عناصر الخطبة
1/الأنبياء خير قدوة للبشر 2/تأملات في قصة سيدنا موسى عليه السلام 3/رحلة إلى مدين 4/نزول الرسالة والبعثة 5/شكر المؤمنين لربهم على نجاة موسى الكليم.اقتباس
طمأنه وهدّأ من روعه، وسكّن من خوفه، وجدَّد أمله في النجاة، هكذا يجب أن يفعل الشهم والحكيم عندما يواجه مَن يلوذ به ويعتد به ويهرب إليه أن يطمئنه ويهدّي من روعه ولو فعل ما فعل، ولو أخطأ ما أخطأ، فالأمور بيد الله والله يُغيِّر من حال إلى حال، لا تلجأ بعد الله إلا إلى ذي الرأي والمشورة والتقوى والكرم.
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقبت الليالي والأيام.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة الأحزاب: 70].
عباد الله: إن أنبياء الله ورسله -عليهم السلام- هم قدوتنا وهم أسوتنا، وهم دليلنا إلى الله -تعالى- في العبادة وفي الأخلاق وفي الأدب وفي الصبر وفي الجهاد، وفي اغتنام الخير وفي كل شؤون الحياة، وقد قصَّ الله علينا قَصَصِهم وأخبرنا خبرهم؛ لما في ذلك من العِبر والحِكم والصبر والجَلَد والتحمُّل والتدبُّر، قال الله عنهم -عليهم السلام-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[سورة يوسف:111].
لقد قص الله علينا قصة موسى ابن عمران -عليه السلام- أوردها في كتابه في عدة مواضع، في عدة صور وبأساليب متشابهة.
لنرى ونسمع ونعقل كيف جرت الأمور وسارت الأحداث، أرسله الله -تعالى- إلى طاغية من أعتى طواغيت الأرض على الإطلاق، فالله رحيم، والله حليم، والله رؤوف، والله عليم، ما عذَّب أمة من الامم إلا وقد أرسل إليها رسولاً يحذر وينذر ويبين ويوضح، وزوّده بالآيات وأيده بالمعجزات وخوارق العادات حتى يصدق الناس ويؤمن الناس أنه من عند الله: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)[سورة فاطر:24]، (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)[سورة الإسراء:15].
أرسله إلى فرعون؛ (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)[سورة القصص:4]، هكذا مَن طغى وأعرض وتكبَّر وتجبَّر عندما يُغنيهم الله ويعطيهم ويقويهم ويطعمهم يعلون في الأرض يتكبرون، ينسون المنعم وينسون ذواتهم ويُقسِّمون الناس في نظرهم إلى شيع وطوائف ورتب.
وكان سبب ذلك الفعل من فرعون أنه علِمَ أنه سيأتي من ذرية إبراهيم -عليه السلام- غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه، فاحترز فرعون وخاف من ذلك الآتي فجعل حرسه وخدامه ومجرميه يطوفون المدن والقرى فلا تلد امرأة ذكراً إلا ذبحوه من ساعته.
لكن الله غالب على أمره، وإليه يرجع الأمر كله، والمُلك ملكه، والأمر والإرادة بيده، حكم وقدر وأراد أن يأتي موسى وأن يعيش وأن يسلم من فرعون وأن يبلغ رسالته وأن يتربَّى في بيت فرعون وأن يتخذه هو وزوجته قرة عين، وأن يكون هلاكه على يديه، هكذا يريد الله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)[سورة القصص: 7]، فجعلته في صندوق ورمته في النهر (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ)[سورة القصص:8]؛ أعداء الله الذين يذبحون الابناء ويستحيون النساء (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)[سورة القصص:8].
أراد فرعون قتله والتخلص منه كغيره من الأولاد: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[سورة القصص:9]، وهم لا يشعرون يعني لا يعلمون ما الخبر وما القصة وكيف تسير الأمور وهم لا يشعرون، فهم يريدون والله يريد، وأنت تريد والله يريد، أنت تسعى لشيء وقد يكون فيه هلاكك وضررك؛ (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[سورة البقرة:216].
(وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا)[سورة القصص:10]، لا تُفكّر في شيء غير ابنها، أين ذهب، ماذا حصل له، هكذا الأمهات أيها العاقون، هكذا الأمهات أيها الجفاة، يخلو قلبها من كل شيء، فارغ إلا من ابنها إذا غاب تُفكّر فيه وتتبعه بعقلها أينما ذهب.
(إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ)[سورة القصص:10]، من خوفها وحرصها أرادت تبحث عنه علنًا أمام الناس.
(لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا)[سورة القصص:10]. صبَّرها الله وثبَّتها (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[سورة القصص:10]، هكذا يفعل المؤمن إذا فقد ابنه وغاب ولده يربط الله على قلبه ويثبته على الحق.
(وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ)[سورة القصص:11]؛ أي: اتبعي وابحثي عنه؛ فبحثت عنه فرأته وما شعر بها أحد، وأراد آل فرعون أن يُرْضِعُوا موسى فرفض ولم يقبل؛ (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ)[سورة القصص: 12]؛ فاحتاروا في أمره كيف؟ فقالت أخته وهم لا يشعرون به: (فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)[سورة القصص:12].
تأملوا إرادة الله رب الكون؛ (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[سورة القصص:13]، إذا غاب لك غائب فادع الله أن يرده فقط، ألِحّ على الله في الدعاء أن يردّه ويأتي به وتوكّل عليه وفوّض أمرك إليه.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[سورة القصص:14]، ويمتن عليه، (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ)[سورة القصص:15-17]، هكذا الشيطان يثير النعرات والحزازات والحزبيات حتى يصل الحال إلى القتل وسفك الدماء من أجل عصبية من أجل قَبَلية لا من أجل الله ولا من أجل دين الله، وعندما يذهب الشيطان يأتي البكاء والحزن والتعقل والمطالب والملايين، وما تفعل الملايين وقد قتلت نفس؟ والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا"(صحيح البخاري).
(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) –ينعت فيه-؛ (قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ * فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ * وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَأخرج إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[سورة القصص:18-21].
خرج من مصر لا يدري أن يتجه؛ خائفاً من القتل، خائفاً من البطش، (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)[سورة القصص:22].
لا تستغنِ برأيك ولا بقوتك ولا بعلمك، اسأل الله وادع الله أن يهديك سواء السبيل.
اللهم اهدنا سواء السبيل، وسدِّدنا بالقول والفعل الجميل ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أعمالنا طرفة عين يا أرحم الراحمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.
عباد الله: وتأتي مرحلة أخرى من مراحل حياة كليم الله موسى -عليه السلام-، خرج من مصر خائفاً من القتل (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)[سورة القصص:22]، (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)[سورة القصص:23]، وجد امرأتين مع غنمهما تذودانها لا تختلط بغنم الناس، قال: ما خطبكما؟ سؤال كلمة، ما خطبكما؟ قالتا: لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، لا اختلاط ولا مزاحمة للرجال ولا مكالمات بالجوال حتى، وأبونا شيخ كبير وليس معنا إخوة، فليس معنى أن نقوم بشؤوننا أن يكون على حساب عفتنا وحجابنا وديننا.
(فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[سورة القصص:24]، توجَّه إلى الله ولجأ إلى الله وافتقر إلى الله وشكا حاجته إلى قاضي الحاجات وطلب المدد من رب الأرض والسماوات، فجاءه الفرج في أقصر الأوقات، (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)[سورة القصص:25]، مستحية فيها حياء من الرجال، وهذا الأصل في المرأة الحياء الذي نزع من بعض من نساء اليوم، نزعوا الحجاب وأبدلوه بالنقاب وتكحلوا وتزينوا وتصبغوا ونزلوا إلى الأسواق وزاحموا الرجال وحادثوهم في الجوال وتغيّر الحال.
(قَالَتْ إِنَّ أبي يَدْعُوكَ -أبي يدعوك ليس نحن وإنما أبي- لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ)[ سورة القصص:25]، وقد يحتاج الرجل إلى مثل هذا الرجل؛ قد تضيق السبل ببعض الرجال فيحتاج إلى رجل أمين عاقل رشيد صالح يشاوره ليشاطره همومه ويدلّه على الخير بإذن الله، (قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[سورة القصص:25]، طمأنه وهدّأ من روعه، وسكّن من خوفه، وجدَّد أمله في النجاة، هكذا يجب أن يفعل الشهم والحكيم عندما يواجه مَن يلوذ به ويعتد به ويهرب إليه أن يطمئنه ويهدّي من روعه ولو فعل ما فعل، ولو أخطأ ما أخطأ، فالأمور بيد الله والله يُغيِّر من حال إلى حال، لا تلجأ بعد الله إلا إلى ذي الرأي والمشورة والتقوى والكرم.
(قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)[سورة القصص:26]، ما قال لهم ولا رأوا منه غير الصدق والأمانة.
(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ)[سورة القصص: 27]، يدعو رجلاً صالحاً أميناً ويقول: أريد أن أزوجك ابنتي، من؟ إلا من هدى الله وقليل ما هم، وصل بعض البنات إلى 35 و40 وإلى أكثر لا أحد يعلم عنهنّ ولا أحد يتقدم لهنّ، نراه عيب ونقص وكسر لكبريائنا وتسلطنا على المسكينات جاهلية وحماقة.
قضى موسى عشر سنوات في رعي الغنم، ثم بدأت بعدها مرحلة أخرى من حياته وهي الأخطر والأعظم والأهم؛ (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)[سورة القصص:29-32].
وبدأ عصر الرسالة، بدأ عهد التبليغ، بدأ وقت المواجهة مع فرعون وقومه، وهو جانب من حياته -عليه السلام- مليء بالأحداث والعِبَر والآيات والمعجزات، فما كان من فرعون إلا أن غضب واتهم موسى بالسحر وجمع السحرة وأتوا بمكرهم وسحرهم وحبالهم وضحكوا على أعين الناس، وأوحى الله إلى موسى: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)[سورة الشعراء: 45-48].
وتتوالى الأحداث ويجمع فرعون جيشه ويطارد موسى وقومه ويهربون إلى البحر، فإذا بالبحر من أمامهم وفرعون من خلفهم؛ (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[سورة الشعراء:61]، فقال الواثق بربه المتوكل على خالقه: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ)[سورة الشعراء:62-66].
وكان ذلك الحدث العظيم في يوم عاشوراء، ولما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وجد اليهود صياماً، يوم عاشوراء، فقال لهم -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه تعظيماً له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه"(متفق عليه)؛ شكراً لله -تعالى- على أن نصر موسى وقومه، والسُّنة أن يُصام يوم قبله أو يوم بعده، وقد صامه -صلى الله عليه وسلم- قبل الإسلام وكانت تصومه قريش في الجاهلية.
اللهم اجعلنا من الشاكرين، اللهم انصرنا على من عادانا يا رب العالمين.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم