو الذي يحيي ويميت.
شعار الموحد ما قال الله في كتابه: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)[الشعراء: 78-82].
التوحيد ليس أن تقول لا إله إلا الله فقط. هناك مَن يقول لا الله إلا الله وهو مقاطع لبيت الله والصلوات. هناك من يقول لا الله إلا الله وهو يأكل الربا والحرام يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام، ومشربه حرام؛ فأنَّى يُستجاب له. هناك من يقول لا الله إلا الله وهو عاقّ لوالديه. هناك مَن يقول لا الله إلا الله وهو ويناصر الظلم والظالمين ويحب الظلم والظالمين.
التوحيد يشرح الصدور بحسب صفاء التوحيد ونقائه يوسع الله صدر عبده حتى يكون أوسع من الدنيا وما فيها. ولا حياة ولا سعادة لملحد ومشرك ومنافق؛ قال -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 124]. وقال -تعالى-: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[الأنعام: 125].
التوحيد أن يعتقد العبد اعتقادًا جازمًا لا شك فيه ولا ريب، أن الله -عز وجل- وحده الذي يجلب النفع ويدفع الضر، وأنه -تعالى- لا رادّ لقضائه ولا مُعقب لحكمه، عدلٌ في قضائه، يُعطي من يشاء بعدله، ولا يظلم ربك أحدًا. فعلى العبد أن يحرص على عمارة قلبه بهذه الاعتقادات وما يتبعها فإنه متى كان كذلك؛ أذهب الله غمه، وأبدله من بعد خوفه أمنًا.
ثانيًا من أسباب شرح الصدور: الصبر على قضاء الله؛ والقناعة بما رزقك الله الواحد الأحد. جاء في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قد أفلح من أسلم وكان رزقه كَفافًا، وقنّعه الله بما آتاه"، وليس معنى ذلك أن نترك الدنيا، ولكن عليك أن تجتهد قدر استطاعتك أن تكون راضيًا بما قسم الله؛ فمُحال أن يشرح الله صدر ساخط عليه حاسدًا لعباد الله.
ألا قل لمن بات لي حاسدًا *** أتدري على من أسأت الأدب؟
أسأت على الله في حُكمه *** لأنك لم ترضَ لي ما وهب
فأخزاك ربي بأن زادني *** وسد عليك وجوه الطلب
أخي الحبيب:
هي القناعة فالزمها تعش ملكًا *** لو لم يكن لك إلا راحة البدن
أرأيت مَن ملك الدنيا بأجمعها *** هل راح منها بغير القطن والكفن؟
عبد الله:
إذا ما كنتُ ذا قلبٍ قنوعٍ *** فأنت ومالك الدنيا سواء
عباد الله: من أعظم الأمور في جلب السرور: الرضا بالمقدور واجتناب المحذور؛ فلا تأسف على ما قد فات فإنه قد مات، ولا تفكر بما هو آتٍ فهو في علم الغيب عند رب الأرض والسماوات. ولا تهتم بكلام الُحسّاد وعليك بالأذكار فبها تُحفظ الأعمار وتُدفع الأشرار؛ وهي أُنس الأبرار، وبُهجة الأخيار.
أخي الحبيب: احمد ربك على العافية والعيشة الكافية، والساعة الصافية، فكم في الأرض من وحيدٍ وطريد وشريد وفقيد! احمد ربك فكم في الأرض من مسجون ومغبون ومفتون ومجنون! احمد ربك فكم من سقيمٍ وعقيمٍ ويتيم!
رغيفُ خبزٍ يابسٍ تأكله في عافية *** وكوز ماءٍ باردٍ تشربه من صافية
وغرفةٍ ضيّقة نفسك فيها راضية *** ومصحف تدرسه مستندًا لسارية
خيرٌ من السكنى بأبراج القصور العالية *** وبعد قصر شاهقٍ تُصلى بنار حامية
اللهم أجرنا من النار ومن حر النار.
عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: السبب الثالث من أسباب شرح الصدور الصلاة: إن أعظم ما يُزيل عنك الهم والغم أن تسجد لله الواحد الأحد. لا حيَّا الله من لم يُمرغ جبينه بين يدي الكريم المتعال. لا حيّا الله من لم يحافظ على الصلاة مع الجماعة إلا لعذر. مسكين من ينام عن صلاة الفجر. مسكين محروم من لا يعرف المسجد. مسكين محروم من لا يجيب داعي الله. أي أُمّة كنا يوم كنا نصلي ونحافظ على الفجر جماعة وتكبير الإحرام؟!
أخي الحبيب: إذا داهمك الخوف وطوّقك الحزن وأخذ الهمّ بتلابيبك؛ فقم إلى الصلاة، فالصلاة كفيلة بشرح الصدور وطرد الهموم. وكان الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر وأهمه قال: "أرحنا بالصلاة يا بلال".
الصحابة الكرام كانوا في ساحة المعارك السيوف على أكتافهم. ساحة سقوط جماجم وسيلان دماء يتوجهون إلى الله أكبر في صلاة الخوف. تثبيتًا لأنفسهم واتصالاً برب الأرض والسماوات ناصرًا لهم ومؤيدًا.
أين من يعقل ويفكر؟ أين أولي الألباب والعقول؟ هذه الصلوات الخمس كل يوم كفّارة لذنوبنا رفعٌ لدرجاتنا وعلاج لمآسينا ودواءٌ لأمراضنا. أما الذين تركوا المسجد وتركوا الصلاة فمن نكد إلى نكد ومن حُزن إلى حُزن ومن شقاء إلى شقاء فتعسًا لهم وأضل أعمالهم.
أيُّ أُمة كُنا يوم قدّمنا للأمة سعيد بن المسيب في سكرات الموت يعالج الموت، تبكي ابنته فيقول: "يا بنية لا تبكي إني أرجو الله أن يرحمني؛ والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام ستين سنة". والإمام الأعمش يقول: "والله ما أذّن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد".
أين الشباب عن تكبيرة الإحرام؟ أين الجيل عن صلاة الفجر؟ يا حسرتا! أحفاد مصعب وعمار وبلال تخلّفوا عن الصلاة ناموا عن الصلاة: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم: 59].
ألا فليتجه المهمومون إلى المسجد، ألا فليفتحوا المصاحف وليتوضؤوا وليُعفّروا وجوههم لخالقهم -جل وعلا- وسيُغيّر الله أحوالهم من عُسرٍ إلى يُسر، ومن شدة إلى رخاء. قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)[البقرة: 45]، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 153].
هذا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل الجنة يا رب العالمين، وأن تغفر لنا ذنوبها كلها؛ دقها وجلها، سرها وعلانيتها، لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا كربًا إلا نفسته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا عسيرًا إلا يسرته، ولا ميتًا إلا رحمته.
اللهم إنا نسألك أن تنصر إخواننا المستضعفين، وأن تعلي كلمة الدين، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، ونعوذ بك من الوباء والغلاء والبلاء يا سميع الدعاء.
اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، آمنين في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم