خطبة عيد الأضحى 1446

منصور محمد الصقعوب

2025-06-06 - 1446/12/10 2025-06-02 - 1446/12/06
التصنيفات: الأضحى
عناصر الخطبة
1/شكر نعمة بلوغ مواسم الطاعات 2/عيد الأضحى والتسليم لله رب العالمين 3/التسليم للأحكام الشرعية وعدم معارضتها 4/من سنن الأضحية وآدابها 5/أفضل أيام العام.

اقتباس

في عيد الأضحى يتجلّى مَعْلمٌ من أشرف المعالم، وهو مَعلمُ التسليمِ لله. إن المقيمين يهرقون الدماء استجابةً لله، والحجاجَ في المشاعر يقيمون الشعائرَ، فيرمون الجمار، ويذبحون الهدي، ويبيتون في مكان، ويطوفون في آخر، ويرمون حجراً بحجر، كل هذا امتثالٌ لرب البشر، الخالقِ الذي أمر وشرع، وقدّر الأحكام لحِكَمٍ....

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، إله الأولين والآخرين ومدبر الأمور وكاشف الضر والبلوى، هو العظيمُ في ملكه، الحكيمُ في تدبيره، اللطيف في قضائه، لا تخفى عليه خافية ولا يعجزه شيء، وهو عالم السر والنجوى.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى.

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المؤيَّدُ بالوحي من السماء، والنبي المجتبى، والرسول المصطفى، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحابته أولي البصائر والنهى.

 

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

الله أكبر عدد ما لبَّى حاجّ وكبَّر، الله أكبر عدد ما خَلق من الخلق وصوّر، الله أكبر كبيراً.

 

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، واذكروا أن بلوغ مواسم الطاعات والمرءُ من ضمن الشهود، نعمةٌ وأي نعمة، فاحمدوه أن بُلِّغتم الموسمَ، والأبدانُ صحيحةٌ، والقوى باقيةٌ، والأمنُ محفوظٌ، والدينُ تامٌّ، ولَيومٌ يُمَدُّ في العمر لهو غنيمةٌ لمن قدّم فيه صالحاً يجده يوم أن يلقى ربه.

 

عباد الله: في عيد الأضحى يتجلّى مَعْلمٌ من أشرف المعالم، وهو مَعلمُ التسليمِ لله.

إن المقيمين يهرقون الدماء استجابةً لله، والحجاجَ في المشاعر يقيمون الشعائرَ، فيرمون الجمار، ويذبحون الهدي، ويبيتون في مكان، ويطوفون في آخر، ويرمون حجراً بحجر، كل هذا امتثالٌ لرب البشر، الخالقِ الذي أمر وشرع، وقدّر الأحكام لحِكَمٍ، وإن غابت عنا، كل هذا وهو غنيٌّ واللهِ عنا، غنيٌّ عن أضاحينا، وعن حجّنا وعن سائر طاعاتنا، ولكن يناله التقوى منا، يريد ذلك لنا، يبتلينا ليرفعَنا ويأجُرَنا.

 

 هو -سبحانه- يرانا، ويريد منا أن تتعلق به قلوبنا، لا تظنوا -يا مؤمنون- أن الطاعات هي بصورها الظاهرة، بل الطاعات لها لبٌّ وهو القلب، أن يكون القلب لله، وإلا فأعمالٌ بكبرٍ وبترفّع وبعُجبٍ وبرياء هي أعمالٌ إلى كونها وبالاً أقربُ من كونها طاعات.

 

وإذا تقرر هذا فكم نحتاج إلى درس التسليم تُجاه كل أوامر الدين، فالله خالق الخلق ولن يأمرهم أو ينهاهم إلا وفي ذلك صلاحهم، نقول هذا في زمنٍ صِرتَ تسمعُ من يهوّن من شأن الأمر والنهي، ويشكك في الشريعة، بحججٍ واهية، ويجادل في الأوامر ويبحث عن المخارج لتركها، ويقينُ المسلمِ أن المشرِّعَ هو الذي خلق، والله أعلم بما يُشَرِّع.

 

كم نحتاج إلى أن نوطن أنفسنا على التسليم تُجاه الأحكام، وإن خالفت الهوى والرغبة، فإن كنا لا نتعبد إلا بما يوافق رغبتنا فأين معنى العبودية إذن؟! فنحن عبيد الله، واللهُ في الدنيا يختبرنا، فهل يليق بنا أن نخالف في الاختبار؟!

 

وهكذا كان السلف السابقون، إذا جاء النصّ عن ربهم أو عن نبيهم توقفوا، فلا مِراء ولا اعتراض؛ لأن الشارعَ الله، واللهُ حكيم.

 

جاءهم تحريمُ الخمرِ وقلوبهم مغمورةٌ بحبّها، وأجوافهم مملوءةٌ بها؛ فما ترددوا في إهراقها، فما غربت الشمس حتى جرت سكك المدينة بما أراقوا.

 

جاء النساءَ الأمرُ بالحجاب فما جاوزن مكانهن حتى شققن مروطهن وغطّين وجوههن، ومن لم يكن معها أعطتها أختها.

 

قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَعَسَى أَنْ لَا يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلَّا مَرَّةً، حَتَّى نَفْعَلَهُ". لا تردُّدَ ولا تلكؤ، بل تسليمٌ وامتثال.

 

غَضِب ابن عمر على ابنه أشد الغضب حين نقل له نهياً نبوياً فعارضه، فقال ابن عمر لابنه: "أُحدّثك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعارضه، والله لا كلمتك أبداً".

 

ويُلقِي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- خاتمَ أحدهم -وقد كان مِن ذهب- في الأرض، وقال: "يعمد أحكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده!"، وحين مضى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الناس له: "خذ خاتمك انتفع به"، فقال بكل تسليم: "لا والله لا آخذه أبداً، وقد طرحه النبي -صلى الله عليه وسلم-".

 

فكم نحتاج -يا مؤمنون- إلى أن نُربّي قلوبنا على تعظيم الأوامر، وبوابةُ ذلك تعظيم الآمر وهو الله، فمن قدَر الله حق قَدْره، مَن أحب ربّه، مَن خافه وخشيه، مَن علم أن الخير كله إليه، وأنه أرحم به من والديه، سيطيع أمره وينتهي عند نهيه.

 

 اللهم وفقنا لطاعتك وقدرك حق قدرك. اللهم صلِّ على محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:

 

أما بعد: والتسليم يتجلى في الأضاحي، فالمسلم يضحّي في وقت محدد، وللأضحيةِ عمرٌ وجنس وأوصافٌ محددة، والمسلم يمتثل هذا، يرجو من ربه الأجر، ويسلم لله الأمر، ويعلم أن الله يناله التقوى منا، فما أروع التسليم.

 

وبعد: وفي سياق الحديث عن الأضاحي فإن مما ينبغي التذكيرُ به لكل مُسْلِمٍ مُسَلِّم أن يُحسِن الذبح، بحدّ الشفرة، والرفقِ بالذبيحة وإضجاعها على جنبها الأيسر، وأن يتولاها من يُحسِن، والسنةُ أن يكون أولَ ما يأكله المسلم هذا اليومَ مِن أضحيته، وأن يتصدق وأن يهدي منها، وأن يتولى ذبحها بنفسه، أو يحضُرَها عند الذبح، ولا يعطي جازرها أجرته منها، بل من عنده.

 

ويجب أن يسمي عند ذبحها، ويستحب أن يضيف التكبير، فيقولَ: "بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عنّي وعن أهل بيتي، أو يسمّي من نواها له"، ولو اكتفى بالتسمية أجزأه، وإن ترك التسمية عمداً لم تحلّ، وإن نسي أن يُسمّي فعند جمهور العلماء فإن الذبيحة يحلّ أكلها.

 

وليس له أن يبيع شيئاً من الأضحية مِن لحمها ولا جلدها؛ لأنها مما أخرجه لله -تعالى-.

وليذكر المضحي وهو يضحي قول الحق -سبحانه-: (لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج: 37] فلتطب نفسه بها، ولا يستكثر ما دفع فيها، فإنها تقع عند ربه موقعاً.

 

ضحوا فإن لحومها ودمائها  *** سيناله التقوى بلا نقصان

العيد أضحى فالدماء رخيصة ***  مُهراقة للواحد الديان

 

عباد الله: يومكم هذا هو خاتمة العشر، قال جمع من أهل العلم: إنه أفضل أيام العام، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ".

 

وتليه أيام التشريق، وهي أيامٌ أكل وشرب وذِكْر لله، فاعْمُر -يا مُوفَّق- أيامك بذكر الله بكل صيغة، وداوم على اللهج بالتكبير فيها في أدبار الصلوات، وفي كل الأوقات.

 

واذكر أن من القربات والطاعات في هذه الأيام صلةَ الأرحام، فأنت في أيام عيدٍ وصلة، وأيامِ طاعة وقُربة، فصفِّ اليوم قلبك، وصِل اليوم رحمك، واحتسب في ذلك خُطاك، ومن لم تصله الأقدام فليصله منك الكلام والسلام.

 

أيها المسلمون: يا مَن حنّتم قلوبهم للمشاعر، وودوا لو أنهم مع المُلَبِّين، أبشروا فربكم كريم، يعطي على النوايا الصادقة ما يعطي على العمل، وحين تعذَّر عليك الوصول، فربك قريب، يسمعُ دعاءك، ويرى مقامَك أينما حللت، ولئن كان الحجاج اليوم ينحرون هديهم فأنتم اليوم تذبحون أضاحيكم، وما تدري حين حُرِمت الحج هذه السَّنَة عن حِكمة الله، فتدبيره كله خير، واختياره فيه الخيرة دنيا وآخرة، فارض بقدره، وسله القبول.

 

فامضوا اليوم لعيدكم، وأبشروا وأمّلوا الخير من ربكم، واحمدوه أن خصّكم فجعلكم مسلمين، آمنين، مطمئنين.

 

أسأل الله أن يتقبل منكم هديكم، وأن يغفر زللكم.

اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات