من ترك شيئا لله عوضه

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2025-05-02 - 1446/11/04 2025-05-15 - 1446/11/17
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/من صفات أهل التقوى 2/من ترك شيئا لله عوضه خيرا منه 3/نماذج ممن عوضهم الله خيرا مما تركوا 4/ترك المحرمات يحتاج إلى عزيمة وصبر

اقتباس

مَا تَرَكَ عَبْدٌ شَيْئاً للهِ إِلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مِمَّا تَرَكَ، تَرَكَ الحَرامَ في أَشَدِّ الموَاقِفِ الدَّاعِيَةِ إِليه، وَقَطَّعَ حِبالَ الهَوَى، وانْتَزَعَ نَفْسَهُ مِنْ بَراثِنِ الفِتْنَةِ في أَصْعَبِ اللحَظاتِ عليه؛ فَعَوَّضَهُ اللهُ كَرامَةً وَولايَةً ومَحَبَةً وقُرْبَاً، أَجَابَ دَعْوَتَهُ في كُرْبَتَه، ونَجاهُ مِن الغَمِّ في مِحْنَتَه...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أيها المسلمون: تَقِيٌّ أَدْرَكَ الخيرَ بِالتُّقى، ومَنْ يَتِّقِ الرحمنَ تَعلُو منازِلُه. تَقِيٌّ يَسُوْسُ النَّفسَ لِلطُّهرِ رَاغِباً، ويَسْلُكُ دَرْباً للكَرَامةِ مُوصِلُ، تَقِيٌّ يُجافي الجَنْبَ عَنْ مَضْجَعِ الهَوى، وَيَكْسِرُ قَيْداً لِلهَوَانِ يَقُودُ، تَقِيٌّ وللتقوى رِجالٌ وعُصْبَةٌ، يَبِيْعُونَ ما يَهْوَوْنَ يَرْجُونَ جَنَّةً، وَمَنْ يَخْطُبِ الحَسْنَاءَ لَمْ يُغْلِها المَهْرُ، تُنازِعُهُم أَهْوَاؤُهُم لِحَضِيْضِها، ويَرْفَعُهُم دِينٌ وتَعْصِمُهُمْ تَقْوى.

 

تَقِيٌّ أَقامَ لِلْعُبُودِيةِ في القَلْبِ أَرقَى مَقَامٌ، يَدَعُ الأَمرَ والنَّفْسُ تَهْوى ارْتِكَابَهُ، ولكنه مِنْ خَشْيَةِ اللهِ يَصبِرُ، كَمْ تَرَكَ لأَجلِ اللهِ مِنْ شَهْوَةٍ، وكَمْ هَجَرَ لأجلِ اللهِ مِنْ مَحبوب؛ (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)[التوبة: 114]، ومَا تَرَكَ عَبْدٌ شَيْئاً للهِ، إِلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2 - 3]، مَا تَرَكَ عَبْدٌ شَيْئاً للهِ إِلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك، خَرَجَ المُهاجِرونَ مِنْ مَكَةَ إِلى المدينةِ، تَرَكُوا أَمْوَالَهُم وَدِيَارَهُم وأَوطانَهُم، تَرَكُوها لأَجلِ اللهِ، وصارُوا إِلى دارِ غُرْبَةٍ لَيْسَ لَهُم فيها مالٌ ولا أَهلٌ ولا وَلَد، تَرَكُوا طِيْبَ المُقامِ في أَرضِ تَرعرَعُوا في أَكنافِها وأَلِفُوها، وتَحَوَّلُوا إلى شِدَّةِ العَيْشِ في أَرْضٍ نائِيَةٍ لَمْ يَعْرِفُوها.

 

تَرَكُوا ما يَهْوَوْنَ لأجلِ اللهِ، فَعَوَّضَهُمْ اللهُ في الدُّنيا والآخِرَة، فُتِحَتْ لَهُمْ في الدُّنيا المدائِنُ، وخَضَعَتْ لَهُم فيها الأُمم، ومُلِّكُوْا خَزَائِنَ الأَرْض، ودَخَلُوا مَكَةَ بَعدَ الخَوفِ آمِنين، وبَعدَ الضَعْفِ فاتِحِين، وفي الآخِرَةِ أَعدَّ لَهمْ أَجراً كَرِيماً؛ (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[النحل: 41].

 

مَا تَرَكَ عبدٌ شَيْئاً للهِ إلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك، يُوسُفُ -عليه السلامُ- رَاوَدَتْهُ امرأَةُ العَزيزِ عَنْ نَفْسِهِ، وغَلَّقَتْ الأَبوابَ وقَالتْ هَيْتَ لك؛ (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[يوسف: 23]، وَلَّى نحو البابِ هَارِباً، نَفَرَ مَنْ المَعْصِيَةِ وفَرَّ مِنْ ساحَتِها، تَرَكَ المَيلَ لِلْهَوى لأَجْلِ الله، فَهُدِّدَ بالسِّجْنِ إِن لَمْ يَفْعَلْ؛ (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[يوسف: 33]، فَلَبِثَ في السِّجْنِ بِضْعَ سِنِين. 

 

آثَرَ قَسْوَةَ الحَبْسِ عَلى مُوَاقَعَةِ الذَّنْبْ، وفَضَّلَ ظُلْمَةَ السِّجِنِ على ظُلْمَةِ القَلْب، فَعَوَّضَهُ اللهُ في الدُّنيا ذِكْراً طَاهِراً، ومُلْكاً ظَاهِراً، وفي الآخِرَةِ أَعدَّ لَهُ مَقاماً وزُلْفَى؛ (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[يوسف: 56 - 57].

 

وسُلَيْمانُ -عليه السلام- آتاهُ اللهُ مُلْكاً، وَكَانَتِ الخَيلُ أَحَبَّ مَالِهِ إِليه، فَعُرِضَتْ عَلَيْهِ الخَيْلُ في وَقْتِ العَشِيِّ، فَمضَى يُقَلِّبُ نَظَرَهُ فيها، فَما راعَهُ إِلا غُرُوبُ الشَّمْسِ وهُوَ لَمْ يُصَلِّ العَصْرَ، فَتأَلَمَ لذلِكَ أَشَدَّ أَلَم؛ (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ)[ص: 32]، أَي: غَرَبَتِ الشَّمْس، (رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ)[ص: 33]، رُدَّتِ الخَيلُ فَجَعَلَ يَعْقِرُها بِسَيْفِهِ، يَضْرِبُها في سُوْقِهَا وأَعناقها أَنْ كَانَتْ سَبباً في غَفْلَتِهِ عَنْ عِبادَةِ رَبِه، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ لأَجْلِ لله، عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما فَقَد، قال اللهُ: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ)[ص: 36]، تَحمِلُه وتَجْرِيْ بِهِ سَرِيْعَةً حَيْثُ أَرادْ.

 

ومَا تَرَكَ عبدٌ شَيْئاً للهِ إلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك؛ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[البقرة: 207]، يَبِيْعُوْنَ للهِ أَغْلَى ما يَمْلِكُون، فَيُعَوِّضُهُمُ اللهُ أَكْرَمَ مما يَرْجُون، يَتْرُكُونَ للهِ ما يَشْتَهونْ، فَيَعطِيْهُمُ اللهُ أَكْرَمَ ما يُوعَدُون.

 

ومَا تَرَكَ عبدٌ شَيْئاً للهِ إلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك، تَرَكَ حَظَّ نَفْسِهِ في الانْتِصارِ لَها، وعَفا عَنْ حَقِّهِ، وتَجاوَزَ عن مَنْ إِليهِ أَساءَ؛ فَعَوَّضَهُ اللهُ بالعَفْوِ عِزّاً، وبالتَواضُعِ رِفْعَةً، جَزاءً وفِاقَا، وَفِي الحَدِيْثَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ"(رواه مسلم).

 

مَا تَرَكَ عَبْدٌ شَيْئاً للهِ إِلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مِمَّا تَرَكَ، تَرَكَ الحَرامَ في أَشَدِّ الموَاقِفِ الدَّاعِيَةِ إِليه، وَقَطَّعَ حِبالَ الهَوَى، وانْتَزَعَ نَفْسَهُ مِنْ بَراثِنِ الفِتْنَةِ في أَصْعَبِ اللحَظاتِ عليه؛ فَعَوَّضَهُ اللهُ كَرامَةً وَولايَةً ومَحَبَةً وقُرْبَاً، أَجَابَ دَعْوَتَهُ في كُرْبَتَه، ونَجاهُ مِن الغَمِّ في مِحْنَتَه، وأَراهُ فَضْلَهُ عليه في الدُّنيا، وفي الآخِرَةِ أَعَدَّ لَهُ جَنَّتَه.

 

وفي خَبَرِ الثَلاثَةِ الذينَ انطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخرةُ فِي الغَارِ، قَالَ أَحَدُهُم: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِليَّ، فأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا فامْتَنَعَتْ منِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ -أَي أصابَتها حاجَةٌ ونَزَلَ بِها فَقْرٌ شديد- فَجَاءتْنِي -أَيْ تَطْلبُ مِنَ المال ما يُقِمُ حَياتَها- فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَانصَرَفْتُ عَنْهَا وَهيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أعْطَيتُها، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ؛ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فيهِ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ"(متفق عليه).

 

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطلاق: 2 - 3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 4 - 5].

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: مَا تَرَكَ عبدٌ شَيْئاً للهِ إلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك، كَمْ تَلُوُحُ أَمامَ النَّفسِ مِنْ فِتنَةٍ، وكَمْ تَعْرِضُ لها مِنْ شَهْوَة، وكَمْ يَبْرُزُ لها مِنْ مَطْمَعٍ، وكَمْ يمِيلُ بِها مِنْ هَوى، كَمْ تَتَعَلَّقُ النَّفسُ بِعَمَلٍ مُنْكَرٍ تَهواهُ، أو مَكَانٍ مَشْبُوهٍ تأَلَفُه، أَو مَجْلسِ سُوءٍ تأَنَسُ بِه، أَو نَظَرَاتٍ للحرامِ تُغالِبُها، أَو سماعٍ لِلمعازِفِ تُطْرِبُها، كَمْ تَتَعَلَّقُ النَّفسُ بأَسْفارٍ إلى الآثام، وبِتِجَارَةٍ فيها كَسْبٌ مِنْ حرام، كَمْ تَتَعَلَّقُ النَّفسُ بِمَشْرُوبٍ مُحَرَّمْ تُدْمِنُ عليه، كَمْ تَتَعَلَّقُ النَّفسُ بِحُبٍّ وعِشْقٍ وغَرامٍ يَسْلِبُ القَلْبَ ويُوهِنُ الدِّين، ويَقْلِبُ الإيمانَ ويَهدِمُ الفَضِيلَة، كَمْ تَتَعَلَّقُ النَّفسُ بأَمرٍ ضَرَرُهُ عليها ظاهِرٌ وخَطَرُه عليها مُحَقَّق!.  

 

وأَمامَ مُحاوَلَاتِ الفِكاكِ والتَّرْكِ والتَّخَلِّي، تَخُورُ عَزَائِمُ وتَضْعُفُ إِرادَات، فلا يَقْوَى على التَّرْكِ إِلا مَنْ وَقَّرَ اللهَ وعَظَّمَه، وأَحَبَّ اللهَ وأَجَلَّه، وخافَ اللهَ وخَشِيَه، وملأَ الإِيْمانُ قَلْبَه، لا يَقْوى على التَّرْكِ إِلا مَن التَجأَ إلى اللهِ وتَضَرَّعَ إليه، واسْتَعانَ بَهِ وتَوَكَّلَ عليه، لا يَقْوى على التَّرْكِ إِلا مَنْ اسْتَشْعَرَ موقِناً أَنَّ ما عِندَ اللهِ خَيْرٌ للمُتَّقِيْنَ وأَكْرَمُ للصَّابِرِيْن، لا يَقْوى على التَّرْكِ إِلا مَنْ ارْتَقَتْ نَفْسُهُ إِلى طَلَبِ وَلايَةِ اللهِ، ونَيْلِ مَحَبَّتِهِ، وإِدْراكِ رِضاه.

 

مَا تَرَكَ عبدٌ شَيْئاً للهِ إلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً منه، واللهُ أَكرَمُ مَنْ أَنْ يَرَى عَبدَهُ يَدَعُ ما تَهواهُ نَفسُهُ لأَجلِه ثُم لا يُعَوِّضُهُ أَكْرَمَ مِمَّا تَرَك، قَالَ ابنُ القَيِّمِ -رحمه الله-: "والعِوَضُ مِن اللهِ أَنْواعٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَجَلُّ ما يُعَوِّضُ بِهِ: الأُنْسُ بِاللهِ وَمَحَبَّتُهُ، وَطُمَأَنِيْنَةُ القَلْبِ بِه، وَقُوَّتُهُ وَنَشَاطُهُ وَفَرَحُهُ وَرِضَاهُ عَنْ رَبِّهِ -تعالى-"، وكُلَّما كَانَ المُهْجُورُ لأَجْلِ اللهِ أَلْصَقُ بالنَّفْسِ وأَحَبُّ إِليها، كَان الثَوابُ أَجْزَلُ مِنَ اللهِ وأَوفَرُ وأَتَمّ، ولا يُدْرِكُ الظَفَرَ إِلا مَنْ صَبَر؛ (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[فصلت: 35].

المرفقات

من ترك شيئا لله عوضه.doc

من ترك شيئا لله عوضه.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات