خطبة عيد الفطر 1446هـ - العيد مناسبة للإخاء وتوحيد القلوب

الشيخ د عبدالرحمن السديس

2025-03-31 - 1446/10/02 2025-04-06 - 1446/10/08
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/الفرحة بمناسبة عيد الفطر المبارك 2/الحث على نشر المودة والإخاء ونبذ الفرقة والشحناء 3/مميزات العيد في الإسلام 4/من سنن العيد وآدابه 5/من علامات قبول العمل 6/وصية للأخوات المسلمات الكريمات 7/لزوم الجماعة قوة وأمان من الفتن

اقتباس

عبادَ اللهِ: فبشراكم، يا بشراكم، ويا هناءكم، وهنيئًا لكم يا من صمتُم وقمتُم، بشراكم يا مَنْ تهجدتُم وتصدقتُم، فقد زال التعب والنَّصَب، وثبَت الأجرُ إن شاء الله، فهذا يوم الجوائز السَّنِيَّة، فهنيئًا للفائزينَ، هنيئًا للفائزينَ، جعلَنا اللهُ وإيَّاكم منهم بمنِّه وكرمِه...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمدك ربنا ونستعينك، ونستغفرك ونتوب إليك، ونُثني عليكَ الخيرَ كُلَّه.

 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، الله أكبر، وله الثناء مؤرَّجًا وجميلًا، الله أكبر ما هتفت به مهج الموحدين، وسبحته طويلًا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شرع لنا المواسم والأعياد؛ لتحقيق المصالح للعباد، في أمور المعاش والمعاد، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، خير العباد، وأفضل العُبَّاد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، إن رمتم من الأمجاد غاياتها، ومن رحمات الهداية نهاياتها؛ (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[النُّورِ: 52]، من يتق الله يجعل عسره يُسرًا، ويعظم الله بالتقوى له أجرًا.

 

معاشرَ المسلمينَ في مشارق الأرض ومغاربها: أتدرون أي يوم هذا؟ وأي مكان هذا؟ أتعلمون أي مناسَبة هذه؟ في محاور شرف الزمان والمكان والمناسَبة؟ إنها مناسَبة عظيمة، لها مكانتها القويمة، ومنزلتها القديمة؛ إنها مناسَبة عيد الفطر المبارَك، فوح العطر، بعيد الفطر.

 

أيها المسلمون: عيدكم مبارك، وتقبَّل اللهُ منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام أنتم بخير، أعاده الله علينا وعلى ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وبلادنا، والأمة الإسلاميَّة بالخير واليُمْن والبركات.

 

ها قد امتن الله عليكم ببلوغ هذا اليوم السعيد، فافرحوا بعيدكم وابتهجوا، فالفرح بالعيد سُنَّة المسلمين، وشعيرة من شعائر الدين، شرع في العيد إظهار السرور والأفراح، لا إشهار الأحزان والأتراح، فانشروا السعادة، وازرعوا الابتسامة، وأشيعوا الحبور والبهجة، واجبروا الخواطر، وراعوا المشاعر، جبر الخواطر ذاك دأب أولي النهى، وترى الجهول بكسرها يتمتع.

فاجعل كلامَكَ بلسمًا فيه الشفا *** لا مشرطًا يُدمِي القلوبَ ويُوجِعُ

 

ولترفرف رايات الابتهاج على الأسر والبيوتات، والأسواق والطرقات، بددوا غيمة الأحزان، وروحوا الأبدان، ومَنْ توسَّم بحُسْن زكنه سعادة حقيقيَّة، وأملا واستبشارا، وفرحًا أبديًّا قولًا وفعلًا، تراءى له منهل أعذب من البارق، وأصفى من جنى النحل الوادق، وما هذا المنهل العذب إلا تلك الجمانات النيرات، من سيرة حسن الشمائل والصفات، عاطر النفحات خير البريات، نبينا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، عليه أفضل الصلوات وأزكى التحيات، الذي جاءنا بالهدى المتلألئ الوضَّاء، في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتدففان، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- متغش بثوبه، فانتهرهما أبو بكر -رضي الله عنه-، فكشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن وجهه وقال: "دعهما يا أبا بكر، فإنَّها أيام عيد"، وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "واللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، ‌يَسْتُرُنِي ‌بِرِدَائِهِ ‌لِكَيْ ‌أَنْظُرَ ‌إِلَى ‌لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ".

 

أيها المؤمنون: في هذا اليوم السعيد المبارَك، أدركوا مغزى العيد وحكمه وأسراره، واسعوا على أنفسكم وأولادكم، وأَدخِلُوا السرورَ على أهليكم وجيرانكم وأقاربكم، وقد سئل -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل الأعمال فقال: "سرور تُدخِلُه على مؤمن"(أخرجه البيهقي)، طهِّروا قلوبَكم من الغل والحقد والحسد والكراهية، والشحناء والبغضاء، واقبلوا المعذرة، وأقيلوا العثرة، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا.

 

عيدنا أهل الإسلام عيد فرح وسرور وصلة، وليس عيد قطيعة وضغينة، صلوا أرحامكم، وتزاوروا وتواصلوا مع من بعد عنكم بوسائل التواصُل الحديثة؛ فهذا يوم التواصُل والتزاور والتراحم، والتصالح، والتغافل والتغاضي.

 

اصفحوا عمن زلَّ وأخطأ، واعفوا عمَّن ظلَم وأساء، هذا يوم الأُخُوَّة، والترابط والتلاحم، والتعاضد والتراحم، وتقوية الروابط الأُسريَّة، والوشائج الاجتماعيَّة، ونشر القِيَم الدينيَّة والإنسانيَّة، وتلكم هي الشعيرة التي احتفى بها الإسلام أيما احتفاء، فوطدتها، وعززها ووتدها، أليست هي عماد القوة والمنة؟! ونعمت النعمة والمنة بعدَ العقيدة والتوحيد، الذي من أجله أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56]، وقال -جل جلاله-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 103]؛ وذلك لما يترتب على الاتحاد من المحبة والوداد، واستئصال السخائم والأحقاد، فحققوا توحيدكم، والزموا هدي نبيكم، ومنهج سلفكم، أقيموا صلاتكم، وأدوا زكاتكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

أيها المسلمون: هذا العيد شرعه الله لنا بعد عبادة الصوم لنفرح به بعد تمام الصيام والقيام، وقد أديتم زكاة الفطرة طيبة بها نفوسكم، وهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، قال -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 185].

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا.

 

وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه يلبس في يوم العيد أفضل ما يجده من الثياب، وكان عليه الصلاة والسلام يخرج في العيدين، رافعًا صوته بالتهليل والتكبير، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا غدًا يوم العيد يجهر بالتكبير، ثم يأتي المصلى ويكبر، حتى يأتي الإمام.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

عن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمرَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن نُخرِج العواتقَ وذواتِ الخدور والحُيَّضَ، يوم الفطر ويوم النحر، يشهدنَ الخير ودعوة المسلمين"(أخرجه الإمام أحمد في المسند).

 

الله أكبر، هذا دينُنا، دينُ اليُسر والتسامح، وهذه شريعتنا الغرَّاء، شريعة السماحة والرحمة، والوسطية والاعتدال، فلا تطرف، ولا غلو ولا جفاء؛ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)[الْبَقَرَةِ: 143]، إنها النور المتلألئ المشرق، وصدق رب العالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 107].

 

إخوةَ الإسلامِ: التهنئة بالعيد تزيد المودَّة، وتُوثِّق المحبةَ، ويشرع التهنئة في العيد بقول: "تقبل الله منا ومنكم"، ونحوها، عن واثلة بن الأسقع قال: "لقيتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يوم العيد، فقلتُ: تقبَّل اللهُ منَّا ومنكَ، فقال: تقبَّل اللهُ منَّا ومنكَ"(أخرجه البخاري).

 

أُمَّةَ الإسلامِ: الإسلام دين السعة والسماحة واليسر والسهولة، والتسامح، والتعايش، والحوار والإنسانيَّة؛ لذا سطَع برهانُه، ونجَم في العالمينَ سلطانُه؛ لأنَّه حوى غاية السماحة والتيسير، والبُعْد عن التعنُّت والتعسير، فأظهِرُوا ذلك -يا رعاكم الله-، بالأقوال والأعمال، كونوا دعاةَ صدقٍ بحُسْن الكلام؛ (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)[الْبَقَرَةِ: 83]، والكلمة الطيبة صدقة، وجميل الفعَّال، وانشروا الأمل والتفاؤل؛ اقتداء برسولكم -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد كان يعجبه الفأل الحسن، عن أنس -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ويعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الطيبة"(مُتفَق عليه)، وكان إذا بعث بعض أصحابه في أمر يوصيهم بقوله: "بشروا، ولا تنفروا، ويسروا، ولا تعسروا"(رواه مسلم).

 

وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة، والنصر والتمكين في الأرض"(أخرجه الإمام أحمد في المسنَد).

 

أُمَّةَ الإسلامِ: الزموا الاستقامةَ، لا تهجروا الطاعاتِ بعد رمضان، واستصحِبُوا نشاطَكم فيه لِمَا بعدَه، واطرحوا عن نفوسكم الكسلَ والونى، وخذوا بأسباب الفَلَاح والنجاح من التوكُّل والِجدّ والاجتهاد، فغوالي الأماني لا تُدرَك بالتواني، وأنَّى يُدرِك العوالي الفدمُ العاني؟!

 

وإن الثبات على الطاعة والتقوى لمن علامات قَبول العمل، قال الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل"، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر"، فاحرصوا على صيامها، وتواصوا بذلك، وصلوا الطاعة بالطاعة، تكونوا -بإذن الله- من المقبولين.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

 

أيتها الأخوات الكريمات: أنتنُّ في الإسلام درر مصونة، وجواهر مكنونة، وأنفس من اللآلئ المكنونة، تخلقن بالحياء، وتحلين بالعفة والحجاب والاحتشام، واغضضن من أصواتكن، وتصدقنَ وأكثرنَ الاستغفارَ، ولا تَكفُرنَ العشيرَ، وكُنَّ خيرَ أعوان لأزواجكنَّ على الطاعة، اجتهِدُوا جميعًا في تربية الجيل والأولاد، وفلذات الأكباد، وحصنوهم من الفتن، والانحرافات العقديَّة، والفكريَّة، والسلوكيَّة؛ ليواجهوا التحدِّيات والمتغيرات بإيمان راسخ، وعزم أكيد.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

 

عيدكم مبارك -أيها المسلمون- وتقبَّل اللهُ منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير.

 

والله المسؤول أن يعيد علينا هذا العيد أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في خير وصحة وحياة سعيدة، وأن يجعلنا من المقبولين، العائدين، الفائزين، إنه سميع قريب مجيب، بارَك اللهُ لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفعني وإيَّاكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات، من كل الآثام والخطيئات، فاستغفروه، إنه كان غفَّارًا، وتوبوا إليه إنه كان توَّابًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر.

 

الحمد لله، أسبَغ علينا نعمًا غامرةً عظامًا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، تقدَّس إجلالًا وإعظامًا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، المجتبى من العالمينَ رسالةً ومقامًا، اللهمَّ صلِّ على نبينا وحبيبنا وقدوتنا، محمد بن عبد الله، وآله البالغين من محبته السناما، وصحبه المقتفينَ لسُنَّته اعتصامًا، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ، ما تعاقب النيران، ودامَا.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، وتمسكوا جميعًا بكتاب ربكم، وسنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- تفلحوا، فخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

 

أُمَّةَ الإسلامِ: إنَّ من منارات الاهتداء لزوم الثوابت الشرعيَّة، والقيم المرعية، والاعتصام بالوحدة والجماعة، وما تقتضيه من السمع والطاعة، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ‌لَنْ ‌تَجْتَمِعَ ‌أُمَّتِي ‌عَلَى ‌ضَلَالَةٍ ‌فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ" أخرجه الترمذي والطبراني بسند صحيح.

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا *** منه بعروته الوثقى لمن دانَا

كم يدفع اللهُ بالسلطان معضلةً *** في ديننا رحمة منه ودنيانا

لولا الإمامةُ لم تَأْمَنْ لنا سُبُلٌ *** وكان أضعفُنا نهبًا لأقوانا

 

بلزوم الجماعة والإمامة يتحقق الأمن والأمان، وهما نعمة ما أعظمها من نعمة، وأكرمها من منحة ومنة، ولقد امتن الله -تعالى- على بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربيَّة السعوديَّة، بنعمة الأمن والأمان، فقال -سبحانه-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)[الْعَنْكَبُوتِ: 67]، وبنعمة الوحدة والتوحيد، فاستحكام الأمن في البلد الحرام عقيدة راسخة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.

 

وتحقَّق ذلك وتأكد منذ عهد التأسيس، إلى عهد الإمام الموحِّد، والملك الصالح عبد العزيز بن عبد الرحمن -طيَّب اللهُ ثراه- في ظل وارف من راية الاجتماع والائتلاف، ومنأى عن غائلة الفرقة والخلاف.

 

وفي عصر التطوير والرؤية والحوكمة والاستدامة والبناء، والإعمار والتنميَّة وأنسنة الحياة وجودتها، وتحقيق مستهدفاتها، على يد شبابها، وفتياتها، برعاية وريادة ولي عهدها -حفظه الله-، وتعزيز ولائها وانتمائها تزداد وتزدان مملكتنا الشمَّاء بالوحدة والرخاء، والأصالة والمعاصَرة، والتقدُّم والرؤية والازدهار، وهي التي تتمتع -بفضل الله- بالثِّقَل الإسلامي، والعربيّ، والعالميّ، والعمق الإستراتيجيّ والتاريخي، والمكانة الدوليَّة المرموقة، ولله الحمد والمنة، زادها الله وحدة وتماسكا ورخاء، وحفظ عليها عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، واستقرارها، ورخاءها وازدهارها، إنه جواد كريم.

 

وبعد، عبادَ اللهِ: فبشراكم، يا بشراكم، ويا هناءكم، وهنيئًا لكم يا من صمتُم وقمتُم، بشراكم يا مَنْ تهجدتُم وتصدقتُم، فقد زال التعب والنَّصَب، وثبَت الأجرُ إن شاء الله، فهذا يوم الجوائز السَّنِيَّة، فهنيئًا للفائزينَ، هنيئًا للفائزينَ، جعلَنا اللهُ وإيَّاكم منهم بمنِّه وكرمِه.

 

ومن فضل الله على بلادنا ما شرفها الله به من خدمة الحرمين الشريفين واستكمال توسعاتهما التاريخيَّة، وما نعم به المعتمرون والقاصدون، من أجواء إيمانيَّة عظيمة، وخدمات مميزة جليلة، فلله الحمد والشكر أولًا وآخِرًا، وباطنًا وظاهرًا، وجزى الله خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين خير الجزاء وأوفاه، على جهودهم العظيمة في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، ومناصرة قضايا الإسلام والمسلمين، وعلى رأسها قضية فلسطين والأقصى، والسعي في إحلال الأمن الدوليّ، والسلام العربيّ والعالميّ، فالحمد لله، ثم الحمد لله، والله أكبر كبيرًا.

 

عيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بخير، وتقبَّل اللهُ منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وبلادنا والمسلمون ينعمون بالخيرات والمسرات، في أمن وأمان وسكينة واطمئنان.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

 

هذا وامتثِلُوا -رحمكم الله- أمرَ ربِّكم الذي أثابكم به أجرًا عظيمًا، وشرفًا عميمًا، فقال -تعالى- قولًا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهمَّ صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وخلفائه الراشدين، ذوي الشرف الجلي؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.

 

اللهمَّ أَصلِحْ ذاتَ بينِ المسلمينَ، واجمع كلمتَهم على الكتاب والسُّنَّة، يا ذا العطاء والفضل والمنة، وارزقهم الْهُدَى والتقى، والعفاف والغنى، ووفقهم للوحدة والوئام، والاعتصام والسلام، وجنبهم بمنك وكرمك الشرور والآثام، واهدهم سبل السلام.

 

اللهمَّ اغفر وارحم لمؤسس هذه البلاد المباركة، واجزه خير الجزاء وأوفاه، اللهمَّ وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، يا كريم يا عزيز، للبر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، وأسبغ عليه لباس الصحة والعافية، ووفقه وولي عهده محمد بن سلمان يا ديان، يا منان، إلى ما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، وإلى ما فيه الخير والرشاد، للبلاد والعباد، وارزقهم البطانة الصالحة، التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، اللهمَّ واشملهم بجميل الألقاب، وزينهم بكريم الأوصاف، وكن لهم على الخير مؤيدًا وظهيرًا ومُعينًا ونصيرًا، واجزهم خيرًا على ما قدموا للإسلام والمسلمين، وللحرمين الشريفين وقاصديهما، واجعلهم قرة عين، ونصرة للإسلام والمسلمين.

 

اللهمَّ أدم الأمن والاستقرار على ديارنا، وعلى بلادنا، واجعلها حائزة على الخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، رائدة في كل المجالات، واجعلها للتوحيد والوحدة دارًا، وللكتاب والسنة منارًا، وللإيمان والسلام مئرزًا وقرارًا.

 

اللهمَّ وفِّقْ جميعَ ولاةِ أمورِ المسلمينَ للحكم بشريعتك، واتباع سُنَّة نبيِّكَ محمد -صلى الله عليه وسلم-، واهدهم مراشد البر والسلام، واجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين، اللهمَّ اصرف عَنَّا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار، ورد عَنَّا كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، وحقد الحاقدين، ومكر الماكرين، وعدوان المعتدين.

 

اللهمَّ لا يُهزَم جندُكَ، ولا يُخلَفُ وَعدُكَ، انصر إخواننا المستضعَفين في كل مكان، واحقن دماءهم، اللهمَّ أنقذ المسجد الأقصى، من عدوان المعتدين، وكيد الصهاينة المحتلين، اللهمَّ اجعله شامخًا عزيزًا إلى يوم الدين، اللهمَّ انصر إخواننا المستضعَفين في فلسطين، وفي كل مكان، اللهمَّ اهزم أعداءهم، وشتت شملهم، وفرِّقْ جمعَهم، واجعلهم عبرة للمعتبرين.

 

اللهمَّ أبرم لهذه الأمر أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعا، اللهمَّ إنَّا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن توفق رجال أمننا والمرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهمَّ تقبَّلْ شهداءهم، وعاف جرحاهم، واشف مرضاهم، وأعدهم سالمين غانمين.

 

(رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، كل عام وأنتم بخير، وتقبَّل اللهُ منا ومنكم صالح الأعمال، وعيدكم مبارك، أعاده الله علينا وعلى ولاة أمرنا، وعلى بلادنا، وعلى أمتنا الإسلاميَّة بالخير واليُمْن والبركات، أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في خير، وصحة، وحياة سعيدة، وعيشة رغيدة، اللهمَّ اجعل عيدنا سعيدًا، وعيشنا رغيدا، وعملنا رشيدًا، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا خير مسؤول، ويا أكرم مأمول.

 

(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، واغفر لنا ولوالِدِينا ووالديهم، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، وعيدكم مبارك، وتقبَّل اللهُ منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

المرفقات

خطبة عيد الفطر 1446هـ - العيد مناسبة للإخاء وتوحيد القلوب.doc

خطبة عيد الفطر 1446هـ - العيد مناسبة للإخاء وتوحيد القلوب.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات