عناصر الخطبة
1/المراد ب فتية أهل الكهف ومناقبهم 2/سر عناية الله بفتية أهل الكهف ومعيته لهم 3/الصحبة الصالحة ثمار حسنة وآثار طيبة.اقتباس
إِنَّ فِي صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ بَرَكَةً، وَفِي مُرَافَقَتِهِمْ خَيْرٌ؛ فَعَلَيْكُمْ فِي هَذَا الْعُمُرِ أَنْ تُحْسِنُوا اخْتِيَارَ الرُّفْقَةِ الصَّالِحَةِ، مِنْ ذَوِي الْأَخْلَاقِ الطَّيِّبَةِ، وَالْعَقِيدَةِ الْحَسَنَةِ، وَأَصْحَابِ الْهِمَمِ الْعَالِيَةِ، وَالنُّفُوسِ الطَّمُوحَةِ، فَإِنَّ الصَّاحِبَ سَاحِبٌ، وَالْمَرْءُ يُحْشَرُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الرُّومِ: 54]، وَمَرْحَلَةُ الْمُرَاهَقَةِ بِدَايَةُ مَرْحَلَةِ الْقُوَّةِ، وَهِيَ شِرَّتُهَا، وَهَذِهِ الْمَرْحَلَةُ مِنْ أَخْطَرِ الْمَرَاحِلِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الْإِنْسَانُ ضِمْنَ مَرَاحِلِ حَيَاتِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَأَطْوَارِهَا الْمُخْتَلِفَةِ، وَيَكْمُنُ الْخَطَرُ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ فِي أَنَّهَا تَنْقُلُ الْإِنْسَانَ مِنَ الطُّفُولَةِ إِلَى الرُّشْدِ، بِمَا يُصَاحِبُهَا مِنْ تَغَيُّرَاتٍ عِدَّةٍ فِي مَظَاهِرِ النُّمُوِّ الْمُخْتَلِفَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ جِسْمِيَّةً أَوْ عَقْلِيَّةً، أَوِ اجْتِمَاعِيَّةً، أَوْ دِينِيَّةً أَوْ أَخْلَاقِيَّةً، وَكَذَلِكَ لِمَا يَتَعَرَّضُ لَهُ الْمَرْءُ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ مِنْ صِرَاعَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، دَاخِلِيَّةٍ وَخَارِجِيَّةٍ.
وَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ بِالذَّاتِ تَظْهَرُ الْحَاجَةُ الْمُلِحَّةُ إِلَى وُجُودِ الْقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ فِي حَيَاةِ الْمُرَاهِقِ، وَالنَّمَاذِجِ الَّتِي يَسْتَلْهِمُ مِنْهَا الْعَزْمَ وَالْعَزِيمَةَ، وَالْهِمَّةَ الْعَظِيمَةَ، فَيَمِيلُ إِلَى الْخَيْرِ، وَيَتَطَلَّعُ إِلَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ، وَيَتَرَقَّى فِي مَدَارِجِ الِاسْتِقَامَةِ.
وَفِي كِتَابِ اللَّهِ -تَعَالَى- نَجِدُ الْأُسْلُوبَ الْقَصَصِيَّ ظَاهِرًا فِي بَيَانِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ بِأُسْلُوبٍ سَلِسٍ أَخَّاذٍ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْقَصَصِ وَأَرْوَعِهَا مَا قَصَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ فِتْيَةِ الْكَهْفِ، أُولَئِكَ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ فَزَادَهُمْ هُدًى، فَمَعَ حَدَاثَةِ أَسْنَانِهِمْ إِلَّا أَنَّهُمْ آمَنُوا بِرَبِّ السَّمَاءِ، وَقَبِلُوا الْحَقَّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خَفَاءٌ، فَرَبَطَ اللَّهُ قُلُوبًا تَوَجَّهَتْ إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ، وَصَدَعَتْ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ بِلَا تَرَدُّدٍ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)[الْكَهْفِ: 14].
وَإِنَّ وَصْفَ اللَّهِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ "فِتْيَةٌ" يُوحِي بِأَهَمِّيَّةِ مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ وَالْفُتُوَّةِ؛ فَهِيَ مَرْحَلَةُ عَطَاءٍ وَبَذْلٍ، وَحَيَوِيَّةٍ وَاجْتِهَادٍ، وَحِينَ يَنْشَأُ الشَّابُّ الْفَتِيُّ فِي رِحَابِ الْإِيمَانِ، وَيَحْيَا فِي مَرَابِعِ الْقُرْآنِ؛ يَشْتَدُّ مِنْهُ الْعُودُ، وَتَزْكُو مِنْهُ النَّفْسُ، وَيَعْلُو كَعْبُهُ فِي مَنَازِلِ الصَّالِحِينَ؛ فَكَانَ أَثَرُ هَذَا الْإِيمَانِ عَلَيْهِمْ عَظِيمًا، فَمَا إِنْ خَالَطَتْ بَشَاشَتُهُ قُلُوبَهُمْ، وَامْتَلَأَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ وَأَرْوَاحُهُمْ، حَتَّى انْعَكَسَ ذَلِكَ عَلَى سَيْرِ حَيَاتِهِمْ، فَأَعْلَنُوا الْمُفَاصَلَةَ الْعُظْمَى مَعَ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ، فَاعْتَزَلُوا الْحَيَاةَ كُلَّهَا، وَهَجَرُوا مُتَعَهَا وَلَذَّاتِهَا، وَأَتَوْا إِلَى اللَّهِ رَاغِبِينَ؛ (رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)[الْكَهْفِ: 10]، وَمَنْ أَوَى إِلَى اللَّهِ وَتَمَسَّكَ بِهِ فَقَدْ أَوَى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، فَأَيُّ مَعِيَّةٍ أَعْظَمُ مِنْ مَعِيَّةِ الْعَظِيمِ؟! وَأَيُّ عُرْوَةٍ أَوْثَقُ مِنْ عُرْوَةِ الْكَرِيمِ؟!
وَهُنَا يُهَيِّءُ اللَّهُ لَهُمْ رَحْمَتَهُ، وَيُسْبِغُ عَلَيْهِمْ مَعِيَّتَهُ، فَتَهُونُ عَلَيْهِمُ الصِّعَابُ، وَيَسْتَعْذِبُونَ فِي ذَاتِ اللَّهِ الْمَكَارِهُ، فَيَتَّسِعُ الضِّيقُ، وَيَحْلُو الْمُرُّ، وَيَسْهُلُ الصَّعْبُ.
وَإِذَا الْعِنَايَةُ لَاحَظَتْكَ عُيُونُهَا *** لَا تَخْشَ مِنْ بَأْسٍ فَأَنْتَ تُصَانُ
وَبِكُلِّ أَرْضٍ قَدْ نَزَلْتَ قِفَارَهَا *** نَمْ فَالْمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ
وَمِنْ آثَارِ مَعِيَّةِ اللَّهِ لَهُمْ أَنَّهُ -تَعَالَى- حَوَّلَ -بِقُدْرَتِهِ- الْكَهْفَ الْمُخِيفَ، إِلَى بَيْتٍ فَسِيحٍ، وَسَرِيرٍ مُرِيحٍ، يَتَقَلَّبُونَ فِيهِ بِأَمَانٍ، وَيَنَامُونَ سَنَوَاتٍ عَدِيدَةً مِنْ سِنِي الزَّمَانِ؛ (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا) [الْكَهْفِ: 11]، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ فَمَا قَلَّ، وَلَا ضَلَّ، وَلَا زَلَّ، وَلَا مَلَّ.
أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: هُنَا يَتَجَلَّى دَرْسٌ مِنْ أَعْظَمِ الدُّرُوسِ لِفِتْيَةِ الْأُمَّةِ وَشَبَابِهَا: أَنْ إِذَا رَأَيْتُمُ السُّبُلَ بِكُمْ تَضِيقُ، وَالطُّرُقَ فِي وُجُوهِكُمْ تُسَدُّ، وَالْأَبْوَابَ دُونَكُمْ تُغْلَقُ وَتُقْفَلُ، فَالْجَؤُوا إِلَى اللَّهِ الْكَرِيمِ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ رَشَدًا، عَلِّقُوا آمَالَكُمْ بِهِ، وَتَشَبَّثُوا بِعُرْوَتِهِ الْوُثْقَى، وَلْيَرَاكُمْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ، وَلْيَفْتَقِدْكُمْ حَيْثُ نَهَاكُمْ، وَحِينَهَا سَيَفْتَحُ اللَّهُ لَكُمْ مَغَالِيقَ الْأَبْوَابِ، وَسَيُسَهِّلُ لَكُمُ الْأَسْبَابَ، وَسَتَصْحَبُكُمْ مَعِيَّتُهُ، وَسَيُسْبِغُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ، وَسَيُذْهِلُكُمْ بِكَرَمِهِ، وَيُدْهِشُكُمْ بِآلَائِهِ وَنِعَمِهِ.
وَمِنْ عَجِيبِ هَذِهِ الْقِصَّةِ -وَكُلُّهَا عَجَبٌ- أَنَّ كَلْبَهُمُ الَّذِي بَسَطَ يَدَهُ بِالْوَصِيدِ لِحِرَاسَتِهِمْ، قَدْ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ النَّوْمِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَهُنَا تَكْمُنُ فَائِدَةُ صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ، وَمُرَافَقَةِ الْأَبْرَارِ، "فَهُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ"، وَلَا يَعْدَمُ مِنْ بَرَكَتِهِمْ رَفِيقُهُمْ.
فَيَا مَعَاشِرَ الْفِتْيَانِ: إِنَّ فِي صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ بَرَكَةً، وَفِي مُرَافَقَتِهِمْ خَيْرٌ؛ فَعَلَيْكُمْ فِي هَذَا الْعُمُرِ أَنْ تُحْسِنُوا اخْتِيَارَ الرُّفْقَةِ الصَّالِحَةِ، مِنْ ذَوِي الْأَخْلَاقِ الطَّيِّبَةِ، وَالْعَقِيدَةِ الْحَسَنَةِ، وَأَصْحَابِ الْهِمَمِ الْعَالِيَةِ، وَالنُّفُوسِ الطَّمُوحَةِ، فَإِنَّ الصَّاحِبَ سَاحِبٌ، وَالْمَرْءُ يُحْشَرُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، وَجَاهِدُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى صُحْبَتِهِمْ، وَمُخَالَطَتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ فَإِنَّ فِي صُحْبَتِهِمْ مِنَ الْفَوَائِدِ، مَا لَا يُحْصَى.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ قُوَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي إِيمَانِهَا، وَعِزَّهَا فِي إِسْلَامِهَا، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا... أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْآبَاءُ الْعِظَامُ وَالشَّبَابُ الْكِرَامُ: فَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ؛ فَهِيَ وَصِيَّتُهُ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الدُّرُوسِ الْمُسْتَقَاةِ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَالْمُسْتَلْهَمَةِ مِنْ فُصُولِهَا:
أُولَاهَا: أَنَّ هِدَايَةَ اللَّهِ الْعُظْمَى، وَمَعِيَّتَهُ الْكُبْرَى مُرْتَبِطَةٌ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْجِهَادِ فِيهِ، وَقُوَّةِ التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ مِنَ الشَّابِّ إِقْبَالًا عَلَيْهِ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، وَآتَاهُ سُؤْلَهُ، وَحَقَّقَ مُبْتَغَاهُ، وَثَبَّتَهُ أَمَامَ صُرُوفِ الدَّهْرِ، وَعَوَادِي الزَّمَانِ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [الْعَنْكَبُوتِ: 69].
وَانْظُرُوا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ أَسْمَاءً وَلَا أَمَاكِنَ وَلَا أَزْمِنَةً، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُمْ (فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ)، بَدَأُوا بِالْإِيمَانِ الصَّادِقِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاعْتَزَلُوا أَصْحَابَ السُّوءِ الْوَثَنِيِّينَ، فَزَادَهُمْ هُدًى، وَنَشَرَ لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَهَيَّأَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِهِ رَشَدًا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِرَبِّهِ حَقَّ الْإِيمَانِ، وَتَابَ إِلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْعِصْيَانِ، وَهَجَرَ أَهْلَ الْخَطَايَا وَالْخُسْرَانِ، وَالْتَجَأَ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- مُعْتَذِرًا مِنْ ذَنْبِهِ نَادِمًا، فَلْيُبَشَّرْ بِهِدَايَةٍ وَتَوْفِيقٍ وَتَثْبِيتٍ وَنُورٍ وَرُشْدٍ وَإِحْسَانٍ.
ثَانِيهَا: اعْلَمُوا أَنَّ هَجْرَ مَكَانِ الْمَعْصِيَةِ، وَبِيئَةِ الْمَعْصِيَةِ، وَكُلِّ مَا يُذَكِّرُكَ بِالْمَعْصِيَةِ، سَبَبٌ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ إِصْرِ الْمَعْصِيَةِ وَضَرَرِهَا؛ وَلِذَلِكَ سَلَكَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ هَذَا الطَّرِيقَ.
ثَالِثُهَا: احْذَرْ مِنْ بَرِيقِ الدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ، وَلَا تُكْثِرْ مِنَ التَّرَدُّدِ وَالِالْتِفَاتِ؛ (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[الْكَهْفِ: 28]، وَاحْذَرْ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ الَّذِي قَالَ عَنْهُ -تَعَالَى-: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا)[الْكَهْفِ: 28]، فَالْقَلْبُ غَافِلٌ عَنْ ذِكْرِ الْعَزِيزِ الْغَفُورِ، (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)[الْكَهْفِ: 28]، فَهُوَ يَهْوِي بِهِ فِي مَوَاطِنِ الْهَلَاكِ وَالشُّرُورِ، (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الْكَهْفِ: 28]، فَلَا تَرَاهُ مَشْغُولًا إِلَّا فِي حَقِيرِ الْأُمُورِ.
اللَّهُمَّ اهْدِ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ، وَرُدَّ ضَالَّهُمْ إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، اللَّهُمَّ جَنِّبْهُمْ قُرَنَاءَ السُّوءِ وَالْفَسَادِ، اللَّهُمَّ أَقِرَّ عُيُونَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ بِصَلَاحِ أَبْنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم