الإسراف والتبذير والتفاخر بذلك

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2025-04-18 - 1446/10/20 2025-05-04 - 1446/11/06
عناصر الخطبة
1/الكرم من صفات السيادة 2/الله كريم يحب الكرماء 3/إحصائيات ما يهدر من الطعام 4/الحث على التوسط وعدم التبذير

اقتباس

صور الإسراف والتبذير كثيرةٌ جداً، لا بد أن نحاسب أنفسنا عليها ونبتعد عنها، خاصةً الأغنياء فإن الناس يقتدون بهم في ولائمهم ومناسباتهم، فإذا نظروا إلى مناسبةِ هذا الغني ووجدوها بعيدة عن الإسراف والتبذير والتفاخر تأثروا بذلك...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عبادَ الله: اشكروا الله على نعمه العظيمة؛ فبشكر الله تدوم النعم، يقول -تعالى-: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)[إبراهيم: 7]، وإن من المنكراتِ التي تتناقلها عدسات المصورين في مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرةَ الإسراف والتبذير، والتفاخر على الناس بذلك، سواءً عند الرجال والنساء.

 

عبادَ الله: إن من المناسباتِ ما هو شيء مأمور به شرعاً، كوليمة العرس وإكرام الضيف والعقيقة التي للمولود، وهناك مناسبات جائزة، كأن ينزل المسلم بيتاً جديداً فيدعو أقاربه وأصحابه يشاركونه الفرحة، أو حفلة تخرج مثلاً، هذه أمورٌ لا ينكرها الإسلام، بل بعضها مأمورٌ به شرعاً، وإنما الذي يُنكر ما يحصل فيها من تجاوزاتِ كثيرة، وإسرافٍ وتبذير وتفاخرٍ بذلك.

 

الله -سبحانه وتعالى- يقول في كتابه: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31]، فالله -سبحانه وتعالى- نهى عن الإسراف وذكر أنه لا يحب المسرفين، فالمسرف سواءً كان رجلاً أو امرأةً لا يحبه الله.

 

وقال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)[الإسراء: 27]، وهذه الآية من أعظم المواعظ في التنفير عن التبذير، الذي هو وضع المال في غير محلِه، حيثُ ذكر -سبحانه وتعالى- أن المبذرين إخوان الشياطين، نعوذ بالله من هذه الأخوة ومن كل ما يوصل إليها.

 

وكل مناسبةٍ وطعامٍ إنما يُراد به التفاخر على الناس لا يجوز للمسلمِ حضورها ولا الأكلُ منها، فقد جاء عند أبي داود من حديثِ ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: "أن النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ"، والمتباريان هما المتفاخران، يفخر كل واحدٍ منهما على الآخر بطعامه.

 

عبادَ الله: النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لنا: "كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ"، والمَخيلة هي الكبر والتباهي والتفاخر.

 

عبادَ الله: إن صور الإسراف والتبذير كثيرةٌ جداً، لا بد أن نحاسب أنفسنا عليها ونبتعد عنها، خاصةً الأغنياء فإن الناس يقتدون بهم في ولائمهم ومناسباتهم، فإذا نظروا إلى مناسبةِ هذا الغني ووجدوها بعيدة عن الإسراف والتبذير والتفاخر تأثروا بذلك، وصار قدوة حسنة في مجتمعه والعكسُ بالعكس.

 

فمن صور الإسراف والتبذير:

الإسراف والتبذير في مناسبات الزواج في الطعام، وفي أصناف الحلويات التي ربما كلفت الألوف، خاصةً عند النساء، ويتفاخرن أن مناسبتنا أفضلُ من غيرنا!.

 

ويُستأجر المصورون لهذه المناسبات بالألوف بحسب شهرتهم، وربما بعضهم استأجر شعَّاراً، وبعضهم ربما استأجر مطربين يحيون هذا الزواج بآلات الطرب والموسيقى، وكل هذا من الأمورِ المحرمة.

 

ومن صور الإسراف: أن يكون هناك زواج للرجال وزواج آخر للنساء، سبحان الله! لماذا هذا الإسراف؟! يكفي أن تكون الوليمة في ليلة واحدة، الرجالُ في قسمهم والنساء في قسمهن.

 

ومن الإسراف: الشيلات الموسيقية، حيث يعطى هذا المُنشد مبلغاً من المال؛ ليشيلَ شيلةً فيها مدحٌ لصاحب المناسبة وتنشر، وهذا أمرٌ محرم، وأيضاً كيف يحب المسلم أن يمدح في وجهه خاصةً المدح المبالغ فيه؟! هذا من الأمر المذموم الذي حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي صحيح مسلم يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ".

 

ومناسباتنا وللأسف تفتقد للقصيدة الهادفة، التي فيه التوجيه الطيب، سوءاً في الحث على صلة الأرحام وإزالة الشحناء، والحث على مكارم الأخلاق وبر الولدين، والتحذير من الشر، وأتمنى من كل مَن عنده مناسبة أن يختار القصيدة الهادفة، التي تنفع الحاضرين، ويحصل بها الأجر للشاعر ولصاحب المناسبة.

 

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا لشكر نعمه، وأن يديمها علينا، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عبادَ الله: إن للإسراف والتبذير والتفاخر بجميع صوره مفاسدَ عظيمةً فمنها:

أولاً: زوال النعم؛ فهذا الإسراف والتبذير ليس من شكر الله بل من الكفر بالنعمة، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112]، فقد يبتلي الله -سبحانه وتعالى- هذا المسرف والمبذر بنقص ماله وحصول الآفاتِ فيه، والعياذ بالله.

 

ثانياً: إثارة الشحناء في المجتمع والحسد والبغضاء، فالناس نفوسهم ضعيفة -إلا من رحم الله-، فإذا أحسوا أن هذا الشخص يفخر عليهم كرهوه وتكلموا فيه، وحاول بعضهم أن يفخر عليهم ويصنع أكثر منه، فيصبح المجتمع مجتمعاً متفككاً، بخلاف ما لو كانت المناسبات ليس فيها إسراف ولا تبذير ولا تفاخر، فإنها تكون مقبولةً عند الجميع.

 

ثالثاً: من المفاسد التي تحصل بسبب التفاخر في المناسبات الرياء، فتكون الأعمال ليست لله -سبحانه وتعالى-، فالضيف مثلاً إكرامه أمرٌ مطلوب، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"، وهذا الشخص يصور طعامه الذي يقدمه لضيوفه، وينشر المقاطع هنا وهناك، وربما طلب وضعَ شيلةٍ وهو يرحب بضيوفه ويستقبلهم، فيها مدحه بالكرم!.

 

فبدل ما يؤجر على ما يقدمه من طعام يكون آثماً، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر أول من تسعر بهم النار، ذكر رجلاً وسَّع الله عليه من المال، فيأتي يوم القيامة فيعرفه الله نعمه عليه، فيقول الله له: ما ذا فعلتَ فيها؟ فيقول هذا الرجل: ما تركت باباً من أبواب الخير تحب أن يبذل فيه إلا بذلت، فيقول الله -سبحانه-: "كَذَبْتَ؛ بل إنما أردت أن يقال: فُلَانٌ جَوَادٌ".

 

رابعاً: من المفاسد تحمل الديون الكثيرة، فوصل ببعض الناس أن يتحمل الديون الكثيرة؛ ليصنع مناسبةً يتحدث به الناس مدةً من الزمان، سبحانه الله! ما هذا السفه؟!.

 

خامساً: كسر قلوب الفقراء والناس المحتاجة، وربما كانوا أقارب لهذا المسرف والمبذر، كيف تسرف هذه الأموال وقريبك بحاجة، لمَ لمْ تساعده وتشاركه همومه بهذا المال؟ أين كرمُك وجودك؟!.

 

أيها المسلمون لنتقِ الله -سبحانه وتعالى- ونحذر هذه المظاهر السيئة، ونناصح أصحابها، فو الله لا تأتي لمجتمعنا بالخير والعافية.

 

وليعلم المسلمُ أن الذي يبقى هو ما كان لله -سبحانه وتعالى-؛ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)[الرعد: 17]، وأن العزة والرفعة والذكر الحسن من الله -سبحانه وتعالى-، وأما الناس فمدحهم وذمهم ليس بشيء، جاء رجلٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ -يعني أنا إذا مدحت شخصا فهو الممدوح، وإذا ذممتُ أحداً فذمي قويٌ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ذَاكَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-".

 

اللهم اجعلنا من عبادك الشاكرين ولا تجعلنا من المسرفين المبذرين، اللهم اعنا على شكرك وعلى ذكرك وحسن عبادتك.

 

المرفقات

الإسراف والتبذير والتفاخر بذلك.doc

الإسراف والتبذير والتفاخر بذلك.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات