الاستعداد الصالح لرمضان "خمس خُطط استراتيجية لإدراك خير رمضان" (1)

عبدالله بن عبده نعمان العواضي

2025-02-28 - 1446/08/29 2025-02-27 - 1446/08/28
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/غاية الاستعداد لرمضان 2/التخطيط الأمثل لاغتنام شهر رمضان المبارك.

اقتباس

نستعد لرمضان؛ لأنه مصفاة نفسية، ومحطة زاد إيمانية، ومدرسة تربوية نموذجية، ومحفل لطاعات كثيرة العوائد والأجور، وزمن يتفضل الله فيه على.. كم هو عظيم أن يقدر الصائم في رمضان على كبح جماح نفسه، وضبط سلوكها السيء؛ كشدة الغضب والعدوان في...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب70-71] أما بعد:

 

أيها المسلمون: هل رأيتم عاقلاً يفرِّط في موسم ربحٍ يقدر على الفوز فيه، وينشغل بغيره مما لا يساويه، ويقرأ الإعلانات الصادقة التي تخبر عن كثرة خيراته، ثم لا يجعله غاية من غاياته؟

 

إن الأذكياء من الناس في هذه الدنيا إذا سمعوا عن مناسبة كسب وانتفاع طاروا إلى انتهازها، والظفر بغنائمها، كأن يكون فيها مال كثير، أو ربح آخر وفير؛ بل إنهم ليستعدون لتلك الفرصة مبكِّرين، ويعيشون لها قبل أوانها مخطِّطين.

وقد كان من عادة العرب مع الخيل إذا أرادوا لها أن تسرع جداً في جريها لسباق أو غيره أن يضمِّروها قبل ذلك مدةَ أربعين أو ستين يومًا، في كيفية معينة معلومة عندهم، وبعد التضمير تصبح أسرع وأقوى في الحرب والسباق، حتى كانوا يمدحون بها؛ كما قال شاعرهم:

وَلما لَقينَا عُصبَةً تغلبيةً *** يقودونَ جُردًا للمنيّةِ ضُمَّرا

سقيناهمُ كأسًا سَقونا بِمِثْلِهَا *** وَلَكنَّهُمْ كَانُوا على الْمَوْتِ أصبرا

 

عباد الله: أوشك رمضان المبارك أن يهل علينا هلاله؛ فهل استعدينا له حق الاستعداد؟ وإذا كان أصحاب التجارات الغذائية، وأصحاب البرامج والمسلسلات، وسائر الأعمال الإعلامية، كل قد صارت له خطة رمضانية جاهزة من أجل الربح المالي، أو النجاح الإعلامي؛ فأهل الإيمان أحق بالاستعداد لهذا الشهر الفضيل الذي أنعم به علينا الملك الجليل.

 

ولسائل أن يسأل لماذا نستعد لرمضان معشر المسلمين؟

والجواب: نستعد لرمضان؛ لأنه مصفاة نفسية، ومحطة زاد إيمانية، ومدرسة تربوية نموذجية، ومحفل لطاعات كثيرة العوائد والأجور، وزمن يتفضل الله فيه على عباده بأفضل مما يتفضل عليهم في سائر الشهور؛ فحري بنا أن نتعرض لها، ونحرص على الفوز بها؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قَالَ: "اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ".

 

أيها المؤمنون: تفصلنا عن رمضان أيام معدودة، ثم يهل هلال اليُمن والبركات، وتشرق شمس الفضل والخيرات؛ فما أعظم النجاح في الظفر بخيراته، وأكرم بمن صار من الفائزين بكراماته، ولبلوغ هذه الغاية الحميدة، والوصول لتلك اللحظات السعيدة هناك خمس خُطط استراتيجية، جدير بنا أن تكون خططنا لاستقبال شهر رمضان المبارك؛ فالخُطة الأولى: الخُطة التمهيدية: أن يستعد المسلم بالأعمال الصالحة في شعبان استقبالاً لرمضان؛ كالنافلة بين يدي الفريضة، ومن تلك الأعمال: قراءة القرآن، والإكثار من الصيام، وهذا هو هدي قدوتنا الأمين -عليه الصلاة والسلام-: عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-؛ "يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ".

 

ومن بنود الخطة التمهيدية: الاستعداد بعملية التنظيف الإيماني وذلك بعمل التخلية قبل قدوم زمن التحلية؛ فمن كان مقيمًا على معصية، أو عادة سيئة؛ فليقلع عنها، وليتب منها؛ حتى تتمكن الأنوار الرمضانية من ملأ آفاق النفس الإنسانية بعد طرد جحافل الظلام الشيطانية؛ فالقلب لن يمتلأ بالنور وهناك مزاحم له من الظلام الكثيف.

 

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب *** حتى عصى ربه في شهر شعبان

لقد أظلك شهر الصوم بعدهما *** فلا تصيره أيضا شهر عصيان

 

ومن بنود الخطة التمهيدية: التزود المعرفي عن شهر رمضان؛ فجميل أن يلج المسلم أبواب رمضان وقد عرف أحكامه وآدابه؛ فيعلم أركان صيامه ومبطلاته، ورخصه ومستحباته، وهذا من العلم الذي ينبغي الحرص عليه، بل منه ما يكون واجبًا على كل مسلم قادر على تحصيله؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ".

 

 

الخطة الثانية: خطة المهجورات؛ أن نهجر الذنوب صغيرها وكبيرها؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قَالَ: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ".

ومن الأمور التي ينبغي هجرها: ما يُعرض في بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل من المسلسلات التي تخدش الأخلاق والحياء، وتدعو إلى السوء والبذاء.

 

ومما يُهجر في رمضان: تضييع الأوقات فيما لا يعود على الإنسان بمصلحة مشروعة؛ فما أكثر ما تشاهدون من لعب بعض الناس بوقتهم الثمين في رمضان؛ إما بالسهر على القيل والقال حتى السحر، وإما بكثرة الذهاب والمجيء في الشوارع والأسواق من غير هدف.

 

ومن أعظم ما ينبغي هجره في شهر الصيام: الإسراف في الطعام، وإطالة زمن المنام؛ فهل من العقل لمن عرف الحكمة من شرعية الصيام: أن يجعل رمضان موسمًا لتكثير الأكل وتعذيب المعدة به، وهل من العقل أيضًا لمن يدري نفاسة نهار رمضان أن يقضيه في نوم طويل؛ فلا يدرك من نهار الصيام إلا سويعات أو لحظات فقط!

 

فلنفكر ثم لنقرر؛ كم هو عظيم أن يقدر الصائم في رمضان على كبح جماح نفسه، وضبط سلوكها السيء؛ كشدة الغضب والعدوان في البيت وفي السوق وعند قيادة سيارته، ولاسيما بعد العصر؛ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: "إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ، عَنِ الْكَذِبِ، وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً".

 

وكم هو دليل على المشاعر الحية، واحترام الناس: أن يحرص المسلم في رمضان على هجر ما يدعو إلى إيذاء الآخرين، خاصة في وقت هدوئهم وراحتهم، فلا يزعجهم بعالي صوته أو مسجله، أو سيارته أو دراجته النارية، أو لَعب أطفاله وإطلاقهم الألعاب النارية أو تفجريهم إياها؛ قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب:58].

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".

 

الخُطة الثالثة: خطة العبادات؛ والمقصود أن يجعل المسلم لنفسه نصيب وافر من العبادات، وجدول بأنواع من الطاعات زاخر؛ فكم للقُربة فيه من مزية، ووسائل معينة؛ فرمضان يتباهى على سائر شهور العام بتيسير العبادة فيه؛ لحبس شياطين الإغواء، وتحرر النفس من تسلط الأهواء؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، قَالَ: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ-وفي رواية: فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ-، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ"، وفي رواية: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ".

 

ويزهو شهر رمضان في العبادات بمضاعفة الحسنات؛ قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، صَوْمُ الدَّهْرِ".

 

فما أجمل أن تحرص-أيها المسلم الكريم- في رمضان على الإكثار من قراءة القرآن؛ فشهر رمضان هو شهر القرآن؛ قال الله -تعالى-: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة:185].

 

واسمع ما قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عن أجور من يقرأ القرآن؛ قال: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: (الم) حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ".

 

ورمضان شهر عبادة الجود والكرم؛ فمد يديك بالصدقات، وسارع بمالك في قضاء الحاجات؛ فالمرء تحت ظل صدقته يوم القيامة، وهكذا كان حال رسولنا الكريم في رمضان؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، إِنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".

 

ورمضان شهر الاجتماع على صلاة التراويح؛ فما أعظم هذه العبادة، وما أحسن آثارها على النفوس والمجتمع!

ورمضان شهر عبادة الدعاء، فكم من دعوة استجيبت في رمضان؛ ولو نظرتم في آيات الصيام ستجدون قول الله أثناءها: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة:186].

 

وكم يزخر رمضان بعبادات أخرى؛ من ذكر باللسان، وصلاة نوافل، وبذل للمعروف، وإغاثة للملهوف؛ فكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال فبادر إليه في شهر الصيام؛ فإنك لا تدري ما العبادة التي ستنيلك رضوان الرحمن.

 

الخُطة الرابعة: خطة المُعِينات الخارجية؛ فقد تكون للمسلم نية إلى الخير حسنة، وعزيمة إلى الصالحات متّقدة، غير أنه قد يفتر عزمه، وتخبو جذوة همته بالمؤثرات الخارجية التي لا تعين على خير، ولا تحذر من شر، فماذا يفعل المسلم المحب للخير وهناك أسرة عنه تصده، وجلساء يدعونه بإلحاح إلى ضده، وبيئة مليئة بمظاهر اللهو والإعراض، وقد خلا سمعه من موعظة تنفعه، ولم تعتد إلى المساجد قدمه؟

 

إن النتيجة الحتمية لذلك هي: المضي مع تلك الموجة اللاهية، والسير في دروب تلك العصبة النائية؛ لهذا -يا عباد الله- إذا كان لدى المرء منا خطة صالحة لرمضان؛ فإنه يحتاج في تنفيذها إلى معينات؛ فمن تلك المعينات: الأسرة المشجعة على الخير، من زوجة وأولاد، أو أب وإخوة وأخوات؛ فإن البيت الصالح معين على الصلاح لمن ولد فيه ومن سيولد؛ قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[آل عمران:34].

 

 لهذا علينا أن نربي أهلنا وأولادنا على معرفة قدر رمضان، وأهمية استغلاله في صالح العمل.

 

رزقنا الله وإياكم سلامة النيات، والعون على لزوم الطاعات، وهجر السيئات.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 

أيها المسلمون: وأما الخُطة الخامسة فهي خُطة المشروعات؛ فإن من علامات تمام الألباب، وتوفيق المعطي الوهاب: أن يكون للمسلم مشروع نافع في حياته، على المدى القريب، أو على المدى البعيد.

ولما كان رمضان موسم تجارة أخروية رابحة كان ينبغي للقادر أن يكون له مشروع عبادي نافع يحرص عليه، ويصرف وقتًا وجهداً كبيرين إليه؛ طلباً لمرضاة ربه، وتكثيراً لحسناته؛ فمن كان ذا مال فليكن له مشروع سخاء يستهدف به المحتاجين والفقراء؛ كأن يصنع وجبات إفطار وسحور يطعم بها الأسر المعوزة خلال شهر رمضان، أو يعطيهم من المال ما يكفيهم فيه، أو يكفل مشروع إفطار صائمين، أو يفطرهم في بيته إذا أحب ذلك، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا".

 

ومن كان ذا علم؛ فليكن له مشروع خالص في تعليم الناس أمور دينهم، خصوصًا ما يناسب شهر رمضان؛ فإن تعليم الناس الخير من أعظم العبادات، قال النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ".

 

ومن كان إعلاميًا؛ فليجعل له مشروع كلمة طيبة ببرنامج نافع للناس يدلهم به على الخير، وينفعهم في دينهم أو دنياهم.

وهكذا لو فكر كل منا أن يصنع مشروع خير له، وعزم على ذلك فإنه سيقدر عليه في حدود إمكاناته وأحواله.

 

عباد الله: إن الغاية المنشودة للمؤمن من وراء هذا الاستعداد الرمضاني سامية؛ فاحرصوا عليه-رحمكم الله- لعلكم تبلغون درجة التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:183].

 

فاستعدوا -رحمكم الله- ولا تكسلوا، وبادروا ولا تسوِّفوا؛ فإن الأيام لا تبقى على حال، ولا أمانَ فيها من هجوم الآجال، وانغلاقِ سجل الأعمال.

 

جعلني وإياكم من أهل الجِّد والاستعداد، والسائرين في طريق الرشاد.

 

هذا وصلوا وسلموا على خير البشر.

 

المرفقات

الاستعداد الصالح لرمضان.doc

الاستعداد الصالح لرمضان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات