عناصر الخطبة
1/من لوازم القيام بفريضة الحج تعلم أركانه وأحكامه 2/توفر سبل العلم فيجب على المسلم طلبه والسعي لتحصيله 3/الجهود المشكورة لخدمة حجاج بيت الله الحرام 4/نصائح لحجاج بيت الله الحرام 5/المعنى الحقيقي للعبادةاقتباس
أيها الزائر: اغتنِمْ فرصةَ هذا المكان؛ فأقبِلْ على الله بجد وعزيمة وإيمان، فالعبادة فيه أفضل، والأجر عليها يُضاعَف أضعافًا كثيرةً، فلا تُضَيِّعْ وقتَكَ بالغفلة واللهو والجوَّال، وفي اللغو والقيل والقال، ولا تنشغل بأمور الدنيا...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ، ونصَح الأمةَ، وتركها على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ف-صلوات الله وسلامه عليه-، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وأحسن القصص القرآن، وأفضل الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.
عبادَ اللهِ: طاعةُ اللهِ خيرُ مَغنَمٍ ومكسبٍ، ورضاه خير ربح ومطلب، والجنة حُفَّتْ بالمكاره، وحُفَّتِ النارُ بالشهوات، (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آلِ عِمْرَانَ: 185]، فاتقوا الله فيما أمر، وكفوا عمَّا نهى عنه وزجر؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
أيها الناسُ: إنكم في شهر حرام، وفي بلد حرام، ومقبلون على ركن من أركان الإسلام؛ وهو فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، وإن من الاستعداد لأداء هذا النسك تعلُّم ما يتعلَّق به من الأحكام، فيتعين على المسلم المقبل على الحج أن يتعلم طريقة وكيفية أداء نسكه بإتقان وإحكام، وأن يعرف الأركان والواجبات والمحظورات، وما يترتب عليها من أحكام؛ فالعلم مُقدَّم على العمل، والله لا يعبد بالهوى، وإنَّما يعبد بالعلم والبصيرة، وقد قال الله -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)[مُحَمَّدٍ: 19]، فقدَّم العلمَ على القول والعمل.
عبادَ اللهِ: تعلُّم العلمِ خشيةٌ، وطلبُه عبادةٌ، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذلُه لأهله قُربةٌ، ولا يُتقرَّب إلى الله بشيء أحبَّ إليه من علم يهتدي به العبد في عبادته، وقد سخَّر اللهُ لكم الوسائلَ، وهيَّأ لكم الظروفَ المناسِبةَ، فلا عذرَ لأحد في عدم تحصيل العلم، فكل الوسائل متاحة، والحجة قائمة.
أيها الناسُ: إن تعلم أحكام الحج جزء من أدائه، بل هو شرط في صحته واستيفائه؛ فاحرصوا على تعلمها على الوجه الصحيح، من العلماء المعتبرين، ومن الجهات المعتمدة؛ حتى تؤدوا مناسككم على الوجه المشروع.
وقد يسَّر اللهُ لكم ما لم ييسر لمن قبلكم من وسائل التعليم، ومَنصَّات التوجيه والإرشادات المصورة، بلغات متعددة، فهل بعد هذا من عذر؟! وهل بقي لأحد حجة في الجهل؟! فاغتنِموا فرصةَ زمانكم، وتعلَّمُوا مناسكَكم، وخدمةً لضيوف الرحمن فإن رئاسة الشؤون الدينيَّة بالمسجد الحرام والمسجد النبوي والهيئة العامَّة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ووزارة الحج والعمرة قد أطلقوا عبر منصاتهم التوعويَّة جميع الخدمات التي يحتاجها الحاج والزائر، من التوجيهات العِلميَّة، المعتمِدة على الكتاب والسُّنَّة النبويَّة، والإرشادات الأمنيَّة والصحيَّة، والوسائل المساعِدة، والإجراءات النظاميَّة، وغير ذلك؛ فاستفيدوا منها، واعتمِدوا عليها، تقبل الله منكم.
ضيوفَ الرحمنِ، حُجَّاجَ بيت الله الحرام، زُوَّارَ مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقد أكرَمَكم اللهُ ومنَّ عليكم بزيارة المدينة المنوَّرة، طَيْبَةَ الطَّيِّبَةَ، الدارَ والإيمانَ، مُهاجَرَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ومأواه، ومقامه ومسكنه ومثواه، أفضل البقاع، وأحب البلاد إلى الله بعد مكة، فاعرفوا قدرها وفضلها، وعظموا شأنها، وراعوا حرمتها، واستشعروا عظمتها، وتأدبوا فيها بأحسن الآداب، واحذروا من انتهاك حرمتها، ومن الإحداث فيها، وتذكروا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ"(رواه مسلم).
ألَا وإنَّ اللهَ أكرمكم بزيارة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي أُسِّسَ على التقوى من أول يوم، وهو أعظم وأفضل بيوت الله في الأرض، والعبادة فيه مضاعفة على العبادة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ" مُتفَق عليه.
يا مَنْ شرَّفَكَ اللهُ بزيارة المدينة المنوَّرة، يا زائر مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-: لقد وطئتَ أرضًا مشرَّفةً، وحللتَ دارًا هي أحبُّ البلاد إلى الله بعد مكة، فاستشعِرْ شرفَ المكان، واحترِمْ قدسيتَه، وتأدَّبْ فيه بالآداب الشرعيَّة، وحافِظْ على الهدوء والسَّكِينة والوقار، واحرص على عدم الإزعاج والتشويش على المصلين، وعدم أذيتهم وتخطي رقابهم، وارفق بالزوار وبضيوف الرحمن، واجتنب التدافع أثناء الزحام.
أيها الزائر: هذا المكان مخصَّص للعبادة، فتجنب فيه كل ما يخالف الشرع من بدع ومخالفات، وفتن ومنكرات، ولا تكن سببًا في صرف الناس عن الخشوع وعن الطاعات.
أيها الزائر: اغتنِمْ فرصةَ هذا المكان؛ فأقبِلْ على الله بجد وعزيمة وإيمان، فالعبادة فيه أفضل، والأجر عليها يُضاعَف أضعافًا كثيرةً، فلا تُضَيِّعْ وقتَكَ بالغفلة واللهو والجوَّال، وفي اللغو والقيل والقال، ولا تنشغل بأمور الدنيا.
أيها الزائر: اتَّبِعْ تعليماتِ الجهات التنظيميَّة، القائمة على الخدمة والترتيب، والتزم بالإرشادات والتوجيهات المطلوبة، وكن عونًا على البر لا على الإثم؛ فالله يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[الْمَائِدَةِ: 2].
جعلنا الله وإيَّاكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه؛ (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزُّمَرِ: 18].
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعَل طاعتَه سبيلًا لمرضاته، وجعَل رضاه وسيلةً للفوز بجناته، ووفَّق المؤمنينَ لعبادته فهَجَرُوا ملذاتِهم وشهواتِهم وآثَرُوا مَرضاتِه.
حُجَّاجَ بيتِ اللهِ الحرامِ: إن العبادة ليست مجرد رياضة للأبدان، بل هل امتثال لأوامر الله، واجتناب لِمَا حرَّم الله، مع الذل والخضوع محبة ورغبة ورجاء فيما عند الله، وخوفًا وخشيةً من الله، ويُشترَط لقبولها شرطان: الشرط الأول: الإخلاص لله -تعالى-، بأن يكون القصد من العبادة طلب مرضاة الله وحدَه لا شريكَ له، الشرط الثاني: أن تكون العبادة موافقة لما شرع الله في كتابه، وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومستندها السماع والاقتداء والاتباع، لا مجرد الهوى والابتداع، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" مُتفَق عليه؛ فاحرصوا على الإخلاص لله، وموافقة سُنَّة رسول الله؛ فعن جابر -رضي الله عنه- قال: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ"(رواه مسلم).
حُجَّاجَ بيتِ اللهِ الحرامِ: لقد أكرمكم الله فوفَّقَكم لتلبية فريضة الحج، وبذلتم فيها الغالي والنفيس، فهنيئًا لكم إذ نويتم، وبورك لكم إن أخلصتم، فاحرصوا على أدائها، وإتمامها، وقبولها، وتعلموا من أحكامها، وإيَّاكم والرفث، وإيَّاكم والفسوق، وإيَّاكم والجدال؛ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ في الْحَجِّ)[الْبَقَرَةِ: 197]، وعليكم بالسَّكِينة والوقار، تراحموا إذا تزاحمتم، وإيَّاكم والتدافع، وارأفوا بضعفائكم؛ فعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أردف أسامة خلفه، ودفع من عرفة وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: "أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ"(رواه مسلم).
أيها الناسُ: لقد اختار الله المملكة العربيَّة السعوديَّة مهبط الوحي، وقِبْلَة المسلمينَ، ومهوى أفئدتِهم للقيام بخدمة المقدَّسات وتأمينها، للطائفينَ والعاكفينَ والرُّكَّع السُّجُود، ومَنَّ عليها بخدمة وضيافة الحُجَّاج والعُمَّار والزُّوَّار والوفود، فقامت بذلك أحسن قيام، وقدمت الخدمات اللازمة للحجاج والزوار، لمساعدتهم على أداء مناسكهم وزيارتهم، ووضع لوازم السلامة والأمن لهم، فجزى الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين خير الجزاء وأوفاه، وأتمه وأكمله وأحسنه وزكاه، على ما يقومون به من خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما.
اللهمَّ احفظ حجاج بيتك الحرام، وزُوَّار مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، اللهمَّ احفظهم بحفظك، واكلأهم برعايتك، وردهم إلى أهلهم سالمينَ غانمينَ يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ سهل عليهم مناسك الحج، وتقبل منهم، واجعل حجهم مبرورًا، وسعيهم مشكورًا، وذنبهم مغفورًا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهمَّ استعملنا في طاعتك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهمَّ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكَرِّهْ إلينا الكفرَ والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آلِ عِمْرَانَ: 8].
اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وانصُرْ عبادَكَ الموحِّدينَ، واجعل اللهمَّ هذا البلد آمِنًا مطمئنًّا، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين، اللهمَّ أمنهم في أوطانهم يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهمَّ وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهمَّ ألبسه ثوب الصحة والعافية يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، يا سميع الدعاء.
اللهمَّ تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهمَّ صل على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم