التحذير من الغفلة والحث على الجد

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-09-12 - 1447/03/20 2025-09-30 - 1447/04/08
عناصر الخطبة
1/خطورة الغفلة والإعراض عن الهدى 2/كثرة أنواع الهزليات والملهيات 3/كثرة المعاصي من علامات الغفلة 4/شدة عقوبات الذنوب والمعاصي 5/وجوب امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.

اقتباس

لهم قلوب وأعين وأسماع مُعطّلة، لا ينتفعون بها، فلا يتعظون ولا يتذكرون، تَمُرّ بهم العِبَر وهم لاهون غافلون، وتَطرقهم القوارع وتنزل بساحاتهم الفواجع وهم بلهوهم مشتغلون، خدعهم طول الأمل عن الانشغال بصالح العمل، فانغمسوا في المعاصي في مختلف أنواعها وأشكالها...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الولي الحميد، مُوقظ القلوب الغافلة بالوعد والوعيد، فسبحانه من إله عظيم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، أحمده -تعالى- وأشكره وأسأله المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العرش المجيد.

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ نبي شرّفه الله بالرسالة وفضَّله على سائر العبيد، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان من سائر العبيد، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-، واحذروا من الغفلة والإعراض عن الهدى؛ فإن الغفلة عن الهدى والإعراض عن طريق الرشد اتباعًا للهوى من أعظم المصائب والبلايا على النفوس.

 

ولقد وصف الله الغافلين بأوضح وصف وأبينه مع ذكر كثرتهم وبيان مصيرهم؛ فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[سورة الأعراف: 179]؛ فهم كالأنعام لأنهم قصروا همتهم على الأكل والشرب، وعلى التمتع بالشهوات والملذات، بل هم أضل من الأنعام؛ لأن الأنعام تُميِّز بين الضارّ والنافع، والغافلون أعمتهم الغفلة عن التمييز بين ما فيه شقاؤهم وما فيه سعادتهم دنيا وأخرى.

 

 فهم كما وصفهم ربّ العزة والجلال؛ لهم قلوب وأعين وأسماع مُعطّلة، لا ينتفعون بها، فلا يتعظون ولا يتذكرون، تَمُرّ بهم العِبَر وهم لاهون غافلون، وتَطرقهم القوارع وتنزل بساحاتهم الفواجع وهم بلهوهم مشتغلون، خدعهم طول الأمل عن الانشغال بصالح العمل، فانغمسوا في المعاصي في مختلف أنواعها وأشكالها، من خمر يتعاطون كأسها، ومخدرات يتصيدون بها، ويرتكبون أقبح الجرائم وكبائر الذنوب، وأفلام تصور الإثم وتثيره، وتدعو إلى الفساد والتحلل والرذيلة، يحيون في مشاهدتها الليل أو أكثره.

 

 وكذا أيضًا من يتتبع الأطباق الفضائية والمسلسلات الإذاعية المسموعة والمرئية، التي ترتفع منها الأصوات الموسيقية والأغاني الماجنة، والتمثيليات الخليعة الآثمة، التي تُفْسِد الأخلاق وتُصوّر الميوعة والانحلال، وتقتل الوقت الثمين، إلى غير ذلك من أنواع الذنوب ومظاهر الغفلة عن الله والدار الآخرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

أيها المسلمون: ولا يخفى أيضًا ما يحصل من كثرة أنواع الهزليات والترف، وكثرة الملهيات التي لا تنحصر بالعدد، التي تَصُدّ عن ذِكْر الله وعن الصلاة، فهي أعمال يدعو إليها الشيطان ليصرف بها العباد عن طاعة الرحمن، ويستكثر بها من حزبه الخاسرين في الدنيا والآخرة.

 

أيها المسلمون: وكما أن المعاصي برهان واضح على الغفلة والسكرة، وكذا الملهيات فهي أيضًا نكران للجميل وكفران لنعمة المنعم العظيم، وذلك أن النعم من حقها أن يشكر المنعم بها ولا يكفر، وأن يُحْمَد ويُعْبَد فلا يُعْصَى.

 

 فإذا انعكس الوضع حلَّت النِّقم ونزل البلاء، وعظم الخطب بالزلازل وجور السلاطين، وتسلط الأعداء وانتشار الفوضى، ووقوع الأمراض وحصول الجدب والفقر، وحرمان إجابة الدعاء، وغير ذلك من العقوبات العاجلة في الدنيا فضلاً عن العقوبات الأخروية التي هي أشدّ وأعظم.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[سورة الأعراف: 96-99].

 

بارك الله لي ولكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله مُكرم مَن أطاعه ومُذِلّ مَن عصاه، فسبحانه مِن إله عظيم وملك كريم، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحكم العدل فلا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا.

 

 وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله نبي لا خير إلا ودل الأمة عليه، فدلنا على الجد في صالح العمل، ولا شر إلا وحذر منه واستعاذ، فحذرنا من معصية الله، واستعاذ من الهلع والجبن والعجز والكسل، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قد شهدت لهم أعمالهم الصالحة باتباعه وطاعته، وسلّم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، كونوا على يقظة في ذلك وانتباه، لا تغرنكم الدنيا بزخرفها ولا يغرنكم بالله الغرور، سطِّروا تاريخ حياتكم بالأعمال الصالحة، والأخلاق الشريفة، وأحيوا ذلك بالرجوع إلى كتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وبالاقتداء بالسلف الصالح، ولا تغتروا بكثرة الغافلين، وكونوا دائماً بالله معتصمين وعليه متوكلين.

 

 تذكروا المنازل العالية عنده -تعالى- التي أعدَّها للمتقين، والدركات السافلة البعيدة عنه -تعالى- التي أعدَّها للمجرمين، فيا لها من عِبَر ينذر بها من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين.

 

 اللهم اشرح صدورنا للإسلام ونور قلوبنا بالإيمان، وارزقنا العمل بطاعتك، وجنبنا معصيتك.

 

اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء.

 

اللهم انصر دينك وأعلِ كلمتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

 (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

التحذير من الغفلة والحث على الجد.doc

التحذير من الغفلة والحث على الجد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات