عناصر الخطبة
1/الدنيا دار بلاء لا دار جزاء 2/تأملات في الابتلاء 3/أمثلة على عباد الله المبتلين 4/كل الخلق ممتحَنون في هذه الدنيا 5/فائدة ترسيخ مفهوم الإيمان بالقضاء والقدر 6/الواجب على المسلم الرضا والتسليم لأقدار الله تعالىاقتباس
الواجب علينا -عبادَ اللهِ- أن نحمد ربَّنا على ما أفضَل علينا ومنحَنا، وعلى ما صرَف عَنَّا ومنعَنا، وأن نسألَه أن يعافيَنا ولا يبتليَنا، ويستعملَنا ولا يستبدلَنا، وأن نقوم بشُكر نعمة مولانا؛ فنؤدي حقَّه فيما آتانا وولَّانا، وأن يجعلنا عند النعماء من الشاكرين، وعند الضراء من الصابرين...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا الله -أيها الناسُ- حقَّ التقوى، ورَاقِبُوه في السِّرِّ والنَّجْوَى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
عبادَ اللهِ: إننا في هذه الحياة ممتحَنون؛ فالدنيا ليست بدار جزاء ووفاء، بل دار اختبار وابتلاء، قال -تعالى-: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 35].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في معنى الآية: "نَبْتَلِيكُمْ بالشدةِ والرخاءِ، والصحةِ والسُّقْمِ، والغنى والفقر، والحلالِ والحرامِ، والطاعةِ والمعصيةِ، والهدى والضلالةِ"، وقال عبد الرحمن بن زيد -رحمه الله-: "نَبْلُوهُمْ بما يحبُّون وبما يكرهون؛ نختبرُهم بذلكَ؛ لننظر كيف شكرُهم فيما يحبون، وكيف صبرهم فيما يكرهون".
والابتلاءُ -عباد الله- قدرٌ إلهيٌّ، وأمرٌ لازمٌ حتميٌّ، يتبيَّن من خلاله مَنْ صدَق في دعواه الإيمان، ممَّن هو كاذب، قال -تعالى-: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 2-3].
ويكون البلاء على قَدْر دينِ المرءِ قوةً وضعفًا؛ فقد سئل -صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أشد بلاءً؟ فقال: "الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل؛ يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه، فإن كان في دِينِه صلابةٌ زِيدَ في بلائه، وإن كان في دينه رقةٌ خُفِّفَ عنه". قال ابن القيم -رحمه الله-: "إن الله -سبحانه وتعالى- اقتضت حكمته أنَّه لا بد أن يمتحن النفوسَ ويبتليها؛ فيُظهِر بالامتحانِ طيبَها من خبيثها، ومَنْ يَصلُح لموالاتِه وكرامتِه ومَنْ لا يصلح، وليمحصَ النفوسَ التي تصلح له، ويُخلِّصَها بكير الامتحان".
هذا وقد مضت سُنَّةُ اللهِ -عباد الله- أن يبتليَ عبادَه المؤمنينَ بالسراء والضراء، والعُسْر واليسر، والمَنشَط والمَكرَه، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهَدة الأعداء بالقول والعمل، ونحو ذلك، وكل ذلك مُظهِرٌ لثباتهم على الإيمان، ومحبة الرحمن، والتسليم لقضاء ربِّهم عظيم الشأن، قال -عز وجل-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[الْبَقَرَةِ: 155]، فالله -سبحانه- يبتلي عبدَه ويمتحنُه بشدائد من الأمور؛ ليرى هل يصبر ويرضى بقضاء الله، أم يتسخَّط ويجزع؟ وقال -جلَّ شأنُه-: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[آلِ عِمْرَانَ: 186]، وهو نوع شديد من الابتلاء، ولكنَّ عاقبةَ الصبرِ عليه حميدةٌ؛ من النصر، والهدى، وحُسْن الثواب؛ كما أن سُنَّة الله قد جرت بأن الشدة إذا تناهت يجعل وراءها فرجًا عظيمًا.
أيها المسلمون: وعندما نستحضر أمثلةً على تنوُّع الابتلاء، ونستدعي شواهدَ لاختلافِ صُوَرِه؛ نجد ذلك جليًّا فيما امتُحن به صفوة الخلق، الأنبياء -عليهم السلام-؛ سواء كان تكذيب أقوامهم لهم، كما في قصص إبراهيم ولوط ونوح -عليهم السلام-، أم كان ابتلاءً بالنعمة كما حصل لداود وسليمان -عليهما السلام-، أم كان بالفتنة والشهوة كما تعرَّض لذلك يوسفُ -عليه السلام-، أَمْ كان بالضُّرِّ كالداء الذي أصاب جسد أيوب -عليه السلام-، أم كان بأنواع الأذى كما أصاب موسى -عليه السلام-، وأمَّا نبيُّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فما أكثرَ ما أوذي في الله، ولقي من أنواع الابتلاء والمصائب.
وممَّا ينبغي أن يُعلَم أن الأنبياء -مع كونهم أفضلَ الخلقِ وأكرمَهم على الله- إلا أنَّهم أشدُّ بلاءً؛ لِمَا يترتَّب على ذلك من مضاعَفة حسناتهم، ورفع درجاتهم، وإعلاء ذكرهم؛ فهم قد اختُصُّوا بكمال صبرهم، وصحة احتسابهم.
ويأتي مِنْ بعدِهم في ذلك المؤمنون الصادقون من الأولياء والصالحين، الذين ساروا على إثرهم، واقتدوا بهديهم؛ فاستعذبوا كلَّ ما نالَهم من إيذاء وتنكيل، في سبيل الثبات على الدين.
فمن الأمثلة على ذلك: امتحان المؤمنين بحرقِهم بالنار، مِنْ قِبَل أصحاب الأخدود الفجار. ومنها: اعتزال أصحاب الكهف قومَهم، وتركهم العيش الموفور؛ ليعبدوا اللهَ وحدَه في كهف مهجور. ومنها: ما توعَّد به فرعونُ اللعينُ مِنْ قتلِ السحرةِ وصلبِهم لَمَّا آمنوا وآثَرُوا الحقَّ المبينَ. ومنها: رميُ مريمَ بنتِ عمرانَ بالإفك والبهتان، واتهامُ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ في شرفها والطعن في عرضها. ومنها: قتلُ عمرَ وعثمانَ وعليٍّ والحسينِ، وتعذيبُ بلالٍ وعمارٍ المستضعَفينِ. ومنها: محنة أحمد بن حنبل الشيباني، وأبي عبد الله البخاري، وابن تيمية الحراني.
وما أعظم شأنَ الصحابة الكرام؛ فقد ضربوا أروعَ الأمثلة في سبيل نصرة الإسلام، رغم ما واجهوه من الشدائد العظام والأهوال الجسام؛ ممَّا يَشهَد لهم برسوخ إيمانهم، ويُبرهِن على رباطة جأشهم وثباتهم؛ فقد حوصروا ثلاثَ سنوات في شِعْب أبي طالب، وأصابهم فيه الجوعُ والمتاعبُ، لكنهم صبروا وعلى ربِّهم توكلوا، ولم يَفتَّ ذلك كلُّه في عضدهم، ولم يصدَّهم عن مبدئهم؛ تأسِّيًا بنبيهم الذي لم تفتُرْ عزيمتُه، ولم تَضعُفْ همتُه، بل استمر في دعوته وتبليغ رسالته؛ وكفى اللهُ المؤمنين ما أهمَّهم، وردَّ عنهم بأسَ مَنْ أراد كيدَهم، وباء الأعداءُ بالفشل وخيبة الأمل.
وكذا ثباتُهم عندَ الشدائد والصعاب يوم تكالَب عليهم الأحزابُ؛ قال -تعالى-: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 22]. قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصرُ القريبُ".
عبادَ اللهِ: ومن صور امتحان الإيمان: ابتلاء المؤمن بما عليه الناس من العوائد والتقاليد المخالِفة لشرعِ اللهِ المجيدِ؛ فإِنْ أطاعَ الكثرةَ ممَّن اتبَع الهوى أضلُّوه عن سبيل الله، قال -تعالى-: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)[الْأَنْعَامِ: 116].
قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "الزَمْ طريق الْهُدَى ولا يضرُّكَ قِلَّةُ السالكين، وإياكَ وطرقَ الضلالةِ، ولا تغترَّ بكثرةِ الهالكينَ"، وقال ابن القيم -رحمه الله-: "لا تستصعِبْ مخالفةَ الناسِ والتحيزَ إلى الله ورسوله ولو كنتَ وحدَكَ؛ فإنَّ اللهَ معَكَ وأنتَ بعينِه وكلاءتِه وحفظِه لكَ، وإنَّما امتحنَ يقينَكَ وصبرَكَ. إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد مَنْ تركَها لغير الله، فأمَّا مَنْ ترَكَها صادقًا مخلصًا من قلبه لله فإنَّه لا يجدُ في تركها مشقَّةً إلا في أول وهلة؛ ليُمتَحن أصادق هو في تركها أم كاذب؟ فإِنْ صبَر على تلك المشقة قليلًا استحالَتْ لذةً".
أيها الإخوةُ في الله: وممَّا يُظهِر حقيقةَ إيمان العبد ما يعرض له مما استقبحَه الشرع وحرَّمَه؛ فمتى قابل المنكَرات والمساوئ بالإنكار زاد في إيمانه واطمئنانه، ومتى استجاب لها ورضيها فُتِنَ ونالَتْ من إيمانه، قال -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 110]. فذكر الإيمان بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رأى منكم مُنكَرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعفُ الإيمانِ".
فلا عذرَ للمؤمن أن يُنكِرَ بقلبِه كلَّ مُنكَرٍ؛ لأنَّ تغييرَه بالقلب يُعَدُّ أضعفَ المراتب، ويقتضي ذلك إظهارَ كراهته للمنكَر، فلا يَقعُد مع مرتكبيه، بل يُعرِض عنهم زجرًا لهم وبُغضًا لِمَا هم فيه.
والإيمان -عباد الله- قد يُمتَحَن أيضًا عند الولاءات امتحانًا شديدًا؛ فإذا قدَّم العبدُ أخوةَ الدِّين والعقيدة على أخوة النسب والقرابة، وكانت محبته لله، وبغضه لله، وعطاؤه لله، ومنعه لله؛ زاد إيمانه وكمل، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمان وذكرَ منها: وأن يُحبَّ المرء لا يُحبُّه إلا لله"، وكما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ أحبَّ لله وأبغضَ لله وأعطَى لله ومنعَ لله فقد استكمَلَ الإيمان".
قد قلتُ ما سمعتُم وأستغفرُ الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله جعَل الدنيا دارَ ابتلاء وامتحان، وجعل الآخرةَ دار جزاء وإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فيا عبادَ اللهِ: ما منَّا أحدٌ إلا وهو ممتحَن في هذه الدنيا؛ فقد جاء في الحديث أن الله -تعالى- قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثتُكَ لِأبتلِيَكَ وأبتليَ بكَ"؛ أي: لأمتحنكَ في صبركَ على تبليغ الرسالة، والثبات في الدعوة، وتحمُّل الأذى من قومك. وأمتحنُ مَنْ أُرسِلتَ إليهم؛ فمنهم مَنْ يتبع هداك ويظهر إيمانه ويُخلِص في طاعاته، ومنهم مَن يبتعد عنك ويكفر بك وينافق.
وقد امتحن اللهُ كفارَ قريشٍ؛ فأمدَّهم بنعم وافرة، ورزق واسع مديد، وكانوا في أمن وأمان وعيش رغيد؛ فلمَّا أكمَل لهم النعمةَ ببعثة نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- ليُكمِل لهم صلاحَ أحوالهم ويهديَهم سبيلَ نجاتهم؛ قابَلُوه بالتكذيب والرد والعُدوان، فعُوقبوا بالجهد والقحط والحرمان، وقد ضرب الله لهم مثلًا بقوله: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ)[الْقَلَمِ: 17]. فأصحابُ الجنةِ ابتُلوا بما آتاهم الله من فضله، فبخلوا وامتنعوا عن أداء حقه؛ فعُوقبوا بآفة أحرقت أشجارَهم وثمارَهم، وحُرموا نفعَها، وتبددَتْ آمالُهم.
عبادَ اللهِ: إنَّ ترسيخ مفهوم الإيمان بالقضاء والقدر -خيره وشره- والرضا والتسليم التام لأقدار الله؛ أساسٌ متينٌ، وحصنٌ حصينٌ، وسُلَّم يرقى بصاحبه لأعلى درجات الإيمان واليقين، فإذا ما ابتُلِي العبد في إيمانه كان أساسه الإيماني ثابتًا، فلم يَضعُف ولم يتزعزَعْ؛ لكِنْ عندما لا يكون كذلك فما أسرعَ ما ينقلب ولا يثبت على حاله، قال -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الْحَجِّ: 11].
وممَّا يَحسُن ذكرُه أيضًا في مسائل الامتحان أن العبد قد يُبتلى ببلاء يكون عقوبة معجَّلة بسبب التمادي في العصيان، ويُجازى بعدم التوبة إلى رب العالمين؛ كما ذكَر اللهُ عن أصحاب السبت المعتدين: (كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)[الْأَعْرَافِ: 163]، وبسبب هذا البلاء قد يعود العاصي إلى رُشدِه، ويُنِيب إلى ربه؛ فيُمحى أثرُ ذنبه، ويزول ران قلبه.
ألَا وإن من أشد ما يُمتحن به الإيمان أن تتوالى المحن والنوازل على العبد؛ فيكون في غمٍّ وهمٍّ وأحزانٍ، وقد يَعظُم يأسُه مما هو فيه عندما تجري الأمورُ بخلاف ما كان يرجوه ويبتغيه؛ فيجزع ويتسخَّط على قضاء الله وقدره؛ مما يُنبِئ عن ضَعْف إيمانه وعدم صبره.
والواجب علينا -عباد الله- أن نحمد ربَّنا على ما أفضَل علينا ومنحنا، وعلى ما صرف عَنَّا ومنعَنا، وأن نسأله أن يعافينا ولا يبتلينا، ويستعملنا ولا يستبدلنا، وأن نقوم بشكر نعمة مولانا؛ فنؤدي حقَّه فيما آتانا وولَّانا، وأن يجعلنا عند النعماء من الشاكرين، وعند الضراء من الصابرين، وأن يرزقنا الاستقامة والثبات، ويعصمنا من شر الفتن والمضِلَّات.
ألَا واستشعِروا -رحمكم الله- أنَّكم في يوم الجمعة من أفضل أيامكم؛ فأكثِرُوا فيه من الصلاة والسلام على نبيكم، واذكروا على الدوام قول الملك العلَّام: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على محمدٍ خاتمِ المرسلينَ، وإخوانِه من النبيينَ، وعلى آله وذوي قرابته، وأنصاره وصحابته أجمعينَ.
اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الكفرَ والكافرينَ.
اللهمَّ انصر المجاهدين في سبيلك، والمرابطين على الثغور، وحماة الحدود، واجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا رخاءً وسعةً، وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهمَّ آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلِحِ الأئمةَ وولاةَ الأمور، اللهمَّ وفِّقْ وليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى من الأقوال والأفعال، يا حي يا قيوم، اللهمَّ وفقه وولي عهده لهداك وتقواك.
اللهمَّ إنَّا نسألك النصر والعزة والتمكين لأوليائك المؤمنين، اللهمَّ أنتَ ربُّ المستضعَفينَ وأنتَ ربُّنا؛ كُنْ لإخواننا في فلسطين وفي كل مكان يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ فرِّجْ همَّهم، ونفِّسْ كربَهم، واشفِ مرضاهم، وعافِ مبتلاهم، وسُدَّ جوعتَهم، وآمِنْ روعتَهم، وانتقم ممن ظلمهم وبغى عليهم، واجعل دائرة السوء تدور عليهم، وأرنا في أعدائك عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، وشديد نقمتك.
اللهمَّ حبِّبْ إلينا الإيمانَ وزيِّنْه في قلوبنا، وكَرِّهْ إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ، واجعلنا من الراشدين.
اللهمَّ ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا.
اللهمَّ توفَّنا مسلمينَ، وأحينا مسلمينَ، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آلِ عِمْرَانَ: 8].
اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على محمد وآله وصحبه أجمعينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم