عبرة من هلاك الظالمين ... ونصرة أهل فلسطين

الشيخ خالد أبو جمعة

2025-04-18 - 1446/10/20 2025-04-20 - 1446/10/22
عناصر الخطبة
1/لله الملك كله يورث من شاء ما شاء 2/عظات وعبر من هلاك الطغاة والمتجبرين 3/أسف على ما يعانيه أهل فلسطين من ظلم وعدوان 4/الوصية بالمسجد الأقصى وأهل فلسطين 5/نداء للأمة الإسلامية لإنقاذ المسرى والأسرى

اقتباس

في وسائل الإعلام، وفي كل أرجاء العالَم نرى أن أهل الباطل انتفش دعاؤهم، وظهَر بوجهه القبيح، ورائحته النتنة، وخرَج أهلُه على العالَم بثوب الكذب والزور والخداع، يُزَخْرِفُونَ الباطلَ بأحاديثهم، ويُزيِّنُونَهُ بعبارتهم، فوجدنا لهم أتباعًا وأنصارًا، وتأييدًا ودفاعًا، فلا...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي تقدَّست عن الأشباه ذاتُه، وتنزَّهت عن سمات الحدوث صفاتُه، ودلَّت على وجوده وقِدَمِه مخلوقاتُه، وشهدَتْ بربوبيتِه وألوهيتِه وقِدَمِه مخلوقاتُه، وأقرَّتْ بالافتقار إليه بَرِيَّاتُه، وأذعنَتْ لعظمتِه وحكمتِه مُبدَعاتُه، ودلَّت على وحدانيتِه مُحدَثاتُه، سبحانه من إلهٍ تحيَّرتِ العقولُ في بديع حكمته، وخضعت الألباب لرفيع عظمته، وذلت الجبابرة لعظيم عزته، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويوصل ويقطع، فلا يُسأل عمَّا يَصنَع، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا مثيل ولا ند ولا ضد ولا ظهير ولا ولد ولا وزير له، فالكل خلقه، وإليه غاياته، وأشهد أن حبيبنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحبيبه وخليله، وأمينه على وحيه، وشهيده على أمره ونهيه، من بهرت العقولَ معجزاتُه، وأعجزت النقولَ دلائلُ نبوته وإرهاصاته، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه، وأصحابه وأصهاره، وأنصاره وأحبائه، ما دامت آلاء الله وأرضه وسماواته، وما انقشعت بنور رسالته غياهب الشرك وظلماته، وابتسمت الأيام بعد عبوسها، وظهرت الأحكام بعد طموسها، وأينعت الأوقات بعد يبوسها، وولى ظلام الظلم والظالمين، وانمحت آفاته.

 

أما بعدُ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل- في السر والعلن، والإخلاص له في القول والعمل، فالخير كل الخير بتقواه، والسعادة في طاعته، والبُعْد عن معصيته، فالدنيا خلقت لكم، وأنتم خلقتم للآخرة؛ (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آلِ عِمْرَانَ: 185]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

 

عبادَ اللهِ: إن الله -تعالى- هو الباقي الدائم بعد فناء هذا الكون، وإليه -سبحانه- مآل جميع الأشياء بعد فناء أهلها، ولم يزل الله باقيًا مالِكًا لأصول الأشياء كلها، يورثها من يشاء، ويستخلف فيها مَنْ أَحَبَّ، فيُورث المؤمنينَ ديارَ الكافرينَ، ومساكنَهم في الدنيا؛ (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا)[الْأَحْزَابِ: 27]، وسيورث المؤمنين مساكنهم في الآخرة.

 

نعم -أيها المرابطون-: إن الله -عز وجل- يورث ما شاء، لمن شاء، في الوقت الذي شاء، بالصفة التي شاء، قال -عز وجل-: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الْأَعْرَافِ: 128]، بيَّن القرآن الكريم أن الأمة الظالمة المتجبرة هالكة بائدة لا محالة، وأن إرثهم وميراثهم سيؤول للأمة الصالحة الوارثة؛ (وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ)[الْحِجْرِ: 23]، (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ)[الدُّخَانِ: 25-28]، فالأرض كلها لله، والملك كله لله.

 

عبادَ اللهِ: كتاب الله فيه العظة والعبرة، وفيه المنهج المنير، لمن قرأه وتدبره، وربطه بواقعه الذي يعيش فيه، وهذه الآيات الكريمة تذكرنا بما حدث، ويحدث، وما هو حادث، وسيحدث قريبًا -بإذن الله-؛ فالوقع والأثر لها، في هذه الآيات بليغ في قلب وفكر كل من يسمعها، إن استشعرنا معانيها، وسمعناها بقلب حاضر، فقد جاءت لتدون لنا قصص الأولين، والعبر في أحوالهم ومآلهم، لندرك يقينًا أن الظلم زائل، وعلى الباغي تدور الدوائر، وأن الظلم والبغي أسرع الذنوب عقابًا وهلاكا، وتلك هي سُنَّة الله -عز وجل- في خلقه؛ (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 62].

 

عبادَ اللهِ: في كل زمان وعلى مدار التاريخ نجد أن الظالمين والمستكبرين والجبابرة، يسعون بكل قوتهم للبطش والتنكيل بأهل الحق والتوحيد، يحاربون الرسل وأتباعهم، ويخططون لتهجريهم من ديارهم، وتدمير أملاكهم من بيوت ومزارع ومواش ومساجد، وجميع مرافق الحياة، يضيقون عليهم بقطع الماء والكهرباء، والطعام والدواء، فسبيلهم منذ الأزل وحتى اليوم واحد، ونهجهم واحد، وغايتهم واحدة، وسنة الله فيهم واحدة، وهي عليهم ماضية؛ (سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 62].

 

أيها المصلون: ولعل من أبرز ما يُعانيه العالَمُ في عصرنا اليوم هو الطغيان والظلم والجبروت المتمثِّل بنماذج مكررة من الطغاة، ومن المتألهين؛ (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النَّازِعَاتِ: 24]، (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)[الْقَصَصِ: 38]، ممن يعيدون إلى الذاكرة بطغيانهم قصص فرعون وهامان وقارون والنمرود، ومن هنا لابدَّ لي أن أذكركم أن مسارات الطغاة وأفعالهم على مر التاريخ كما سطرها القرآن الكريم في كتابه العزيز، خمسة: العلو في الأرض، والتفريق وزرع الفتنة بين الناس، والاستقواء على النساء والأطفال والشيوخ واستضعافهم وذبحهم، واستحياؤهم وإخراجهم من أرضهم وديارهم.

 

أيها المرابطون: لقد توعَّد اللهُ -عز وجل- الظالمين بأشد العذاب، فأقسم -سبحانه- بالسماء وأبراجها، والقيامة وأهوالها، على أن نهاية الظالمين بؤس شديد، وعذاب أليم؛ (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ)[الْبُرُوجِ: 1-4]، تهديد لمن هم على شاكلة من ظلموا أصحاب الأخدود، في الظلم والطغيان والجبروت، وهذه عاقبتهم، فقد خابوا وخسروا، وهلكوا، فعاقبة ظلمهم هو الاستئصال، ومغالب الله مغلوب، وسنة الله -عز وجل- في هلاك الطغاة والظالمين ماضية في خلقه لا تتبدل ولا تتغير، فهم ينتظرون أجلهم المعلوم عند الله؛ (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[نُوحٍ: 4]، وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لكعب بن مالك: "أيا كعب، ما نسي ربك، وما كان ربك نسيا، بيتًا قلته، قال: وما هو يا رسول الله؟ قال: أنشده يا أبا بكر، فأنشده أبو بكر، وهذا البيت قيل قبل الهجرة، وعند فتح مكة، والزمن فيه عشر سنين، زَعَمَتْ سخينةُ أَنْ ستغلبُ ربَّها ... ولُيغلَبَنَّ مغُالِبُ الغلَّابِ"، نعم، مغالب الله مهزوم مغلوب.

 

أيها المرابطون: إنها والله نوازل عاثرة، وجراح غائرة، ووقائع جائرة، وغصص تبعث على الأسى والأحزان، وتثير في النفس كوامن الأشجان، حقائق مرة، واقع صادم، ظلم بين، ومشاهد تسمو على التصوير والتبيين، فقد لاقى أهلنا المقهورون في أرضنا الحبيبة، في فلسطين، في كل المدن والقرى والأرياف والمخيمات غربة ما بعدها غربة، وقعت عليهم المحن والأهوال والمصائب، فيا الله، كم شهد ليلهم وأخفى في ظلامه من بكاء المقهورين المظلومين، أخفى أنات المكلومين، وشكوات الضعفاء من الأطفال اليتامى، والنساء الأرامل والثكالى، والشيوخ الحيارى، انقطعت بهم السُّبُل، فتوجهوا إلى الله رب العالمين.

 

وإن كانت عين الظالمين تنام، فالمظلومون لا ينامون، فهم على جمر الألم يتقلبون، ينادون الحي القيوم، الذي إذا أراد شيئًا قال: كن فيكون، ولله در أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- حيث قال:

لا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مقتدِرًا *** فالظلم مرتعه يفضي إلى النَّدَمِ

تنام عينُكَ والمظلومُ مُنتَبِهٌ *** يدعو عليكَ وعينُ اللهِ لم تَنَمِ

 

إنَّ دعاءكم يا أهلنا، في بَيْت الْمَقدسِ، وفي كل أنحاء فلسطين الحبيبة، من أعماق المدن والقرى والمخيمات يهز أركان الكون، دعاؤكم يحمل على الغمام، وتفتح له أبواب السماوات، فيتلقاه ملائكة الرحمن، تنتظر هذه الملائكة من الله -عز وجل- الأمر بتنفيذه في الكون، كما صح عن النبي العدنان -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين"، فيا حسرة العاصين، ويا ذل مقام المتجبرين.

 

أيها الأحبابُ: في وسائل الإعلام، وفي كل أرجاء العالَم نرى أن أهل الباطل انتفش دعاؤهم، وظهَر بوجهه القبيح، ورائحته النتنة، وخرَج أهلُه على العالَم بثوب الكذب والزور والخداع، يُزَخْرِفُونَ الباطلَ بأحاديثهم، ويُزيِّنُونَهُ بعبارتهم، فوجدنا لهم أتباعًا وأنصارًا، وتأييدًا ودفاعًا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

أيها الصابرون: ولله مع الظالمين سُنَن وأيام، جعلها الله عبرة لمن يعتبر؛ (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)[إِبْرَاهِيمَ: 5]، فكم حفظ لنا التاريخ مصارع أمم ودول ومجتمعات، أمنت مكر الله، فكانت عاقبة هؤلاء الظالمين، والطغاة المتجبرين، كانت العاقبة الهلاك والفناء والخسران المبين، أرسل الله عليهم عقوبات استأصلت شأفتهم، وقضت عليهم، فها هي آثارهم باقية، ومساكنهم خاوية، لم تنفعهم قوتهم، ولم تغن عنهم كثرتهم من الله شيئًا، فأين عاد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟! وأين ثمود الذين جابوا الصخر بالواد؟! وأين الفراعنة ذو الأوتاد، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد؟! وأين من نقبوا في البلاد، وأذلوا العباد؟! وأين من نحتوا الجبال واتخذوا بيوتًا فارهين؟! وأين من حازوا قوة وعظمة، فقالوا: من أشد منا قوة؟! وأين الصليبيون؟! وأين التتار؟! فقد دمروا البلاد وقتلوا العباد، ثم خرجوا منها أذلاء خاسرين خائبين، فقد ظنوا كما ظننتم أيها الطغاة أنكم وأنَّهم بمنجاة من الله، حتى فاجأهم العقاب، وأذلهم العذاب، وأوقع الله بهم بأسه، وأنتم اليوم ستفاجؤون بالعذاب، والعقاب، والاستئصال، وسيحل بكم ما حل بهم، آجِلًا أم عاجلًا، اللهمَّ اجعله عاجلًا، فهؤلاء أقوام أصبحوا كما ستصبحون بعد الوجود أثرًا، وللتاريخ قصصًا وعبرًا.

 

فأي قوة من الله تمنعهم وستمنعكم؟! وأي حصون تنفعكم أو تنفعهم؟! حين ينزل بكم العذاب والعقاب، أنتم كما كانوا؛ (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)[الْبَقَرَةِ: 165]، وفي الآخرة ويلات وويلات، وحسرات ما بعدها حسرات، حينها يبكي الظالم ألمًا، ويعض على يديه حسرة وندما، فقد حل البأس وتحقق الوعيد.

 

أيها المصلون: كلما ازداد الظلم وغاب العدل قَرُبَ فرجُ الله، ألَا واعلموا أن الابتلاء والشدة عسر، وأن الفرج والانفراجة يسر، فالله جعل مع كل عسر يسرين، فقد قال -جل وعلا-: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشَّرْحِ: 5-6]، قال أحد الصالحين لابنه: "يا بُنَيَّ، إذا رأيتَ الحبلَ يشتَدُّ ويشتدُّ، فاعلَمْ أنَّ انقطاعَه قريبٌ، وإذا رأيتَ الليلَ يسودُّ ويسودُّ فاعلَمْ أن الفجرَ قريبٌ، وإذا رأيتَ الكَرْبَ يحتدُّ ويحتدُّ فاعلَمْ أنَّ الفرجَ والفرحَ قريبٌ".

 

أيها المرابطون: ثقوا بربكم، وأَمِّلُوا خيرًا، وأبشروا واستبشِروا، فنحن إلى الفرج أقربُ، فاصبروا وصابِرُوا؛ (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 227].

 

أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي في السماء -تعالى- وتقدَّس، واصطفى من البقاع الحرمين الشريفين والبيت المقدس، وجعل الأيام دولًا، والأمم بعضها لبعض آيات ومثلا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن حبيبنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آل بيته وأصحابه الكرام.

 

وبعد، أيها المرابطون: المسجد الأقصى المبارَك قلب الأمة النابض، وجرحها النازف، والبوصلة الأبدية، فهو ميزان وعيها الفكري والدينيّ، وهذه المكانة بجراحها المستمرَّة، التي تأبى أن تلتئم حتى يلتئم صف الأمة الإسلاميَّة الغائب عنها، ويشفى قلبها الغافل عَنَّا، ألا تنهض هذه الأمة من سباتها؟! ألا تنهض من نومها العميق؟! متى ستعود إلى ربها؟! وتتذكر مسجدها الأقصى المبارَك، والمرتبط بعقيدتها الإسلاميَّة منذ أن كان القبلة الأولى؟! ألم توثق هذه المكانة في النفوس بحادثة الإسراء والمعراج؟! تلك المعجزة الربانية العقديَّة، فتحت بالروح قبل الجسد على يد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فصاغها المولى -عز وجل- بكلمات مجلجلة في آذان وقلوب المؤمنين، وحتى قيام الساعة، فسمى بسورة الإسراء؛ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، أليست هذه وثيقة ربانية؟! بحمل المسؤوليَّة وحماية هذا المسجد من عبث العابثين، وانحراف المنحرفين، وانبطاح المفسدين، وشعارات المعتدين، هذه وثيقة مقدسة من رب العالمين، جعلها الله -عز وجل- آية تتلى في اليوم والليلة، مذكرة المسلمين بمسؤوليتهم تجاه المسجد الأقصى المبارَك وما حوله، والتي تؤكد على مكانة المسجد الأقصى في الإسلام، وتؤصل قاعدة من قواعده؛ بأن رعايته وحماية وصيانة المسجد هي مسؤوليَّة المسلمين أجمعين، فلا يجوز لهم شرعًا التفريط فيها.

 

أيها المرابطون: أسلافُنا أدرَكُوا الأهميةَ الدينيَّةَ للمسجد الأقصى المبارَك، ولمدينة القدس، حتى بدأوا بأسلمتها، اجتماعيًّا، وسياسيًّا وعمرانيًّا، ورسموا لها شكلًا حضاريًّا إسلاميًّا، كل هذه الدلالات العظيمة والإشارات الكبيرة، وبسبب مكانته الدينيَّة والدنيويَّة، والروحيَّة والحسية، أحببنا المسجد الأقصى المبارَك، إن التمسك به فرض على الأمة الإسلاميَّة، كيف لا وهو يسكن في أعماق قلوبنا؟! كيف لا وهو يُمثِّل عقيدتنا وشريعتنا وتاريخنا وحضارتنا ومستقبلنا؟! فهو تاج رؤوسنا، وتاج القدس النوراني، وقد ثبت الحكم الشرعي الأزلي بحق المسجد الأقصى المبارَك، وبحق بَيْت الْمَقدسِ في حدودها الدينيَّة والحضاريَّة، بحكم الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه يحرم التفريط فيهما، ولو بجزء أو شبر من ترابهما المبارك، بالتنازل أو التخاذل أو الغفلة أو التغافل، وهذا ما جرى عليه الصحابة الكرام، والأئمة الأعلام، والخلفاء في كل زمان ومكان.

 

أيها المرابطون: إن التاريخ للزمان مرآة، وهو نافذة الحاضر على الماضي، وسجل الآني للتالي، ولم يبرز التاريخ قضية تجلت فيها ثوابتنا الشرعيَّة، وحقوقنا التاريخيَّة وأمجادنا الحضاريَّة، مثل الحفاظ على أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين، فالآثار الروحية والنورانية توقظ فينا البصر والبصيرة، والعقيدة والشريعة، للمحافظة على كل ذرة من هذا التراب الطاهر؛ لذلك نرى نور الحق ساطعًا فيه يعترف بنا، ويقر لنا بأننا الوراث الوحيدون له بقرار من رب العالمين.

 

أيها المرابطون: وللقابعين في السجون علينا حق، فمن أدنى معاني الوفاء أن نحفظ لأهل الفضل فضلهم، إخواننا الأسرى هم من أهل الفضل، علينا أن نتذكرهم ونذكرهم، وأن ندعو لهم في سرنا وعلانيتنا، حتى ينالوا الحرية، هذه الحرية مقصد من مقاصد الإسلام حثنا عليها النبي العدنان -صلى الله عليه وسلم-، وما هذا إلا وفاء لهم لما قدموه من تضحيات في سبيل إعلاء كلمة الله، وصون عقيدة المسلمين، وحفاظًا على كرامة هذا الشعب وهيبته.

 

أيها المرابطون: استبشِروا بالفرج القريب، قولوا: اللهمَّ اغفر لنا وارحمنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

 

اللهمَّ كن لنا عونًا معينًا، سندًا ظهيرًا، مؤيدًا لنا يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ ارحمنا بواسع رحمتك، وارفع عَنَّا البلاء، اللهمَّ اخذل عدونا ومن بغى علينا، اللهمَّ اجبر كسرنا، وأطعم جائعنا، واسق ظمآنا، واحمل حافينا، واكس عارينا، وداو جرحانا، وارحم موتانا، اللهمَّ يا لطيف الطف بشيوخ ركع، أطفال رضع، وزوجات رملن، وأبناء يتموا، اللهمَّ اكشف عَنَّا البلاء، اللهمَّ اغفر لنا وارحمنا، اللهمَّ احفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك -عليه الصلاة والسلام-، اللهمَّ حصنه بتحصينك المتين، واجعله في رعايتك وعنايتك، وفي حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات؛ وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ أَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

 

المرفقات

عبرة من هلاك الظالمين ... ونصرة أهل فلسطين.doc

عبرة من هلاك الظالمين ... ونصرة أهل فلسطين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات