مرتكزات عقيدة المسلم

حسين بن حمزة حسين

2025-05-02 - 1446/11/04 2025-05-19 - 1446/11/21
عناصر الخطبة
1/مرتكزات الدين هي أصوله التي تبنى عليه 2/بيان مختصر لمرتكزات الدين 3/الحث على المحافظة على الجماعة

اقتباس

وَجَبَ عَلَيْنا أَنْ نُحافِظَ عَلَى مُعْتَقَدِنا وَبِلادِنا مِنْ أَعْدائِهَا، بِأَنْ نَبْتَعِدَ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ، كَارْتِكابِ المحَرَّماتِ، وَأَنْ نُؤَدِّيَ حُقُوقَ اللهِ، كَإِقامَةِ الصَّلَاةِ، وَالمحافَظَةِ عَلَى وِحْدَةِ صَفِّنا، وَمُرْتَكَزاتِ عَقِيدَتِنا، وَأَنْ نَجْعَلَ مَصْدَرَ التَّلَقِّي لِدِينِنا قَوْلَ اللهِ وَرَسُولِهِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إخوة الإيمان: خطبة اليوم عن أمر عظيم، عليه تُبنى أصولُ الدين وفروعُه، إنها الأسس والمرتكزات التي يجب أن يُعقَد عليها القلب من الإيمان بالله -عز وجل-، وهي ست مرتكزات:

أَوَّلُها: أَقْسامُ التَّوْحِيدِ، تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ: وَهُوَ أَنْ نَعْبُدَ اللهَ -تعالى- بِأَفْعالِهِ، فَهُوَ الْخالِقُ الرَّازِقُ الْمُدَبِّرُ، وَتَوْحِيدُ الْأُلُوهِيَّةِ: وَهُوَ أَنْ نَعْبُدَ اللهَ -تعالى- بِأَفْعالِنا، مِنْ صَلاةٍ وَصِيامٍ وَذَبْحٍ وَغَيْرِها، فَلَا يُصْرَفُ شَيْءٌ مِن العبادة لِغَيْرِ اللهِ، وَتَوْحِيدُ الْأَسْماءِ وَالصِّفاتِ: أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ للهِ الْأَسْماءَ الْحُسْنَى، جاءَتْ فِي كِتابِهِ، وَعَلَى لِسانِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَنُثْبِتَها مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ، وَلَا تَكْيِيفٍ، وَلَا تَمْثِيلٍ، وَلَا تَشْبِيهٍ، وَلَا تَعْطِيلٍ، على قاعدة: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11].

 

المرْتَكَزُ الثَّانِي: الْإِيمانُ بِالْغَيْبِ، فَكُلُّ ما جاءَ فِي كِتابِ رَبِّنا وَالصَّحِيحِ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّنا -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أُمُورِ الْغَيْبِ وَجَبَ الْإِيمانُ بِهِ؛ قَالَ -تعالى-: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)[البقرة: 2 - 3]، أي: يؤمنون بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته، وناره، ولقائه، وبالقضاء والقدر خيره وشره من الله -تعالى-، وما يكون بعد الموت، من السؤال والنعيم والعذاب في القبر، ويؤمنون بالبعث بعد الموت، وما يكون بعد البعث، من القيام والصراط والميزان والسؤال والحساب إلى غير ذلك كثير.

 

أمّا المرْتَكَزُ الثَّالِثُ: الإيمان بالْأَنْبِياءُ، فَقَدْ بَعَثَ اللهُ الْأَنْبِياءَ عَلَى دِينٍ واحِدٍ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الشَّرائِعُ؛ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "الأنبياءُ إخوَةٌ لِعَلَّاتٍ؛ دِينُهُمْ واحِدٌ، وأُمَّهاتُهُمْ شَتَّى"(أخرجه البخاري)، أَيْ: يَتَّفِقُونَ فِي الْعَقِيدَةِ، وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي الشَّرائِعِ، فِي الْعِباداتِ وَغَيْرِها، فَنُؤْمِنُ بِهِمْ جَمِيعًا، مَنْ ذُكِرَ لَنا، وَمَنْ لَمْ يُذْكَرْ؛ قَالَ -تعالى-: (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)[غافر: 78].

 

وآخرهم رسولنا محمدٌ بن عبد الله الهاشمي القرشي -صلى الله عليه وسلم-، عبد الله ورسوله، اختاره الله -تعالى- واصطفاه وفضَّله على سائر الأنبياء والمرسلين، بل على سائر الخلق أجمعين، وخَتَم به الرسالات والنبوات، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، ليس بعده رسول ولا نبي، لا ينفع الإيمان بالله -عز وجل- دون الإيمان برسالته ونبوّته -صلى الله عليه وسلم-؛ قَالَ -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا)[الفتح: 13].

 

المرتكز الرَّابِعُ: الإيمان بأن مصادر الشريعة القرآن والسنّة، وأنهما حجّة الله على خلقه، وأنه -تعالى- حفظ السنّة كما حفظ القرآن، فمن أنكر السنة كفر كمَنْ أنكر القرآن، فالسنّة تستقل بالتشريع كالقرآن، كما أنها تفسِّر القرآن وتبيّنه، وتعريف السنّة: هي كلّ ما صدر عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير ونقل إلينا بسند صحيح، وهي موجودة متوافرة في كتب الحديث المشهورة، وليس بعد القرآن الكريم والسنة النبوية من مصدر صحيح إلا ما أجمع عليه أئمة هذا الدين، من الصحابة والتابعين ومَن سار على هديهم ومنهجهم، وكان مصدر هذا الإجماع ومبناه على الكتاب والسنة.

 

أما المرْتَكَزُ الخامس: وجوبُ التحاكمِ لشرع الله وحده، فالحلال ما أحلّه اللهُ -تعالى- في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والحرامُ ما حرّمه اللهُ -تعالى- في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والتحاكم إلى غير ما أنزل الله تحاكمٌ للطاغوت، وهو كفرٌ؛ لقوله -تعالى- (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النساء: 60]؛ قَالَ -تعالى-: (مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[المائدة: 44].

 

فالذي يحكُمُ بغير ما أنزل الله وهو يرى أن الحُكم بغير ما أنزل الله أصلحُ للناس وأنفعُ للناس، أو أنه مساوٍ لِما أنزَل الله، أو أنه مخيَّر بين أن يحكُمَ بما أنزل الله، أو يحكم بغيره، أو أن الحكمَ بغيرِ ما أنزل الله جائزٌ؛ فهذا يُعتَبَر طاغوتًا، وهو كافر بالله -عز وجل-، نسأل الله السلامة.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: والمرْتَكَزُ السّادسُ: الْإِمامَةُ وَالْجَماعَةُ، وَبِها تُحْفَظُ المجْتَمَعاتُ، وَتُحْفَظُ حُقُوقُ النَّاسِ، وَتُحْفَظُ الضَّرُوراتُ الْخَمْسُ: الدِّينُ وَالْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالْعِرْضُ وَالْمَالُ، فالْحِفاظُ عَلَى الْجَماعَةِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ، وَفِي غايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ، وَالْخُرُوجُ عَلَى وُلاةِ الْأُمُورِ فَسادٌ كَبِيرٌ، وَشَرٌّ عَظِيمٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حُقُوقِ وَلِيِّ الْأَمْرِ ما يَزِيدُ عَلَى المئَةِ حَدِيثٍ.

 

وَنَحْنُ بِهَذَا الْبَلَدِ المبارَكِ بِفَضْلِ اللهِ جَماعَةٌ واحِدَةٌ، وَمُعْتَقَدٌ واحِدٌ، دِينٌ واحِدٌ، وَوَلِيُّ أَمْرٍ واحِدٌ، وَفِي أَمْنٍ وَاسْتِقْرارٍ؛ قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّه سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فمَنْ أَرادَ أَنْ يُفَرِّقَ أمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فاضْرِبُوهُ بالسَّيْفِ كائِنًا مَنْ كانَ"، وَفِي رِوايَةٍ: "فَاقْتُلُوهُ"(أخرجه مسلم).

 

فَوَجَبَ عَلَيْنا أَنْ نَحْذَرَ وَنُحَذِّرَ مِنَ الْفِرَقِ الضَّالَةِ والجماعات المنحرفة، وأعظمها في هذا الزمان شراً فرقة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ، ومن تفرّع منهم وشابههم، وَعلينا الَتَمَسَّكَ بِكِتابِ رَبِّنا، وَسُنَّةِ نَبِيِّنا، وَنَلْزَمَ جَماعَةَ المسْلِمِينَ؛ َقالَ -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ).

 

لِذَا وَجَبَ عَلَيْنا أَنْ نُحافِظَ عَلَى مُعْتَقَدِنا وَبِلادِنا مِنْ أَعْدائِهَا، بِأَنْ نَبْتَعِدَ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ، كَارْتِكابِ المحَرَّماتِ، وَأَنْ نُؤَدِّيَ حُقُوقَ اللهِ، كَإِقامَةِ الصَّلَاةِ، وَالمحافَظَةِ عَلَى وِحْدَةِ صَفِّنا، وَمُرْتَكَزاتِ عَقِيدَتِنا، وَأَنْ نَجْعَلَ مَصْدَرَ التَّلَقِّي لِدِينِنا قَوْلَ اللهِ وَرَسُولِهِ؛ قَالَ -تعالى-: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)[النساء: 59].

 

فَأَيُّ أَمْرٍ، أَوْ نِقاشٍ، فِي وَسائِلِ التَّواصُلِ أَوْ غَيْرِها وَجَبَ رَدُّهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ لَمْ نَسْتَطِعْ فَلْنَسْأَلْ أَهْلَ الْعِلْمِ الصَّادِقِينَ؛ قَالَ -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43]، فَلَا تُؤْخَذُ أَحْكامُ الدِّينِ مِنْ وَسائِلِ التَّواصُلِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لا عِلْمَ لَهُمْ، أَوْ مِمَّنْ يَكِيدُونَ لِبِلادِنا، وَيُرِيدُونَ إِفْسادَ أَبْنائِنا.

 

أَسْأَلُ اللهَ الْعَلِيَّ الْقَدِيرَ بِأَسْمائِهِ الْحُسْنَى وَصِفاتِهِ الْعُلَى أَنْ يَحْفَظَنا وَبِلادَنا، وَوِلاةَ أُمُورِنا، وَأَنْ يَجْعَلَنا وَإِيَّاكُمْ هُداةً مُهْتَدِينَ، فاللَّهُمَّ اجْمَعْ شَمْلَنَا وَوَحِّدْ صَفَّنَا وانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا.

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

المرفقات

مرتكزات عقيدة المسلم.doc

مرتكزات عقيدة المسلم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات