الأضحية

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-05-23 - 1446/11/25 2025-05-19 - 1446/11/21
عناصر الخطبة
1/المقصود بالأضحية؟ والحكمة من مشروعيتها 2/أهم الأحكام المتعلقة بالأضحية والمضحي.

اقتباس

أَمَرَ اللَّهُ بِالنَّحْرِ وَهُوَ الذَّبْحُ، وَالْأَمْرُ هُنَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ؛ إِذْ لَمْ يَأْتِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ، بَلِ النُّصُوصُ مِنَ الْآثَارِ وَالْأَحَادِيثِ تُدَعِّمُ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَرَبِيعَةِ الرَّأْيِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ؛ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ الْمُوسِرِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ يَحْرِصُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي شَتَّى بِقَاعِ الْأَرْضِ عَلَى التَّقَرُّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ، وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ تُشْبِهُ بَعْضًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُؤَدِّيهَا الْحُجَّاجُ وَالْمُعْتَمِرُونَ، أَعَرَفْتُمْ هَذِهِ الْعِبَادَةَ؟

 

إِنَّهَا عِبَادَةُ الْأُضْحِيَّةِ.

 

وَالْأُضْحِيَّةُ هِيَ: النُّسُكُ الَّتِي تُذْبَحُ يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ؛ أَيْ: يَوْمَ عِيدِ الْأَضْحَى، وَإِنَّمَا شُرِعَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ تَذْكِيرًا لَهَا بِتِلْكَ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي أَنْجَى اللَّهُ بِهَا أَبَانَا إسْمَاعِيلَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كَمَا قَصَّهَا عَلَيْنَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)[الصَّافَّاتِ:102-107].

 

وَحَتَّى يَحْظَى الْمُسْلِمُ بِثَوَابِ أُضْحِيَّتِهِ وَافِيَةً لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَهَا؛ فَمِنْ أَهَمِّ أَحْكَامِهَا:

أَوَّلًا: إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- شَرَعَ هَذِهِ الْأُضْحِيَّةَ أَوِ النُّسُكَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كِتَابِهِ؛ فَقَالَ رَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الْكَوْثَرِ:1-2]؛ فَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ يَشْرَعُ الْمُضَحِّي أَوْ مَنْ يُوَكِّلُهُ بِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ، وَهَذَا مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمَلًا، وَعَلَّمَهُ لِأُمَّتِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا.

 

وَأَمَّا مِنَ السُّنَّةِ؛ فَقَدْ صَحَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَحَّى يَوْمَ الْأَضْحَى بِكَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَمْلَحَيْنِ.

 

وَكَانَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يَنْحَرُ نُسُكَهُ فِي الْمُصَلَّى؛ نَشْرًا لِلسُّنَّةِ وَإِظْهَارًا لِلنُّسُكِ وَتَشْرِيعًا لِلْأُمَّةِ.

 

وَأَمَّا دَلِيلُهَا مِنَ الْإِجْمَاعِ: فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَا مُخَالِفٍ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا.

 

ثَانِيًا: الْأُضْحِيَّةُ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ، وَالْمُسْلِمُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَيَّرَ مَالَ أُضْحِيَّتِهِ مِنْ طَيِّبِ مَالِهِ وَكَسْبِهِ؛ فَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ- يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)[الْبَقَرَةِ:267]، وَالرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا"، فَلَا يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ أُضْحِيَّتَهُ إِلَّا مِنْ طَيِّبِ وَخَالِصِ مَالِهِ حَتَّى تَكُونَ عِبَادَتُهُ مَقْبُولَةً.

 

ثَالِثًا: الْأُضْحِيَّةُ لَا تُقْبَلُ إِلَّا بِشُرُوطٍ، وَقَدْ أَوْضَحَهَا وَبَيَّنَهَا نَبِيُّنَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَهِيَ: أَنْ تَكُونَ الْأُضْحِيَّةُ مُسِنَّةً، وَالْمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ مِنَ الضَّأْنِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ؛ فَمِنَ الضَّأْنِ مَا تَبْلُغُ سَنَةً فَمَا فَوْقَ، وَمِنَ الْبَقَرِ سَنَتَيْنِ وَتَدْخُلُ فِي الثَّالِثَةِ، وَمِنَ الْإِبِلِ مَا بَلَغَتْ خَمْسَ سَنَوَاتٍ وَتَدْخُلُ فِي السَّادِسَةِ.

 

فَإِذَا تَعَسَّرَتِ الْمُسِنَّةُ أَجْزَأَتِ الْجَذْعَةُ مِنَ الضَّأْنِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذْعَةً مِنَ الضَّأْنِ"؛ فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَخْتَارُوا وَافِيَةَ السِّنِّ وَأَحْسَنَهَا بَدَنًا، وَأَصْفَاهَا دَمًا، وَأَنْقَاهَا مِنَ الْعُيُوبِ؛ كَمَا قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُبَيِّنًا لَنَا شُرُوطًا أُخْرَى: "أَرْبَعَةٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي".

 

وَالْعَجْفَاءُ هِيَ الْهَزِيلَةُ الضَّعِيفَةُ الَّتِي ذَهَبَ مُخُّ عَظْمِ سَاقَيْهَا، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَيَّرُ السَّمِينَ مِنَ الْكِبَاشِ حَتَّى تَكُونَ سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ؛ فَضَحَّى -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِكَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَمْلَحَيْنِ؛ فَعَلَيْكُمْ -عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ تَخْتَارُوا الْأُضْحِيَّةَ الْحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ، السَّلِيمَةَ مِنَ الْعُيُوبِ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَرَابِعُ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ هُوَ حُكْمُهَا؛ فَهَلْ هِيَ مَسْنُونَةٌ مَنْدُوبَةٌ بِحَيْثُ إِذَا تَرَكَهَا الْقَادِرُ عَلَيْهَا لَا يُلَامُ وَلَا يُعَاقَبُ وَلَا يُؤَاخَذُ عَلَى تَرْكِهَا؟ أَمْ أَنَّ حُكْمَهَا الْوُجُوبُ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهَا عُوقِبَ وَأَثِمَ عَلَى تَرْكِهَا؟

 

وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَعْرِفَ ذَلِكَ فَعَلَيْنَا أَنْ نَسُوقَ الْأَدِلَّةَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا مِنَ الْكِتَابِ فَقَوْلُهُ -تَعَالَى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الْكَوْثَرِ:2]؛ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ بِالنَّحْرِ وَهُوَ الذَّبْحُ، وَالْأَمْرُ هُنَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ؛ إِذْ لَمْ يَأْتِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ، بَلِ النُّصُوصُ مِنَ الْآثَارِ وَالْأَحَادِيثِ تُدَعِّمُ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَرَبِيعَةِ الرَّأْيِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ؛ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ الْمُوسِرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُضَحِّي كُلَّ عَامٍ، فَحَمَلُوا فِعْلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ كَمَا فِي سُورَةِ الْكَوْثَرِ.

 

وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا لِجُمْلَةٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا كَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ الْأُوَلُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ)، فَقَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَأَرَادَ) تَنْفِي الْوُجُوبَ.

 

لَكِنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ هُوَ فَضْلُ الْأُضْحِيَّةِ وَعَظِيمُ ثَوَابِهَا عِنْدَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَيَنْبَغِي لِمَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَيْهَا كُلَّ عَامٍ -لَا سِيَّمَا- فِي زَمَنٍ بُلِيَ النَّاسُ بِالْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ.

 

خَامِسٌ: بَعْضُ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ؛ فَأَمَّا وَقْتُهَا؛ فَيَبْدَأُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِيدِ مِنَ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَسْتَمِرُّ طِيلَةَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى قُبَيْلِ مَغْرِبِ الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ"، سَوَاءٌ أَكَانَ لِلْأُضْحِيَّةِ أَمِ الْهَدْيِ لِلْحَاجِّ الْمُتَمَتِّعِ أَوِ الْقَارِنِ، غَيْرَ أَنَّ الْهَدْيَ لَهُ مَكَانٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْحَرَمُ الْمَكِّيُّ، بَيْنَمَا الْأُضْحِيَّةُ تُذْبَحُ فِي كُلِّ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

 

وَيَجُوزُ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ وَيَدَّخِرَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ مَا شَاءَ دُونَ تَعْيِينٍ لِلْقِسْمَةِ، لَا ثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)[الْحَجِّ:28]، وَلِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا".

 

وَمِنْ أَحْكَامِهَا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-: أَنَّهُ إِذَا دَخَلَتَ الْعَشْرُ الْأَوَائِلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَدْتَ أَنْ تُضَحِّيَ فَلَا تَأْخُذْ مِنْ شَعْرِكَ وَلَا مِنْ أَظْفَارِكَ شَيْئًا؛ لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ".

 

فَاحْرِصْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- عَلَى التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ، وَلْيَحْذَرِ الْقَادِرُ عَلَيْهَا مِنَ التَّفْرِيطِ فِيهَا وَلَوْ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

الأضحية.doc

الأضحية.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات