عناصر الخطبة
1/فضائل صلاة الجمعة 3/سنن يوم الجمعة وآدابه 3/فضل الاغتسال والتبكير لحضور صلاة الجمعة 4/الانتباه ليوم الجمعة والاهتمام به 6/وعيد شديد للمتخلفين عن صلاة الجمعة.اقتباس
يوم الجمعة يوم يتفرغ فيه للعبادة، فلا ننشغل فيه بمشاغل الدنيا وملذاتها، فهو مع غيره في الأيام كرمضان في الشهور، له على سائر الأيام مزية كما لرمضان على سائر الشهور من المزية، وساعة الإجابة فيه قد أخفيت، كما أخفيت ليلة القدر، ولهذا من صحت له جمعته صح له أسبوعه...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله العلي القدير، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، أحمده -سبحانه- على ما امتن به علينا من أوقات شريفة يطهّرنا فيها من درن الذنوب، ويفيض فيها علينا من الخيرات ويرغبنا فيها إلى المزيد من الطاعات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل المرسلين وقائد الغر المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، الإسلام الحقيقي لا الإسلام المزعوم ، وميّزوا بين الأوقات ومن ذلك يوم الجمعة، فهو خير يوم اختصه الله بمزيد من الشرف والتفضيل على سائر أيام الأسبوع، فلْنعتنِ بهذا اليوم غاية الاعتناء، ولْنعرف قدره وفضله، وما شرع فيه.
روى مسلم والترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم -عليه السلام-، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة". وروى أحمد عن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله -عز وجل- فيها خيرًا إلا أعطاه إياه".
ومما شرع لنا في هذا اليوم: التطهر، والتطيب، والتبكير إلى صلاة الجمعة لقضاء أكبر وقت ممكن في العبادة، وللقرب من الإمام حرصًا على استجماع الفكر، وتدبُّر الذكر، وبذلك يعظم الأجر، روى البخاري عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر، ويدّهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يروح إلى المسجد ولا يفرّق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى".
فيوم الجمعة -معشر المسلمين- يوم يتفرغ فيه للعبادة، فلا ننشغل فيه بمشاغل الدنيا وملذاتها، فهو مع غيره في الأيام كرمضان في الشهور، له على سائر الأيام مزية كما لرمضان على سائر الشهور من المزية، وساعة الإجابة فيه قد أخفيت، كما أخفيت ليلة القدر، ولهذا من صحت له جمعته وسلمت له صح له وسلم سائر أيام أسبوعه.
أيها المسلمون: ومما يدل على فضل الاغتسال والتبكير لحضور صلاة الجمعة ما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بيضة، فإذا خرج الإيمان حضرة الملائكة يستمعون الذكر".
فإذا تأمل العبد في المراد بهذه الساعات وما فيها من الثواب لمن اغتسل وتطيب وبادر إلى حضور الصلاة، ومن فرَّط في هذه الآداب وتأخر في حضوره فلم يحضر إلا حال الخطبة، وربما فاته الاستماع، ومنهم من تفوته الركعة الأولى، وهكذا يتدرج الشيطان بالإنسان حتى يفوته الجمعة التي هي من أهم الواجبات، وأعظمها ثوابًا عند الله.
فلو تأمل هذا الإنسان، وحاسب نفسه فيما يمر عليه في حياته ويعرض عليه من مكاسب أخروية وهو غافل عنها، ولم يهتم بها بل فرط فيها وخسرها، لو تأمل ذلك حقًّا وعاتب نفسه لكان له شأن آخر، فإلى متى يستمر معنا هذا الكسل، وإلى متى تبقى عندنا هذه الغفلة، أين الاهتمام لهذا اليوم وفضله، وخصوصًا عند من يتكرر منه التأخير عن استماع الخطبة؟ ألا يذكر أهمية الاستماع، وأن مَن مس الحصى وهو حاضر ومستمع أو قال لأخيه أنصت حال الخطبة أنه قد لغا ومن لغا فلا جمعة له؟ وهل رضي بعض منا بالسهر في الليل وعلى ماذا يسهر؟ وبطول النوم في النهار، غافلاً عن آخرته، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
أيها المسلمون: وإن من علامات الانتباه والاهتمام بالأوقات: تذكر الأيام التي يطول فيها الليل ويقصر النهار، والتي يطول فيها النهار ويقصر الليل، والاستعداد لذلك، بالتبكير في حضور الصلاة في أوقاتها، فنكون من السباقين إليها الفرحين بالمحافظة عليها، ولا نكون من سرعان الناس الذين يأتون في آخرها ويخرجون أول الناس، بل ولا يبالون ما نقص منها، سواء كانت الصلاة صلاة جمعة أو غيرها.
عباد الله: وحيث إنه لا يخفى ما في التقدم من ثواب وما في خطبة الجمعة من مقاصد بالثناء على الله والشهادة له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة، وتذكير العباد بأيامه -تعالى- وتحذيرهم من بأسه ونقمته، ووصيتهم بما يُقرّب إلى ربهم ويوصل إلى مغفرته ورضوانه ودخول جناته، وتحذيرهم ونهيهم عما يبعد من رحمته ويوصل إلى غضبه وناره، فلْنفرح بهذا اليوم ولْنعتنِ به.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[سورة يونس: 57-58]، بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله مكرم من شاء من عباده بالهداية والتوفيق ومضل من شاء وذلك لكمال علمه وحكمته وعدله، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الفعال لما يريد.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي أرسله الله رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: ومما يدل على أهمية صلاة الجمعة والتبكير لها، والاعتناء بها أنه -صلى الله عليه وسلم- قد همَّ بإحراق بيوت مَن يتخلف عنها، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: "قد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".
وجاء أيضًا الوعيد بالختم على قلوبهم حتى يكونوا من الغافلين، فعن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين".
وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائمًا يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبقَ إلا اثنا عشر رجلاً فأنزلت هذه الآية: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سورة الجمعة:11]، وفي رواية أبي يعلى: "والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لم يبقَ منكم أحد لسال بكم الوادي نارًا".
وهذا يدل على أهمية الحضور والاستماع، وفضله وفضل المعتني به، فاتقوا الله -عباد الله- وعاتبوا النفس على تقصيرها وألزموها المبادرة إلى الخيرات والاحترام للمواعظ والتوجيهات، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
هذا وصلوا على نبينا محمد امتثالاً لقوله -تعالى-؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم