أ. د. إسماعيل علي محمد
الأُخُوَّة أو الإِخَاء: رابطةٌ متينة موثقة، تجمع بين طرفين أو أكثر، تتصف بالدوام والملازمة، وتنشأ بسبب النسب أو الرضاع، أو الدِّين، أو الاشتراك في القبيلة أو الوطن، أو المقاصد والأعمال، ونحو ذلك من الأسباب[1].
أما الأخوة الإسلامية: فهي رابطة شرعية ربانية، وثيقة دائمة، تجمع بين كل مسلم وجميع المسلمين في كل ناحية وجزء من العالم.
إنها رباط متين منعقد لا ينحل، وعروة وثقى لا تنفصم، وصلة أبدية لازمة مستمرة لا تنقطع، مبنية على المشاركة في الدِّين، تؤلف بين كافة المسلمين وتنتظمهم حيثما وجدوا.
إنها عقد وثيق؛ أطرافه جميع المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وسلم، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون البيت الحرام، ويؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره..
يقول ابن الجوزي: "اعلم أن المعنى الجامع بين المسلمين الإسلام، فقد اكتسبوا به أخوة أصلية، ووجب عليهم بذلك حقوق لبعضهم على بعض"[2].
فأساسُ الأخوة الإسلامية هو الإسلام، وجوهرها هو الإيمان، وحقيقتها الارتباط بهذا الجوهر وذلك الأساس.
وآفاقها رحبة؛ تمتد مع أحقاب الزمان فتشملُ جميع المسلمين عبر العصور، وتمتد مع آفاق المكان وتتخطى جميع الحدود، فتنتظم كافة المسلمين على وجه البسيطة.
وتتجلى لنا هذه الآفاق الرحيبة للأخوة الإسلامية، التي تتجاوز آماد الزمان وأرجاء المكان، حينما نطالع في القرآن العظيم وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
فقي التنزيل العزيز يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [سورة الحشر: 10].
وعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال - مخاطباً أصحابه رضي الله عنهم -: "وددت أنا قد رأينا إخواننا"، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد..." الحديث[3].
مشروعية الأخوَّة الإسلامية:
وهذه الأخوة الإسلامية ليست حلفا بشرياً ولا تجمعا عرقياً، ولا تكتلا أنشئ في زمان مضى بفعل طروف عارضة، ثم صار تقليدا أو عادة موروثة... كلا، بل هي تشريعٌ رباني، ومبدأ إسلامي، ورابطة أنشأها الله عز وجل وشرعها، وصلةٌ أمر الله تعالى أن توصل، وعقد شرعي لا يسع مسلماً أن يتحلل منه أو يتخلف عن المشاركة فيه، والقيام بحقوقه وواجباته ورعايتها على النحو الذي شرعه الله تعالى في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]. "ومعنى ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ أي: صرتم بنعمة الإسلام أخواناً في الدين"[4].
فالله تعالى هو الذي صيَّر المسلمين بالإسلام إخوانا، بعد أن كانوا قبله طرائق قددا، كما جعل سبحانه الكفار الذين أسلموا وصاروا مؤمنين إخوانا للمسلمين، تظللهم راية الأخوة الإسلامية، فقال جل شأنه: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة: 11].
[1] أصل كلمة (أخ) - كما في كتب اللغة -: "أخوٌ - بفتح الخاء - لأنه جمع على (آخاء) مثل آباء، ويجمع أيضاً على (إخوان)، وعلى (إخوة) بكسر الهمزة وضمها أيضا، وأكثر ما يستعمل (الإخوان) في الأصدقاء و(الإخوة) في الولادة". (مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (المتوفى 666هـ) ص 14، المكتبة العصرية، صيدا - بيروت، ط الخامسة 1420هـ 1999م).
والأخُ "هو المشارك آخر في الولادة من الطرفين أو من أحدهما، أو من الرضاع، ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة أو في الدِّين، أو في صنعة أو في معاملة أو في مودة، وفي غير ذلك من المناسبات". (المفردات في غريب القرآن، الحسين بن محمد، المعروف بالراغب الأصفهاني ص 13 مكتبة الأنجلو المصرية 1970م).
"وقال بعض النحويين: سمي الأخ أخا لأن قصده قصد أخيه، وأصله من وخى أي قصد، فقلبت الواو همزة.
وآخى الرجل مؤاخاة وإخاء ووخاء، وتقول: بيني وبينه أخوة وإخاءٌ، وتأخيت أخا: أي اتخذت أخاً. وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، أي ألف بينهم بأخوة الإسلام والإيمان، والإخاء: المؤاخاة والتأخي، والأخوة: قرابة الأخ، والتأخي اتخاذ الإخوان.
والأخية والأخية، والآخية - بالمد والتشديد - واحدة الأواخي: عودٌ يُعرض في الحائط ويدفن طرفاه فيه، ويصير وسطه كالعروة تُشدُّ إليه الدابة؛ وقيل: هو حبل يُدفن في الأرض ويبرز طرفه فيشد به. وتأخيت أنا اشتقاقه من آخية العود، والأخية أيضاً: الحرمة والذمة، تقول: لفلان أواخي وأسباب تُرعى". (لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري 14/ 22 - 24 باختصار، دار صادر - بيروت، ط الثالثة 1414هـ 1994م. ويُرجع - أيضا -: تاج العروس، محمد مرتضى الزبيدي 10/ 10 - 11، المطبعة الخيرية - مصر 1306هـ، الصحاح، إسماعيل بن حماد الجوهري 6/ 2246 - 2265، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربي - مصر). والعروة هي المقبض أو الحلقة. "واعتبر من الأخوة معنى الملازمة فقيل: أخية الدابة". (المفردات، ص 13).
[2] التبصرة، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى 597هـ)، ص 273، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط الأولى 1406هـ 1986م.
[3] رواه مسلم في صحيحه. ك الطهارة ب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء 1/ 218 رقم 249. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
[4] الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (المتوفى 671هـ) 4/ 164، تحقيق أحمد البردوني، إبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط الثانية 1384هـ 1964م.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم