عناصر الخطبة
1/معجزة القرآن 2/من جوانب عظمة القرآن 3/من فضائل تلاوة القرآن الكريم 4/القرآن منهج حياة 5/خطورة هجر القرآن الكريم 6/العمل بالقرآن وتحكيمه.اقتباس
لنعمل بالقرآن -أيها الناس- نعمل بما فيه من أحكام، نُحكِّمه في حياتنا، في تصرفاتنا، في تعاملنا، مع القريب والبعيد، نُحِلّ حلاله، ونُحَرّم حرامه، نتحاكم إليه في حقوقنا وخصوماتنا، نتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه من الدين وأحكامه، نتدبره؛ نتدبر القرآن وما فيه من العِبَر والعظات والعجائب والحِكَم، نستشفي به من أمراض أرواحنا وأبداننا، نجعل له وقتًا من أغلى أوقاتنا...
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقبت الليالي والأيام.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة الأحزاب: 70].
عباد الله: حديثنا اليوم عن القرآن الكريم، عن كلام الله -جل وعز-؛ كلام الله النور المبين والصراط المستقيم المنهج الخالد، وقد اقتضت حكمة الله أن يجعل لكل نبي معجزة تؤكد نبوته وتنبئ عن صدقه وتؤيد دعوته، وتلك المعجزات من جنس ما يُفاخر به القوم ويتباهون به؛ فقوم فرعون عُرِفوا بالسحر وبرعوا فيه فكانت معجزة موسى -عليه السلام- في عصاه تلقف ما يأفكون إذا ألقاها على الأرض جعلها الله حية حقيقية تسعى فأكلت ما صنَعه السحرة.
واشتهر قوم عيسى بالطب، فكانت معجزته أنه يبرئ الأكمة والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، أما العرب فاشتهروا بالبلاغة والفصاحة والبيان، ديوانهم الشعر وميدانهم الخطابة وعنوانهم الفصاحة وبستانهم البلاغة، فجاءت معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- من جنس ما يفاخرون فبُهروا بعظمته واحتاروا في بيانه، وتحداهم الله -تعالى- أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة واحدة مثله بعد أن قال المبطلون أنه كلام محمد؛ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[سورة يونس:38].
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)[سورة الإسراء:88]، (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[سورة الزمر:23].
(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[سورة المائدة:15-16]، (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[سورة الإسراء:9].
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[سورة الشورى:52].
شيء عظيم معجزة الدنيا بين أيدينا هدانا الله إليه، وأعرض عنه أهل الكفر والنفاق والشقاوة، لاريب فيه، هدى للمتقين، نور يهدي به من يشاء غير ذي عوج، روح، وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا، روح والروح حية الروح لا تموت، بل تبقى حية حتى بعد خروجها من الجسد.
القرآن حيّ ليس كحياة المخلوقات، لكنه حي حياة حقيقية مختلفة، لو أنزله الله على جبل لخشع وتصدع من خشية الله، اقرأوه بيقين على موتى القلوب فيُحيهم الله، اقرأوه على المسحورين فيعافيهم الله، اقرأوه على الأشقياء فيسعدهم الله، اقرأوه على الضُّلال فيهديهم الله إنه يفعل فعل الحي، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، وآلُ عِمْرانَ، كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ ظُلَّتانِ سَوْداوانِ بيْنَهُما شَرْقٌ، أوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما"(صحيح مسلم).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اقْرَؤوا القُرْآنَ؛ فإنَّه يأتي يَومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه"(رواه مسلم)، وفي الحديث أن "الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما؛ يقول الصيام: منعته من الطعام والشراب، ويقول القرآن: منعته من النوم".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "سورة من القرآن، ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غُفر له وهي تبارك الذي بيده الملك"(حسنه الألباني)، طبيب القلوب طبيب الأرواح لا علاج للأرواح غيره أبداً يفك عقد النفس ويمحو كآبة الأرواح، ويزيل اضطرابات الفكر، كله شفاء وعافية وصحة وطمأنينة وسكينة وهدوء وراحة وأجور وحسنات وسعادات؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[سورة يونس: 57].
من الضيق والهم والكدر والطفش والقلق والاضطرابات والحيرة والشك والتردد والجزع والخوف والاكتئاب والعقد وحتى الكفر والنفاق (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)[سورة الإسراء: 82]، (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[سورة التوبة:14-15]. قالت عائشة -رضي الله عنها-: إنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- "كانَ إذا أوَى إلى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمع كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما فَقَرَأَ فِيهِما: قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما ما اسْتَطاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بهِما علَى رَأْسِهِ ووَجْهِهِ وما أقْبَلَ مِن جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ"(صحيح البخاري).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، (قُلْ أَعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ)، (وَقُلْ أَعُوذُ برَبِّ النَّاسِ)"(صحيح مسلم"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَقْرَأَ في لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ قالوا: وكيفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ قالَ: قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ"(صحيح مسلم).
وثبت أنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ: قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ يُرَدِّدُها، فَلَمَّا أصْبَحَ جاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذلكَ له، وكَأنَّ الرَّجُلَ يَتَقالُّها، فقالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نَفْسِي بيَدِهِ إنَّها لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ"(صحيح البخاري).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ"، وفي رواية "من آخر الكهف"(صحيح مسلم*.
وقال -صلى الله عليه وسلم- عن آخر آيتين في سورة البقرة: "الآيَتانِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَن قَرَأَهُما في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ"(أخرجه البخاري ومسلم).
وتعلمون فضل سورة الفاتحة، وفضل آية الكرسي، وأن مَن قرأ حرفًا واحدًا من القرآن، فله حسنة، والحسنة بعشر حسنات إلى أضعاف كثيرة، فما أعظم القرآن! ما أعظمه!
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب غمومنا.
اللهم اجعل القرآن سائقنا ودليلنا إلى جناتك جنات الخلود.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه.
عباد الله: كيف يحيا المسلم بدون القرآن؟ كيف يهنأ بالحياة وليس في حياته قرآن؟
الشياطين تصرفنا عن القرآن تجعله أثقل من حمل الحديد، فما إن تفتح القرآن إلا ويأتيك شيطانك فيثقله عليك، ويضيق صدرك، ويشد أعصابك، ويأتيك بالنوم والنعاس، ويُذكّرك مشاغل الدنيا وأشياء كنت تنساها، وما يزال بك حتى تغلق المصحف وتقوم.
كيف يمر بك يوماً ما تقرأ فيه كلام الله؟ كيف يهنأ نومك وما تعهدت المصحف؟ كيف تقضي الساعات الطوال في أشغال الدنيا ولا تجد من وقتك دقائق تقرأ فيها كلام الله، كان الشافعي يختم 60 مرة في رمضان، وابن القاسم 90 مرة، وابن عباس 100 مرة، ولذلك انظروا إلى أحوالنا وتعاملنا ونفسياتنا صدور ضيقة؛ تعامل سيئ؛ غضب متواصل؛ نفسيات مقفلة؛ توتر؛ قلق....
وما علمنا أن من أعظم الأسباب هو هجر القرآن الكريم، نحن هاجرون للقرآن؛ (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)[سورة الفرقان:30]، اسمعوا القرآن اسمعوه من القرّاء المهرة، تلذذوا بسماعة.
لنعمل بالقرآن -أيها الناس- نعمل بما فيه من أحكام، نُحكِّمه في حياتنا، في تصرفاتنا، في تعاملنا، مع القريب والبعيد، نُحِلّ حلاله، ونُحَرّم حرامه، نتحاكم إليه في حقوقنا وخصوماتنا، نتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه من الدين وأحكامه، نتدبره؛ نتدبر القرآن وما فيه من العِبَر والعظات والعجائب والحِكَم، نستشفي به من أمراض أرواحنا وأبداننا، نجعل له وقتًا من أغلى أوقاتنا، نخصص له كل يوم وقتًا نجعله للقرآن مهما كانت الظروف، وليس كلما فضينا أو رأينا الأموات أو سمحت الظروف!
أبداً، هذا لا يليق بالقرآن، أن نجعل له فضول أوقاتنا، وسنرى -بإذن الله- أن الحياة مع القرآن لها طعم مميز لا يذوقه المعرضون والهاجرون والمشغولون؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله أهلين من الناس"، قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته"(صححه الألباني).
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك.
اللهم ارزقنا تلاوته والعمل به على الوجه الذي يرضيك عنا.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم