عناصر الخطبة
1/أساب نجاة العباد وفوزهم يوم المعاد 2/نعمة الهداية من أجلّ النعم 3/ التوفيق للطاعات والأعمال الصالحة 4/شهر ميلاد النبي صلى الله علبيه وسلم 5/من خصائص الأمة المسلمة.اقتباس
الله -سبحانه- وحده هو الذي يتفضّل بالهداية على مَن يشاء من عباده، فيَمُنّ عليه بشرح صدره للاستقامة. ولهذا ينبغي للمؤمن الصادق المشتغل بالطاعات، أن يستحضر فضل الله عليه، ولكي لا يتسرَّب له مرض الغفلة والعُجْب اللذان تنطمس معهما البصيرة...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله رب الأرض والسماء، خلق آدم وعلَّمه الأسماء، وسخَّر له كل المخلوقات والأشياء، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أيها المسلمون والمسلمات: من المعلوم بيقين تام أن نجاة العباد وفوزهم يوم المعاد رهين بما قدَّموه في دنياهم للهداية من الجهاد؛ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69].
ليبشرهم ربهم بالنتيجة بقوله -تعالى-: (كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّونَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَياةُ الدُّنيَا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ)[آل عمران: 185]، ومن فضل الله على العباد: أن هداهم لما يحقّق لهم طيب الحياة، والفوز بعد الممات.
ومن المعلوم أيضًا: أن القرآن الكريم لم يهمل أو يترك مجالاً لتوضيح منهج السير إلى الله –تعالى- إلا بيَّنه، أو جاء الأمر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبيانه.
فقد وجَّه الله –سبحانه- نبيه -صلى الله عليه وسلم- لتصحيح الفهم (في سورة الحجرات) لمن ادَّعوا الإيمان، أو لمن يَمُنّون عليه -صلى الله عليه وسلم- بإسلامهم، ليقول -عز وجل-: (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحجرات: 16- 18].
وما فعله الأعراب يدل على سوء أدب وجهل بجلال الله وكماله وعلمه؛ فالله -تعالى- هو الذي يمن على عباده بالخلق والرزق والهداية للإسلام والإيمان، وبتفضُّله عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة. وإن هداية الله -تعالى- الناس للإسلام والإيمان لهي من أعظم النعم عليهم.
وإن كل ما يخفى ويغيب على الخلق، لا يخفى أو يغيب عن الله -جل وعلا-؛ (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة: 282]؛ فهو -سبحانه وتعالى- يعلم بمكنونات الصدور، وما يصدر عن الإنسان من خير أو شرور، وكل خبايا الأمور؛ (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحجرات: 18].
كما أنه -سبحانه- يُحصي أعمال العباد ويوفيهم إياها، ويجازيهم عليها بما تقتضيه رحمته الواسعة، وحكمته البالغة، وعدله الكامل. والحاصل المستفاد من كل ما ذكر، أن كلام الله وتوجيهه ليس محصورًا، أو خاصًّا بأولئك الأعراب من قبيلة بني أسد، في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما هو علاج دائم لظاهرةٍ تتكرر في كل زمان ومكان.
ويدرك المؤمنون حقًّا ما وفَّقهم الله -تعالى- له من طاعته على هداه، فيفرحوا فرحًا مشروعًا، فـ"من سرَّتْهُ حسنتُهُ وساءتْهُ سيِّئتُهُ فهو مؤمنٌ".
ولكن هناك مشكل، وهو أن المؤمن بضعفه الإنساني قد ينسيه الفرح بفضل الله عليه ورحمته، من تفضل عليه بذلك وهو الله -تعالى-، فيظن أن التوفيق للطاعات والأعمال الصالحة إنما هي من كسبه وجهده. وقد نبَّه الله -تعالى- بالقول: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير)[فاطر: 32].
فالله -سبحانه- وحده هو الذي يتفضل بالهداية على مَن يشاء من عباده، فيَمُنّ عليه بشرح صدره للاستقامة. ولهذا ينبغي للمؤمن الصادق المشتغل بالطاعات، أن يستحضر فضل الله عليه، ولكي لا يتسرَّب له مرض الغفلة والعُجْب اللذان تنطمس معهما البصيرة ليكون على
شاكلة القائل: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)[القصص: 78].
ولأن مَن يُعجَب بعمله يحبط ويفسد، وليتذكر دائمًا قوله -تعالى-: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين)[الحجرات: 17].
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبكلام سيد المرسلين، ويغفر الله لي ولكم ولمن قال آمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على النبي الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه والتابعين.
عباد الله: أهلَّ الله علينا هلال ربيع الأول، وقد علمنا النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنْ نَدعُوَ اللهَ -سُبْحانَه وتَعالى-، ونَذْكُرَه في أغْلَبِ الأوْقاتِ، ومنها أوْقاتٌ مخْصوصَةٌ بمُناسَباتٍ
مُعيَّنةٍ بِذِكْرٍ معُيَّنٍ، كرُؤْيةِ الهِلال، فيدعو اللهَ بِقَوْلِه: "اللَّهُمَّ أَهِلَّه عليْنا باليُمْنِ والإيمانِ، والسَّلامةِ والإسْلامِ"؛ أي: اجْعَلْ ظُهورَ الهِلالِ مُصاحِبًا للخَيرِ والبَرَكةِ ولدَوامِهما وبَقائِهما فينا، والسَّلامةِ مِن كلِّ سُوءٍ وضُرٍّ يُصيبُنا، واحِفْظِنا مُؤمِنينَ مُسْلِمينَ. "رَبِّي ورَبُّك اللهُ"؛ فهو المُسْتحِقُّ أنْ يُتَوجَّهَ له بِالدُّعاءِ والرَّجاءِ.
كما يأتي هذا الشهر ليُذكّر الأمة الإسلامية بميلاد خاتم الأنبياء والرسل -صلى الله عليه
وسلم-، والذي كان ميلادًا لخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
اختارها الله -تعالى- لتقوم بالشهادة على العالمين؛ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ)[البقرة: 143].
ويظهر لكل متتبع لسيرة المبعوث رحمة للعالمين أنه كان محاطًا برعاية الله -تعالى- وتهيئته لمهمة الرسالة الختم منذ ولادته وطفولته وشبابه إلى رجولته وبعثته -صلى الله عليه وسلم-.
ومن فضل الله -تعالى- على العباد أن جعل لأمة الإسلامِ شأنا عِندَ اللهِ عظيمٌ؛ فإنَّها آخِرُ الأُمَمِ في الدُّنيا، ونبيُّها خاتَمُ الأنبياءِ، وقد أُرسِلَ إلى النَّاسِ كافَّةً بَشيرًا ونذيرًا، ودَعوتُه مُمتدَّةٌ إلى آخرِ الزَّمانِ.
ومِن لَوازمِ امتدادِ دَعوتِه -صلى الله عليه وسلم- أنْ يَبقَى الحَقُّ قائمًا في الأمَّةِ لا يَضيعُ، وذلك مِن رَحمةِ اللهِ بالأُمَّةِ مِن جِهةٍ، ومِن جِهةٍ أُخرى لاستمرارِ قِيامِ الحُجَّةِ على النَّاسِ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ الله".
فاللهم رُدّ المسلمين إلى دينك ردًّا جميلاً.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم