دعوة للإبداع والابتكار

مراد كرامة سعيد باخريصة

2025-08-01 - 1447/02/07 2025-08-13 - 1447/02/19
عناصر الخطبة
1/الإبداع واجب شرعي 2/الفرق بين الإبداع والابتداع 3/من إبداعات النبي -عليه الصلاة والسلام- 4/شخصيات مسلمة من رموز الإبداع العلمي 5/الحث على تشجيع الأبناء على الإبداع ورعاية مواهبهم

اقتباس

شجّعوا أبناءكم على التفكير، واحترموا مواهبهم، وادعموا مشاريعهم الصغيرة، فقد كانت أمة الإسلام يومًا تقود العالم بعقولها لا بعقول غيرها، ويكفينا أن نعلم أنَّ أول من زرع الإبداع في هذه الأمة الأمية هو رسولنا -صلى الله عليه وسلم-...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

عباد الله: لقد كثر الحديث في زماننا عن التقدم والتطور، وذهل كثير من شباب أمتنا أمام إنجازات الغرب واختراعاته، ونسوا أو تجاهلوا أن الإسلام هو أول من شرع أبواب الإبداع، ودعا إلى تطوير الحياة، وأمر بتسخير العقل لما فيه خير الدنيا والآخرة.

 

الإبداع والابتكار -أيها الإخوة- ليسا ترفًا ولا خيارًا، بل هما واجب شرعي وضرورة واقعية، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من سنّ في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده"(رواه مسلم).

 

ولقد عرّف علماؤنا الإبداع بأنه: إيجاد شيء على غير مثال سابق، أو أداء عمل بطريقة متميزة نافعة، وهذا ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعوته، في تنظيم المجتمع، في توجيه أصحابه، وفي بناء الدولة، فالإبداع والابتكار ليسا أمرًا دنيويًا صرفًا، بل هما عبادة إذا أُريد بهما نفع الناس وعمارة الأرض.

 

الإبداع -أيها الإخوة- هو: إيجاد النافع الجديد الذي يوافق الشرع ويخدم الناس من أمور الدنيا، أما الابتداع المذموم، فهو: اختراع عبادة جديدة تخالف ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

 

فلا تخلطوا بين مَن يصنع تطبيقًا طبيًّا أو آلةً زراعية، ومَن يزيد في الدين ما ليس منه، فالإبداع في أمور الدنيا محمود، والابتداع في الدين مرفوض.

 

إن التمييز بين الإبداع المحمود والابتداع المذموم هو مفتاح فهم كثير من النصوص، فالبدعة المذمومة هي التي تخالف الشريعة في أصل العبادة، أما الإبداع في أمور الدنيا فهو مطلوب شرعًا ومحمود عقلًا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"(رواه البيهقي والطبراني).

 

وقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- أول المبدعين، فبنَى مجتمعًا جديدًا على أساس الشورى والعدل، وابتكر أساليب دعوية وإدارية لم يسبقه إليها أحد.

 

فأيّ أجرٍ أعظم من أن تكون سببًا في تطوير فكرة، أو تسهيل حياة، أو تعليم علم، أو تقديم حلٍّ لمشكلة؟!.

 

انظروا إليه -صلى الله عليه وسلم- كيف جعل من أسرى بدر معلمين، يعلّمون المسلمين القراءة والكتابة؛ ليبدأ أول مشروع علمي في الإسلام؟!.

 

وانظروا إليه كيف نظّم السوق، ورتّب الجيوش، وأرسل البعوث؟!كل ذلك بروح المبدع، ونفس المجدّد، وعقل المفكر.

 

فالإتقان، والاجتهاد، وتجويد العمل، وإحسان الإنتاج، كلها صفات حضارية إسلامية، تمتد إلى جميع العلوم النافعة كالطب والهندسة والصناعة والعلوم الحديثة.

 

أمتنا -أيها المسلمون- لا ينقصها المال ولا العقول، لكنها بحاجة إلى روح المبادرة، إلى احترام الموهبة، إلى إشاعة ثقافة الإبداع والابتكار.

 

والسنة النبوية مملوءة بأحاديث تحث على طلب العلم، وعلى التفكير والتطوير، منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا؛ سهل الله له به طريقًا إلى الجنة" (رواه مسلم).

 

فأين نحن من هذه الأحاديث؟! أين مؤسساتنا من احتضان المبدعين؟! أين مدارسنا من تبني المواهب؟! أين إعلامنا من تشجيع العقول؟!.

 

إن أمتنا التي أخرجت ابن الهيثم في البصريات، والخوارزمي في الجبر، وابن النفيس في الطب، قادرة أن تعود، بشرط أن تؤمن أن الإبداع ليس خيانة للماضي، بل امتداد له، وأن توقن أن ما لا يتطور يموت، وأن الجمود عدو الدين والدنيا، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[التوبة : 105].

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي خلق الإنسان، وكرّمه بالعقل والبيان، وحثّه على التفكر والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 

عباد الله: أمتنا اليوم تعاني من التخلّف العلمي، وتستهلك ما يصنعه غيرها، بينما شبابنا يهاجرون ليبحثوا عن بيئة تُقدّر عقولهم!.

 

والحل ليس في الخطابات وحدها، بل في أن نستلهم الإبداع من ديننا الحنيف، ونُعيد قراءة النصوص الشرعية التي تبعث فينا روح الإبداع، وأن نُحرّك طاقات أبنائنا، ونحتضن أفكارهم، ونفتح لهم الأبواب، لا أن نُغلقها أو نقول لهم: "ما ترك الأول للآخر شيئًا"، بل واجبنا اليوم أن نحتضن أبناءنا المبدعين، لا أن نحبطهم أو نقول لهم: "خلك على الموجود"!.

 

شجّعوا أبناءكم على التفكير، واحترموا مواهبهم، وادعموا مشاريعهم الصغيرة، فقد كانت أمة الإسلام يومًا تقود العالم بعقولها لا بعقول غيرها، ويكفينا أن نعلم أنَّ أول من زرع الإبداع في هذه الأمة الأمية هو رسولنا -صلى الله عليه وسلم-.

 

امنح ابنك دقائق من وقتك للاستماع إلى أفكاره؛ فقد تكون لديه فكرة مشروع أو اختراع بسيط، فلا تستهزئ بها.

 

ويا أصحاب القرار، ويا أهل الخير، ويا وجهاء المجتمع: ادعموا المبادرات المحلية، فبذور النهضة تبدأ صغيرة، ثم تكبر، فوالله لن ننهض ونحن نستورد كل شيء حتى الإبرة، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلّنا الله".

 

اللهم اجعلنا من أهل الإبداع النافع، وسخّر لنا من يقود هذه الأمة نحو نهضتها، ويسير بها على خطى نبيها.

 

وصلّ اللهم على محمد وآله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

المرفقات

دعوة للإبداع والابتكار.doc

دعوة للإبداع والابتكار.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات