عناصر الخطبة
1/الحج واجب على المستطيع 2/وجوب التعجيل بالحج 3/اهتمام المملكة بتيسير الحج 4/أضرار الحج العشوائياقتباس
لقد كان الحج في السابق فيه من المشقة الشيء الكثير فيموت بعض الحجاج في الطريق؛ وذلك لصعوبة السير على الطريق، ولبعد المسافة، وهم يسيرون على الدواب، وأما الآن فأصبح الحج كالنزهة، يحج المسلم ويعود ولم يشعر بأدنى تعب...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله -عز وجل- وراقبوه، وانظروا نهيه فانزجروا عنه، وأمره فبادروا إليه، فإن عذاب الله شديد.
معاشر المسلمين: ها نحن نختم سنتنا بموسم عظيم، تهفو إليه أفئدة الصالحين، وتحِنُ إليه قلوب المذنبين، إنه موسم الحج الذي يعد حقا من أعظم منن الله على خلقه، كيف لا وهو يمحو عنهم -بإذن ربهم- جميع ذنوبهم؛ فيعودون منها كما ولدتهم أمهاتهم؟! فيا فوز من أدرك هذا الموسم، ورزق فيه الحج، وأداه كما أمره ربه، وسنه له نبيه.
معاشر المؤمنين: سنتطرق في هذه الخطبة عن فضل الحج ووجوبه على الناس، فمن سمع فضل الحج فما أظنه يتردد عن الوفود مع الحجيج إلى رب الأرباب والعبيد، فمن فضل الحج أن الحاجَ فيه من وفدِ الرحمن، وحقه الكرمُ والضيافة وإعطاؤه سؤله، أخرج البزار في مسنده من حديث جابر قال -صلى الله عليه وسلم-: "الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم"، فلتنعم نفسك ولتقر عينك يا من أزمعت على الحج هذا العام.
ومن فضل الحج: أنه من أفضل الأعمال، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الْعملِ أَفضلُ؟ قال: "إِيمانٌ باللهِ ورسولهِ"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهادُ في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حجٌّ مبرورٌ"، وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- قال رسول الله: "عَمَلَانِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا: حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ، أَوْ عُمْرَةٌ"، قال المنذري: "إسناده صحيح، ورواته محتج بهم في الصحيح".
ومن فضل الحج كذلك أنه مكفر للذنوب وماحٍ للعيوب، أخرج مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن العاص لما أراد أن يسلم واشترط المغفرة قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا عَلِمْتَ -يَا عَمْرُو- أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهَدَّمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ".
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة، قال-صلى الله عليه وسلم-: "مِنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، فهل تعلمون -عباد الله- للمولود ذنوبا؟ كلا -والله-، وكذلك الحاج الذي قَبِلَ الله حجَّه فإنه يعود نقيا من الذنوب.
أخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة، سمعت أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ جَاءَ يَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَرَكِبَ بَعِيرَهُ فَمَا يَرْفَعُ الْبَعِيرُ خُفًّا وَلَا يَضَعُ خُفًّا؛ إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ؛ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".
ولقد اختلف أهل العلم: هل الحج يكفرُ صغائرَ الذنوب فقط أم أنه يكفرُ الصغائرَ والكبائر كلَّها؟ والذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك ابن حجر -رحمهما الله-، أن الحج يكفر الصغائر والكبائر كما هو صريح الأحاديث الواردة.
ومن فضل الحج: أنه ليس له جزاء يجزى به العبد إلا الجنة، كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
ومن فضل الحج: أنه ينفي الفقر والذنوب عن العبد، كما أخرج ابن ماجه في سننه من حديث عمر قال -صلى الله عليه وسلم-: "تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإن متابعةً بينهما تنفي الفقر والذنوب، كما ينفي الكيُر خبثَ الحديد".
ومن فضائل الحج: أنه جهاد في سبيل الله بدون قتال، كما أخرج البخاري من حديث عائشة قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعم الجهاد الحج"، وفي رواية للبخاري من حديث عائشة أيضا قالت: قلت: يا رسول الله، نرى الجهادَ أفضلَ العمل أفلا نجاهد؟ فقال: "لكنَّ أفضلَ الجهاد حجٌ مبرور"، وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب: أنه رأى قوما من الحجاج فقال: "لو يعلم هؤلاء ما لهم من المغفرة لقرت عيونهم".
معاشر المؤمنين: إذا علم هذا فهل يتوانى عن ذلك مسلم إلا من كان معذورا؟!.
عباد الله: من أراد الحج فعليه أن يستعد له مبكرا، وأن يعد له العدة، وذلك باختيار الرفقة الصالحة، والتزود بالتوبة قبل الرحيل، والاطلاع على كتب الحج ومعرفة صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالمحاضرات منتشرة هذه الأيام عن صفة الحج وأحكامه، وكذلك عليه أن يصحب معه الكتب المفيدة في الحج، ككتاب التحقيق والإيضاح للشيخ ابن باز غفر الله، وغيرها من الكتب.
اللهم يسر حج الحجاج، وردهم إلى أهلهم سالمين، أقول قولي واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين... أما بعد:
فيا أيها المسلمون: إن الناس تجاه الحج على قسمين لا ثالث لهما: قسمٌ الحجُ في حقهم مسنون؛ لأنهم قد أدوا فرضهم والحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، أخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا أيها الناس، كُتب عليكم الحجُ"، قال: فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: "لو قلتها لوجبت ولو وجبت، لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع"، وهؤلاء لا ينبغي لهم أن يفرطوا في الحج كل خمس سنوات، كما هو مسموح به نظاما.
والقسم الثاني: قوم لم يؤدوا فرضهم، وهؤلاء على قسمين: قسم معذورون بأحد المعاذير الشرعية، وقسم لم يحجوا وليسوا من أهل الأعذار، وهؤلاء نوجه إليهم الخطابَ فنقول: اتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الحجَ أحدُ أركان الإسلام ومبانيه العظام، ودعائِمه الخمس وقواعِده، وقد قال -سبحانه-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97]، وقد أجمع المسلمون على أنه ركن من أركان الإسلام، وفرض
من فروضه إجماعا ضروريا، وقيل بكفر تاركه، كما في رواية عن الإمام أحمد، وهو مروي عن عمر وابنه، وأحد قولي ابنِ عباس، وقال به سعيد بن جبير وطائفة من المالكية.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه، أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال: "لقد هممت أن أبعث رجالا إلى الأمصار؛ فينظروا كل من له جدةٌ ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".
ألا فليتق الله أقوم يتأخرون عن أداء الحج بلا عذر، فمن منا يحب أن يلقى الله بأربعةِ أركان والناس يأتون بخمسة أركان، فالأمر خطير، والعمر قصير، والحساب عسير، إلا أن يتجاوز الرب ويصفح.
أيها الناس: ومما ينبغي للمسلم التنبه له أنه لا يجوز للأب ولا للزوج أن يمنع زوجته أو أبناءه عن الحج إذا كان حج الفريضة، ولا يلزم الزوجة ولا الأبناء طاعتهما في ذلك، إلا أن يكون لمسوغ مقبولٍ شرعا.
لقد كان الحج في السابق فيه من المشقة الشيء الكثير فيموت بعض الحجاج في الطريق؛ وذلك لصعوبة السير على الطريق، ولبعد المسافة، وهم يسيرون على الدواب، وأما الآن فأصبح الحج كالنزهة، يحج المسلم ويعود ولم يشعر بأدنى تعب، بل هو إلى الرفاهية أقرب، خصوصا أولئك الذين يحجون مع الحملات الفاخرة.
عباد الله: لا تستخسروا النفقة في الحج؛ فإنها من أعظم النفقات، وهي مخلوفة على الحاج، ومن لم يحج بنفسه وماله فلا يفوتنه الحج بماله، وذلك بتحجيج من لم يحج فرضه وهو عاجز ماليا، فادفع إليه ما يحججه، وأبشر بالأجر من الله -تعالى-، مع العلم أن أنه تجوز الإنابة في الحج عن العاجز بدنيا أو الميت، وأما الصحيح القادر فلا يجزئ عنه إلا أن يحج بنفسه.
وختاما: معاشر المسلمين: يجب على الجميع التعاون في إنجاح هذا الحج، وأن نكون يدا واحدة مع منظمي الحج، فلا نتعاون مع المخالفين في الحج الذين ينظمون حملات عشوائية، أو مع الذين يتسللون بلا تصريح، فهؤلاء يثيرون العبث والشغب في الحج، وهم سبب لهلاك أنفسهم وهلاك غيرهم، كما رأينا في العام المنصرم، فعلى الجميع التقيد بما فرضته الدولة مشكورة في تنظيم الحج، خصوصا الحج بالتصريح عبر الحملات الرسمية، وأن نكون قدوة حسنة لضيوف الرحمن.
اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات، وعمرها بالطاعات، وتوفنا مسلمين يا رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم