عناصر الخطبة
1/وجوب امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه 2/محاسبة النفس وإصلاحها 3/اختبارات كبرى وأسئلة عظمى 4/ندم وحسرات يوم القيامة 5/سؤال أهل النار لأهل الجنة 6/الفوز الحقيقي والسعادة الأبدية.اقتباس
الاختبار الأهم والمهم جداً والمخيف والجدير بالجد والاجتهاد للنجاح فيه: ذلك الاختبار يوم اللقاء بين يدي الملك الأعلى، فيا سعادة مَن نجح فيه وسلم مِن نار تلظَّى، ونُودِي بسعادته بين الخلائق، وسَلِم من الشقاء، ويا خسارة مَن رسب فيه وفُضِح فيه...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الحكم العدل فلا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العظيم الذي لا بد لنا من العرض بين يديه، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الشهيد علينا في تبليغه الرسالة وإقامة الحجة وبيان المحجة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، تأهبوا للعرض بين يديه بالإكثار من الحسنات واجتناب السيئات، واعلموا أنكم في اختبار يومي وامتحان، وإذا أخذنا الاختبارات المدرسية كمثال فكثيرًا ما نرى مَن يهتمّ لنفسه وأولاده بالحصيلة التقديرية بالجودة أو الامتياز، حتى في العلوم المفضولة.
في المقابل؛ هل يهتم هذا الإنسان بصلاح النية وإخلاص العمل لوجه الله، وهل يخاف من فساد النية وبطلان العمل، هل اهتم بما في هذه العلوم من آداب سماوية وتربية دينية موروثة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أم كان الهم النجاح والترقب للوظيفة والتطلعات الدنيوية؟
ألا يجدر بنا في مثل هذه المناسبات أن نتذكر الاختبارات الكبرى والأسئلة العظمى بين يدي الملك الأعلى، التي حتمًا لا بد لنا منها، فكيف يكون السؤال، وكيف الجواب عند من يعلم سرنا وجهرنا، ودقيق عملنا وجليله، القائل في محكم كتابه: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)[سورة الحاقة: 18]، والقائل: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[سورة الحجر: 92-93].
فما أعظم الفرحة لمن يُثبِّته الله؛ فيجيب الجواب الحسن المقبول عند مولاه، وما أعظم الحسرة وشدة الأسف في ذلك الوقت حين يقول العبد المفرط في حياته: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[سورة الفجر: 24]، أو يقول: (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)[سورة الزمر: 56]، بل يتمنى بعض منهم أنه كان تراباً، وأنَّى له ذلك؟!
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه وما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه".
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فعرضتان جدال ومعاذير، وعرضة تطاير الصحف، فمن أُوتي كتابه بيمينه وحُوسب حساباً يسيراً دخل الجنة، ومن أُوتي كتابه بشماله دخل النار".
وروى ابن أبي الدنيا عن ثابت بن الحجاج قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزينو أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أخف عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)[سورة الحاقة: 18]".
معشر المسلمين: ومما يُؤنِّب الضمير ويندى له الجبين، ما يحصل من بعض الناس من إهمال دين المرسلين، وغفلة ظاهرة عن الدار الآخرة، ويرى بعض منهم يعمل بعمل أهل النار غير مُبالٍ بما توعَّد الله به المستكبرين الفاسقين المذكورين في قوله -تعالى-: (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ)[سورة الأحقاف: 20]، ومنهم من تراه مشغوفا باللعب واللهو ومغتراً بالدنيا وزخرفها، مُعرِّضاً نفسه بما يوقعه في نار جهنم، ويحرمه من نعيم الجنة.
ألا يذكر هذا الإنسان نداء أهل النار لأهل الجنة وما أجابوهم به فيما ذكر الله عنهم: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)[سورة الأعراف: 50-51].
ومن الناس من تراه مُعرِّضاً نفسه لعقوبة الله بما تلبَّس به من الفرح بالباطل والمرح فيه، المذكور في قوله -تعالى-: (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ)[سورة غافر: 75]، ذكر ذلك -تعالى- فيمن كذب بالكتاب وبما جاءت به الرسل، وما توعَّدهم الله به من السلاسل والأغلال والسحب في الحميم ثم في النار يسجرون، ومن ذلك أيضاً الفرح بسماع مُغَنٍّ أو مغنية، وكذلك الفرح بظهورهما في شاشة التلفاز أو غيره، ومن ذلك الفرح بالكفار ومشاركتهم في ملاعبهم وملاهيهم، أعاذنا الله من ذلك كله.
فاتقوا الله -عباد الله- واستعدوا للقائه في كل لحظة وساعة، فإنه لا يدري أحد منا متى يفاجئه الأجل، وإذا كان من الصعب على أحد منا أن يقال: فلان أخفق في دراسته، كما يفرح أن يقال فلان فاز على أقرانه وتفوَّق، فكيف بنا في الامتحان الأعظم عند الملك الأعلى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[سورة الكهف: 48-49].
بارك الله لي ولكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهو مولانا الحق لا ملجأ لنا غيره ولا ملجأ منه إلا إليه.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمي إمام المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: فلا يخفى أن الاختبار الأهم والمهم جداً والمخيف والجدير بالجد والاجتهاد للنجاح فيه: ذلك الاختبار يوم اللقاء بين يدي الملك الأعلى، فيا سعادة مَن نجح فيه وسلم مِن نار تلظَّى، ونُودِي بسعادته بين الخلائق، وسَلِم من الشقاء، ويا خسارة مَن رسب فيه وفُضِح فيه بسوء عمله، فسقط في تلك النار التي تلظى، وافتُضِح بين الخلائق حين ينادى باسمه لدار الشقاء.
فيا معشر المسلمين: تذكروا دائماً الفوز الحقيقي والسعادة الأبدية بالنجاح في الآخرة، وبالسلامة من النيران، والمنّ من الرحيم بالغفران، ودخول الجنان. وأما الحياة الدنيا والفوز فيها فهو متاع الغرور، قال -تعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[سورة آل عمران: 185]، فليس الناجح من أخذ شهادة مدرسية قد تكون حُجّة عليه، ولا الناجح مَن أصبحت صحائفه مملوءة في الأوقات الشريفة بكلمة "لاعب" و"بطل"، ولعب فلان والعب يا فلان، وفي وقت نزول الرب وتنزل الرحمة يكون باء بالكسل والنوم والغفلة.
ولو تذكرنا حقّاً قرب لقائنا لله، وكان إيماننا قوياً بأن الجنة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، والنار مثل ذلك، لكانت حالتنا غير ما نحن عليه الآن، ولكان اهتمامنا والحرص على النجاح في العلوم النافعة الموروثة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهي التي تستحق التقدير والاهتمام، خصوصا إذا كان صاحبها مخلصاً فيها لله ومنتفعاً بها، ويؤمل فيه الخير بالنفع للمسلمين.
فالفرق كبير بين من هو على هدى واستقامة، ومن هو على جهل وظلالة، ومَن يثاب على تعلمه وتعليمه، ومن يعاقب على ذلك.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، وارزقنا الفوز بجناتك والنجاة من نارك يا أرحم الراحمين.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم