عناصر الخطبة
1/قيمة الإنسان بروحه لا بجسده 2/العاقل والأحمق والغافل في هذه الدنيا 3/في الأموات عبرة للأحياء 4/نصيحة في المحافظة على الوقتاقتباس
وتفكر فيمن نالوا الوجاهة والمناصب، ومن كانت لهم الكلمة، وذاقوا كلّ متعة، أين ذهبوا الآن؟! وما ذا أخذوا من متعهم وأموالهم ووَجَاهتهم ومناصبهم؟!؟ ذهبت دنياهم لغيرهم، وبقيت أعمالهم لا تُفارقهم، ولو قُدّر لهم أن يُخاطبونا لقالوا: يا معاشر الأحياء...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ لله العليمِ الحكيم، الغفورِ الرحيم، العظيمِ الحليم، الجوادِ الكريم، الذي عمَّ بريَّتَه فضلُه العميم، ووسِعَ خليقتَه إحسانُه القديم، وهدَى صفوتَه إلى صراطه المستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قائمًا بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالآيات والذكرِ الحكيم، ففتَح به أعيُنًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا، وهدى به من الجهل الذميم إلى العلم القويم، صلَّى الله عليه وعلى آله أفضلَ صلاة وتسليم.
أمّا بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنّ قيمة الإنسان بروحه لا بجسده؛ ولذلك إذا فارقت الروحُ الجسدَ استوحش الناسُ منه، وغيّبوه تحت التراب.
يا خادمَ الجسم كم تشقى بخدمته *** فأنت بالرُّوح لا بالجِسْم إنسانُ
ونحن في سفر في هذه الحياة الفانية، وينتهي سفرنا في دار الدنيا بانقضاء آجالنا، وانتقال أرواحنا، إلى دار البرزخ بخروجها من أجسادنا، ولا يدري الإنسان متى سينتهي أجلُه وتخرجُ روحه؟.
والمسلم الموفَّق يعلم أنه خُلق لغاية واحدة، وهي عبادة الله -تعالى- وحده لا شريك له؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، فتجده قد شمّر عن ساعد الجدّ، وجاهد نفسه وبذل طاقته في عبادة ربه بقلبه ولسانه وجوارحه.
ومَثَلُنا مثلُ مجموعة من أغنياء الناس صبحهم العدوّ، فأسرع كلّ واحد إلى بيته ليأخذ أهله وما يملك، وينتقل إلى مكان آمن، والمسافة أمامه طويلة، ليس فيها استراحاتٌ ومحطاتُ وقود، فالعاقل منهم حمَل الشيء الثمين، كالنقود والذهب، وأخذ معه ما يكفيه من الطعام والشراب والملابس، حتى يصل إلى المكان الآمن، فلما وصل اشترى بيتًا، وعاش عزيزًا سعيدًا آمنًا مطمئنًّا.
وأما الأحمق فإنه سيملأ سيارته بالطعام والشراب والمتاع الزهيد، كالثياب ونحوها، فاستمتع في طريقه مع أهله بأكل ما لذّ وطاب، واستمتع هو وأهله بالثياب التي حملوها معهم، وحينما وصلوا ندموا على عدم أخذهم المال، فافترشوا الأرض، وفني طعامهم وشرابهم، وبليت ثيابهم، فأصبحوا يتكففون الناس، وعاشوا في هذا البلد مشرّدين أذلاّء فقراء.
فنحنُ الأحياءُ في سفر إلى الآخرة، فالعاقل الموفَّق من انشغل بجمع الحسنات، بالعبادات الواجبة والنافلة، وصان نفسه عن التعدي على حقوق الخلق، فإذا انتهى سفره وجد تلك الحسنات وجزاءَ العبادات، فكافأه الله بها، وأسعده وأسكنه جنته.
والغافل المخذول من انشغل بزخارف الدنيا وجمع حطامها، من مال ومتاع، ولا همّ له إلا الاستمتاع في أيام حياته، وفي غاية الغفلةِ عن حاله بعد ذلك، فإذا انتهى أجله تقطّع حسرةً على تلك الأيام التي استمتع بها، قال الله -تعالى-: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)[الشعراء: 205 - 207]، وتمنى أن يرجع ليعمل صالحًا (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)[المؤمنون: 99 - 100]، فيُقال له: كلا -أيها الغافل-، لقد أذهبتَ طيّباتِك في حياتك الدنيا واستمتعت بها، لقد حُرِمْت نعيمَ الآخرة بسبب تنعّمّك في الدنيا وغفلتك عن الآخرة، فيا لها من حسرة ومصيبة!.
فيا أخي المسلم، يا من أبقاك الله إلى هذا اليوم: اعتبر بمن كان معك العام المنصرم، فغادَر هذه الحياة، لقد كان يأمل مثلما تأمل، ويخطّط لمستقبله الدنيوي كما تخطّط أنت لمستقبلك الدنيوي، وربما أكثر، ولم يَدُر في خلَده ولا في خَلَدك أن يموت بهذه السرعة، فقد مات ورحل ولم يحقّق ما كان يأمل ويطْمح ويسْعى، فهل أمْهَلَه الموت؟!.
ألا تعتبر بمن رحل فتستعدّ؟ إنك بين رجلين لا ثالث لهما: إما أن تكون قدوةً لمن أتى بعدك، وإما أن تكون عبرةً لمن أتى بعدك، فإما أن يُقتدى بصلاحك ومسارعتك للخير والبرّ، وإما أن يُعتبر بغفلتك وضلالك.
فكن صالحًا تقيًّا لتنجو ويُقتدى بك، وتُذكَر بالخير ويُدعَى لك، وإياك أن تكون غافلا معرضًا ضالا، فتهلِك ويَعْتِبر بك الناس، فيحذَروا ويُحذّروا أغيرهم أن يفعلوا كفعلك، ويقْتَفُوا أثرك.
وانظر وتفكر فيمن نالوا الوجاهة والمناصب، ومن كانت لهم الكلمة، وذاقوا كلّ متعة، أين ذهبوا الآن؟! وما ذا أخذوا من متعهم وأموالهم ووَجَاهتهم ومناصبهم؟! ذهبت دنياهم لغيرهم، وبقيت أعمالهم لا تُفارقهم، ولو قُدّر لهم أن يُخاطبونا لقالوا: يا معاشر الأحياء، أما -والله- لو رأيتم ما رأينا، ولو علمتم ما علمنا، لَمَا ضيّعتم دقيقةً في غير منفعة، ولا فكّرتم لحظةً في معصية، ولَمَا قضيتم أوقاتكم في اللهو واللعب.
يا معشر الأحياء: لقد تجمّلنا للناس وجامَلْناهم، وقضينا أوقاتنا معهم وسمَرْنا معهم، فيا حسرتنا حين جاملنا فيها الْخَلْقَ وعصينا الخالق، وأيام الحياة مهما طالت فالمحسوسُ منها ساعة، فلنعمرها بالعبادة والطاعة.
نسأل الله -تعالى- أن يفتح لنا خزائن رحمته، وأن يُعامِلَنا بعفوِه، إنه على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
معاشر المسلمين: ها نحن نبدأُ عامًا هجريًا جديدًا، بعد أن ودّعنا عامًا منصرمًا، فما هي همتك وخطّتك في هذا العام؟ لا يكن عامُك هذا كسابِقِه، ولتكن في هذا العام أشدّ حفظًا لوقتك، وأفضلَ إنجازًا لأعمالك، وإنك لا تدري: فربما ستكون ممن سيُغادر هذه الحياة قبل انقضائه، فلا مجال للتسويف والإمهال، فبادر وعجّل بالتوبة والجدّ والاجتهاد، وصدق الله العظيم: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31].
اللهم أصلح فساد قلوبنا، وأعنا على أنفسنا، إنك ربنا رؤوفٌ رحيم.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى، فقد أمركم بذلك -جل وعلا- فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم