ائذن لي في الزنى

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-05-30 - 1446/12/03 2025-07-15 - 1447/01/20
عناصر الخطبة
1/جرأة الشباب في فترة المراهقة 2/شناعة الطلب ونجاح الأسلوب 3/أهمية الرفق والإقناع العقلي والعاطفي في تربية المراهق وتعديل سلوكه 4/الدروس المستفادة من تعامل النبي الأكرم مع الشاب وطلبه الغريب.

اقتباس

أَيُّهَا الْكِرَامُ: أَجْمَلُ بِكَثِيرٍ مِنْ إِجْبَارِ شَبَابِنَا عَلَى الْتِزَامِ أَمْرٍ مَا بِالْقُوَّةِ أَنْ نُقْنِعَهُمْ بِحُرْمَتِهِ، وَنُقَبِّحَهُ فِي نُفُوسِهِمْ لِيَنْفِرُوا مِنْهُ؛ فَيَكُونَ ذَلِكَ أَرْسَخَ لِلْخَيْرِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَحِينَ يَقْتَنِعُ الْمَرْءُ بِشَيْءٍ يَتَبَنَّاهُ وَيُنَافِحُ عَنْهُ، وَيَدْعُو إِلَيْهِ، وَهَذَا مَا نَرْجُوهُ مِنْ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ: إِنَّ مَرْحَلَةَ الْمُرَاهَقَةِ نَقْلَةٌ حَيَاتِيَّةٌ يَمُرُّ بِهَا كُلُّ شَابٍّ وَشَابَّةٍ فِي مَرْحَلَةِ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَتَتَّصِفُ بِبَعْضِ التَّغْيِيرَاتِ الْجَسَدِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ وَالْعَاطِفِيَّةِ الْكَبِيرَةِ؛ حَيْثُ يَشْعُرُ الشَّابُّ فِيهَا بِنَوْعٍ مِنَ الِاسْتِعْظَامِ الذَّاتِيِّ، وَيُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَ فِيهَا بِشَخْصِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، فَيُظْهِرَ الْعِنَادَ وَالْجُرْأَةَ وَالْمُخَالَفَةَ؛ لِذَا يَنْبَغِي لِلْمُرَبِّينَ مَعْرِفَةُ هَذِهِ التَّغْيِيرَاتِ الْفِطْرِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ؛ لِيَسْتَطِيعُوا التَّعَامُلَ مَعَ أَفْعَالِ الْمُرَاهِقِينَ بِالشَّكْلِ الْأَمْثَلِ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الْحَرِجَةِ مِنْ مَرَاحِلِ الْعُمْرِ.

 

وَبَيْنَ أَيْدِينَا نَمُوذَجٌ لِشَابٍّ فِي مُقْتَبَلِ الْعُمْرِ، يَأْتِي لِلنَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مُنْدَفِعًا بِجُرْأَةٍ عَجِيبَةٍ، يَطْلُبُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَبًا مُنْكَرًا غَرِيبًا، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ الْعَظِيمَ، وَالرَّسُولَ الْحَلِيمَ، وَالْمُرَبِّيَ الْحَكِيمَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يَتَعَامَلُ مَعَهُ بِأُسْلُوبٍ يَتَنَاسَبُ مَعَ مَا يَمُرُّ بِهِ فِي مَرْحَلَةِ الْمُرَاهَقَةِ، وَيَسْتَخْدِمُ مَعَهُ أُسْلُوبَ الْحِوَارِ وَالْإِقْنَاعِ الْعَقْلِيِّ، مَشُوبًا بِشَيْءٍ مِنَ الْعَاطِفَةِ.

 

فَدَعُونَا -أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ- نَسْتَمِعْ إِلَى قِصَّةِ هَذَا الشَّابِّ الْمُرَاهِقِ، وَمَا أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى لِسَانِ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حَيْثُ قَالَ: "إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: "ادْنُهْ"، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟"، قَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ"، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

أَيُّهَا الْكِرَامُ: يَتَجَلَّى فِي هَذَا الْمَوْقِفِ الْكَرِيمِ مِنْ تَعَامُلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ طَلَبِ هَذَا الْمُرَاهِقِ مَا أُوتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ رِفْقٍ وَحِلْمٍ وَحِكْمَةٍ، وَصَدَقَ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي وَصْفِ نَبِيِّهِ: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]، وَقَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ هَذَا الطَّلَبَ مِنْ هَذَا الشَّابِّ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ غَلَبَةِ شَهْوَتِهِ عَلَيْهِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الزِّنَى حَرَامٌ، لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ فَسَيَكُونُ بَعِيدًا عَنِ الْإِثْمِ الَّذِي لَا يُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ نِيَّتَهُ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِقَوْلِهِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ".

 

هَكَذَا يَنْبَغِي -أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ- أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ الْمُرَاهِقِينَ؛ نُشْعِرُهُمْ بِقُرْبِنَا مِنْهُمْ، وَنُرَاعِي الْمَرْحَلَةَ الَّتِي هُمْ فِيهَا، فَنُقْبِلُ عَلَيْهِمْ، وَنَسْتَمِعُ إِلَى شَكْوَاهُمْ بِكُلِّ شَفَقَةٍ وَرَحْمَةٍ، يَنْبَغِي أَنْ يَشْعُرَ الْمُرَاهِقُ أَنَّنَا نُرِيدُ لَهُ الْخَيْرَ حِينَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ شَيْءٍ تَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِهِ، أَوِ انْدَفَعَ إِلَيْهِ بِطَبْعِهِ، وَأَنَّ دَافِعَنَا مِنْ مَنْعِهِ هُوَ الرَّحْمَةُ بِهِ، وَأَنْ تَكُونَ طَرِيقَةُ إِقْنَاعِنَا لَهُ بِالْحِوَارِ عَنْ طَرِيقِ تَرْغِيبِهِ وَتَرْهِيبِهِ، وَاسْتِخْدَامِ أُسْلُوبِ الْإِقْنَاعِ الْعَقْلِيِّ كَمَا اسْتَخْدَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ هَذَا الشَّابِّ، فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ: "فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ"، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَهُ بِالْغِلْظَةِ وَالْقَسْوَةِ.

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: إِنَّ طَرِيقَةَ الْإِقْنَاعِ الْعَقْلِيِّ عَنْ طَرِيقِ الْحِوَارِ بِأُسْلُوبِ السُّؤَالِ الْمُبَاشِرِ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟"، طَرِيقَةٌ مُنَاسِبَةٌ فِي التَّعَامُلِ مَعَ مُشْكِلَاتِ الْمُرَاهِقِينَ، فَلَقَدْ حَرَّكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَلْبِ ذَلِكَ الشَّابِّ النَّخْوَةَ وَالْغَيْرَةَ حِينَمَا سَأَلَهُ: هَلْ يَرْضَى ذَلِكَ لِأُمِّهِ أَوِ ابْنَتِهِ أَوْ أُخْتِهِ...؟ لَقَدْ أَشْعَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفَدَاحَةِ الزِّنَى وَعِظَمِهِ، فَغَيْرَةُ هَذَا الشَّابِّ تَأْبَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَاهُ لِأَحَدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ النَّاسِ لَا يَرْضَوْنَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ؛ فَالْغَيْرَةُ سَتَتَحَرَّكُ فِي نُفُوسِهِمْ حِينَ نُخَاطِبُهُمْ بِمِثْلِ هَذَا الْأُسْلُوبِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ جَوَابَ هَذَا الشَّابِّ يُبَيِّنَ لَنَا أَنَّ الْعَاصِيَ وَإِنْ كَانَ مُحِبًّا لِلْمَعْصِيَةِ بِدَافِعِ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ وَتَأَجُّجِهَا فِي جَسَدِهِ، لَكِنْ تَبْقَى لَدَيْهِ مُرُوءَةٌ وَغَيْرَةٌ تَحْجِزُهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَنَحْتَاجُ إِلَى فَتْحِ بَابِ التَّفْكِيرِ لَدَى الشَّبَابِ، وَإِشْرَاكِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ مَآلَاتِ الْمَعَاصِي وَضَرَرِهَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى مُجْتَمَعِهِمْ، فَغَيْرَةُ هَذَا الشَّابِّ عَلَى مَحَارِمِهِ تَأْبَى عَلَيْهِ أَنْ يُدَنِّسَ عِرْضَ الْآخَرِينَ، فَكَانَ جَوَابُهُ: "لَا، وَاللَّهُ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ"، فَعَلَى الْمُرَبِّينَ أَنْ يَسْتَخْدِمُوا هَذَا الْأُسْلُوبَ التَّرْبَوِيَّ النَّبَوِيَّ، فَكَثِيرٌ مِنَ الْعُصَاةِ لَدَيْهِمْ أَخْلَاقٌ حَمِيدَةٌ يَنْبَغِي اسْتِثْمَارُهَا وَاسْتِثَارَتُهَا فِي نُفُوسِهِمْ؛ لِرَدْعِهِمْ عَنِ الْمَعَاصِي وَعِلَاجِ أَخْطَائِهِمْ، وَكَفِّهِمْ عَنِ الْحُرُمَاتِ وَأَعْرَاضِ النَّاسِ، وَإِخْبَارِهِمْ بِأَنَّ الشَّرْعَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا فَإِنَّمَا حَرَّمَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَضْرَارِ الْكَثِيرَةِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ.

 

أَيُّهَا الْكِرَامُ: أَجْمَلُ بِكَثِيرٍ مِنْ إِجْبَارِ شَبَابِنَا عَلَى الْتِزَامِ أَمْرٍ مَا بِالْقُوَّةِ أَنْ نُقْنِعَهُمْ بِحُرْمَتِهِ، وَنُقَبِّحَهُ فِي نُفُوسِهِمْ لِيَنْفِرُوا مِنْهُ؛ فَيَكُونَ ذَلِكَ أَرْسَخَ لِلْخَيْرِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَحِينَ يَقْتَنِعُ الْمَرْءُ بِشَيْءٍ يَتَبَنَّاهُ وَيُنَافِحُ عَنْهُ، وَيَدْعُو إِلَيْهِ، وَهَذَا مَا نَرْجُوهُ مِنْ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ حِينَ يَلْتَزِمُونَ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ عَقِيدَةٍ وَانْقِيَادٍ وَاقْتِنَاعٍ تَامٍّ.

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا)[الْفُرْقَانِ: 68-71].

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ إِنْكَارَ الْمُنْكَرِ وَتَغْيِيرَهُ يَحْتَاجُ إِلَى فِقْهٍ؛ فَهَذَا الشَّابُّ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ لِيُحِلَّ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ الْكَبِيرَةَ، وَقَدْ زَجَرَهُ النَّاسُ لِشَنَاعَةِ طَلَبِهِ، لَكِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَابَلَهُ بِرِفْقٍ وَشَفَقَةٍ، وَحِلْمٍ وَحِكْمَةٍ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَابِلَ الْمُرَبُّونَ أَخْطَاءَ الْمُرَاهِقِينَ بِالرِّفْقِ وَالْحِكْمَةِ وَالْحِلْمِ، وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، أَكَّدَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- وَكَرَّرَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[النَّحْلِ: 125].

 

أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ، وَالْمُعَلِّمُونَ وَالْمُعَلِّمَاتُ: اقْتَرِبُوا مِنَ الْمُرَاهِقِينَ وَأَشْعِرُوهُمْ بِالِاطْمِئْنَانِ، أَزِيلُوا مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ بِالْكَلِمَةِ الطِّبِّيَّةِ وَالْأُسْلُوبِ الْأَمْثَلِ، وَافْتَحُوا لَهُمْ قُلُوبَكُمُ، وَاسْمَعُوا مِنْهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُعَانُونَ كَثِيرًا مِنْ مُشْكِلَاتٍ كَثِيرَةٍ، خَاصَّةً فِي زَمَانِنَا هَذَا، حَاوِرُوهُمْ وَحَرِّكُوا لَدَيْهِمْ جَانِبَ التَّفْكِيرِ الْعَقْلِيِّ، وَاسْتَخْدِمُوا مَعَهُمْ مَا اسْتَخْدَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ هَذَا الشَّابِّ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَسَوْفَ تَجِدُونَ ثَمَرَةَ اقْتِدَائِكُمْ بِالنَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- خَيْرًا وَبَرَكَةً وَأَعْظَمَ أَثَرًا وَنَفْعًا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

ائذن لي في الزنى.doc

ائذن لي في الزنى.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات