عناصر الخطبة
1/بعض فضائل العلم بأسماء الله تعالى وصفاته 2/معرفة أسماء الله تعالى تعني العلم بها لفظا ومعنى ومدلولا 3/بيان منزلة الدعاءاقتباس
إنَّ أعظمَ ما يَستنيرُ به القلبُ، وينشرحُ به الصدرُ: معرفةُ أسماءِ اللهِ الحُسنى وصفاتِه العُلا، من مشكاةِ النبوَّة، من مشكاةِ الوحي؛ فَمَنْ تلقَّاها بالقَبولِ والرِّضا والتسليم، وأذعنَ لها بالانقياد، واطمأنَّت إليها نفسُه، وسكنَ إليها قلبُه، وقَوِيَتْ بها معرفتُه...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ المتصفِ بالجَمالِ والكمالِ والجلالِ، له من الأسماءِ الحُسنى أحسنُها، ومن الصفاتِ أكملُها، ومن الأفعالِ أدلُّها وأحكمُها، وأشهدُ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى آلِه وأصحابِه.
أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا اللهَ وأطيعوه، قال -جلَّ وعَلَا-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الْمَائِدَةِ: 2]، وقال -سبحانه-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[الْمَائِدَةِ: 4].
إخوةَ الإسلامِ: أنفعُ العلومِ وأشرفُها العلمُ بأسماءِ اللهِ الحُسنى، الدالَّةِ على أحسنِ المعاني، وأكملِ الصفاتِ، وأجلِّها، وأعظمِها، وأمجدِها.
وإنَّ أعظمَ ما يَستنيرُ به القلبُ، وينشرحُ به الصدرُ: معرفةُ أسماءِ اللهِ الحُسنى وصفاتِه العُلا، من مشكاةِ النبوَّة، من مشكاةِ الوحي؛ فَمَنْ تلقَّاها بالقَبولِ والرِّضا والتسليم، وأذعنَ لها بالانقياد، واطمأنَّت إليها نفسُه، وسكنَ إليها قلبُه، وقَوِيَتْ بها معرفتُه، متعبِّدًا للهِ بها، ازدادَ إيمانًا باللهِ -عزَّ شأنُه-، وتعظيمًا لربِّه -جلَّ جَلالُه-، واشتدَّتْ محبتُه وإجلالُه لخالقِه -تباركَ وتعالى-، فالحاجةُ عظيمةٌ إلى أنْ تألَفَ القلوبُ بارئَها وفاطرَها، وأنْ تذكُرَه وتطلُبَ الوسيلةَ إليه، ولا سبيلَ إلى هذا إلا بمعرفةِ أسمائِه وصفاتِه الواردةِ في القرآنِ الكريمِ والسُّنّةِ المطهَّرة، وكلَّما كان العبدُ أعلمَ بها، كان باللهِ أعرَفَ، وأطلَبَ، وإليه أقربَ، فأسماءُ اللهِ الحُسنى وصفاتُه العُلا تملأُ القلبَ تعظيمًا له -سبحانه- وإجلالًا، وخضوعًا، وتذلُّلًا، ورهبةً منه وخوفًا، وأنَّه -سبحانه- لا مَلجأَ منه إلا إليه، فحينَئذٍ لا يصمُدُ العبدُ في حاجاتِه ودعائِه إلَّا إليه وحدَه، دونَ مَنْ سواه، كائنًا من كان.
إخوةَ الإسلامِ: معرفةُ أسماءِ اللهِ الحُسنى تملأُ القلبَ مراقبةً للهِ -عزَّ شأنُه- مراقبةً شديدةً في الحركاتِ والسكناتِ، وتقودُ العبدَ إلى التقرُّبِ إليه بالمسارعةِ إلى الطاعات، والبعدِ عن المنهيَّات، قال -جلَّ وعلا-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[الْأَعْرَافِ: 180]، وقال -سبحانه-: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[طه: 8]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ للهِ تسعةً وتسعينَ اسمًا، مَنْ أحصاها دخلَ الجنةَ"(متَّفَقٌ عليه). ومعنى إحصائِها: حفظُها ألفاظًا، وفهمُ معانيها ومدلولاتها، والعملُ بمقتضاها وأحكامِها، وأن يُثبِتَ العبدُ للهِ -جلَّ وعلا- ما أثبتَتْه نصوصُ القرآنِ والسُّنَّةِ من الأسماءِ والصفاتِ على ظاهرِها اللائقِ بكمالِ اللهِ -سبحانه-، مِنْ غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تمثيلٍ ولا تكييفٍ بكيفٍ يَعقِلُه البشرُ؛ إذْ لا يعلمُ كيفيةَ ذاتِه وصفاتِه إلا هو -سبحانه-، فذلك ممَّا استأثرَ اللهُ بعلمِه، فلا سبيلَ إلى الوصولِ إليه، وإنَّما نُثبِتُ للهِ كمالًا مُطلَقًا، قال -جلَّ وعلا-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشُّورَى: 11]، وقال -سبحانه-: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)[مَرْيَمَ: 65]، و(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الْإِخْلَاصِ: 4]، فهو الإلهُ الجامعُ للأسماءِ الحُسنى، ولصفاتِ الكمالِ والجَمالِ، ونعوتِ العظمةِ والجلالِ.
ومن ذلك أيضًا أنْ ينفيَ العبدُ عن ربِّه ما وردَ نفيُه في النصوصِ، مع إثباتِ كمالِ ضدِّ ذلك؛ فَنفيُ الظلمِ عنه يتضمَّنُ كمالَ عدلِه، ونفيُ العجزِ عنه يتضمَّنُ كمالَ علمِه وقدرتِه، وعلوَّ شأنِه.
فيا أيها المسلمون: لا بدَّ من معرفةِ أسماءِ اللهِ -جلَّ وعلا- لفظًا ومعنًى ومدلولًا، والتعبّدِ له -عزَّ شأنُه- بمقتضاها، ودعاءِ اللهِ -جلَّ وعلا- بها دعاءَ الثناءِ والعبادةِ، ودعاءَ المسألةِ والطلبِ؛ ففي دعاءِ العبادةِ: إذا عَلِمَ العبدُ أنَّ اللهَ هو القويُّ المتينُ العزيزُ الحكيمُ، توكَّلَ على ربِّهِ وحدَه، وركنَ إلى خالقهِ وحدَه، وقطعَ الالتفاتَ إلى غيرِه من المخلوقاتِ، وهكذا، متى عَلِمَ أنَّ ربهُ توَّابٌ رحيمٌ غفورٌ حليمٌ سارعَ بالتوبةِ إلى ربهِ والإنابةِ إلى خالقهِ، ومتى عَلِمَ أنَّهُ الرقيبُ الشهيدُ السميعُ البصيرُ اللطيفُ الخبيرُ، أوجبَ له ذلك الخوفَ من معصيةِ ربهِ، وأوجبَ له الخشيةَ من إلهِه.
وأما دعاءُ المسألةِ والطلبِ: فيدعُو الإنسانُ ربهُ بما يناسبُ حاجتَه التي يدعو إليها؛ كأن يقول: يا رحمنُ ارحمْني، يا غفورُ اغفرْ لي، يا توَّابُ تُبْ عليَّ، يا رزّاقُ ارزُقْني؛ ولهذا كان أكثرُ دعاءِ الأنبياءِ المناداةَ بـ (يا ربَّنا)؛ لأنَّ إجابةَ الداعينَ، وإعطاءَ السائلينَ، وغياثَ المستغيثينَ كلُّ ذلك من معانِي الربوبيّةِ للهِ -جلَّ وعلا-، فهو -سبحانه- المتصرِّفُ القادرُ المدبِّرُ الرَّزَّاقُ المعطي المانعُ.
-جلَّ وعلا- الإلهُ الذي لا يُسألُ إلا هو، ولا يُستغاثُ إلا به.
اللهمَّ ارزقْنا العلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ، واجعلْنا هداةً مهتدينَ غيرَ ضالينَ ولا مضلينَ.
(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[الْإِسْرَاءِ: 110].
اللهمَّ هَبْ لنا علمًا تَرضَى به عنا، سبحانَك لا نحصي ثناءً عليكَ، أنتَ كما أثنيتَ على نفسِكَ.
اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على نبينا ورسولنا محمّدٍ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ، حمدًا لا يَنْفَدُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةَ منْ أفرَدَه بالألوهيةِ، وله وحدَه تَعَبَّدَ،
وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، أفضلُ مَنْ لخالِقِهِ عظَّم ووحَّد، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدِك ورسولِك نبينا محمّدٍ صلاةً لا تنتهي ولا تنفدُ.
أما بعدُ، فيا عبادَ الله: اتقوا اللهَ وأطيعوه؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وقاهُ الشرورَ والسيئاتِ في كلِّ الأحوالِ والأوقاتِ.
وأكثِرُوا من الصلاةِ والسلامِ على النبيِّ الكريمِ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آلهِ وأصحابِه ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللهمَّ لا تَدَعْ لنا ذنبًا إلَّا غفرتَه، ولا همًّا إلَّا فرَّجتَه، ولا كَرْبًا إلَّا نفَّسْتَه، ولا يسيرًا إلَّا يَسَّرْتَه، ولا عدوًّا إلَّا كَبَتَّهُ، ووقيتَنا شرَّه، اللهمَّ ارضَ عنَّا وعن المسلمينَ.
اللهمَّ وَفِّقْ وليَّ أمرِنا ونائِبَه لِمَا تُحِبُّه وتَرضاه، يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
اللهمَّ أغِثْنا، يا غنيُّ يا رحيمُ، يا غنيُّ يا حميدُ، يا غنيُّ يا قويُّ يا متينُ، اللهمَّ أغِثْنا وأغِثْ ديارَنا، اللهمَّ أغِثْنا وأغِثْ ديارَ المسلمين، يا أرحمَ الراحمين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم