وصايا بالصبر والاحتساب لنيل الثواب

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

2025-05-02 - 1446/11/04 2025-05-06 - 1446/11/08
عناصر الخطبة
1/مواساة ومؤازرة للفئة المؤمنة الصابرة 2/لله حكم خفية في أقداره 3/وصايا لنيل رضا الله والأجر والثواب 4/رسالة إلى كل مسؤول

اقتباس

إن زلزلة الساعة شيء عظيم، ونحن -أمة الإسلام- لنا في رسول الله أسوة حسنة، لقد زُلزل المسلمون زلزالًا شديدًا؛ حفرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتدمع العين ويخشع القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا على أهلنا لَمحزنون...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله مُجري عظائم الأمور، الفاتح بالنور الأعظم مغالق الصدور، المُجتبي من يشاء من عباده إلى القرب والحضور، نحمدك يا من شرحت صدورنا بأنواع الهداية سابقًا، ونوَّرت بصائرنا بتنوير الأبصار لاحقًا؛ (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)[الزُّمَرِ:22].

 

ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، القائم على كل نفسٍ بما كسبت وهو عليمٌ بذات الصدور، ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى حقائق المحبة والتوحيد لمن استجاب وبذل من نفسه الميسور، وامتثل الأوامر مُخلصًا راضيًا بالحكم المقدور.

 

وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، منهم من كان للقرآن تاليًا، ومِنَ اللهِ خائفًا، وفي الليل قائمًا، وبالنهار صائمًا، ومن دُنياهُ سالمًا، ومنهم مَن قام بحق الله صابرًا محتسبًا، ومنهم مَن كان هجَّادًا بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر الدار، ومنهم المنفِق في زمن الإعصار، المُقدَّم في العلم والحكمة والشجاعة.

 

وارضَ اللهمَّ عن سائر الصحابة أجمعين؛ عن بلال وعمَّار، والمهاجرين الأخيار، والأنصار أصحاب الأقدار، وسادات الأوس والخزرج الأبرار، وارض عنَّا معهم برحمتك يا عزيزُ يا غفارُ، استرنا بسترك الجميل، وادفع وارفع عَنَّا الهمَّ والغمَّ والحزنَ، وانشر الأمن والأمان والسلم والسلام والمحبة والوئام في ربوع أرضنا المبارَكة المقدَّسة يا قدوس يا سلام.

 

أما بعد، فيا عباد الله: عليكم بتقوى الله -تعالى- وطاعته، وَكِّلُوا كلَّ الحوائج إليه، ولا تعتمِدُوا إلا عليه؛ (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الْأَنْبِيَاءِ: 92]، إن المولى -تبارك وتعالى- جعلنا أمةً واحدةً، وشرَّفنا وأعزَّنا وأيَّدنا وندبنا لإقامة منار دينه فسدَّدنا.

 

فيَا أَهْلَنا في أرضنا المبارَكة: ما عرفناكم إلا بطاعة الله ورسوله، وتلاوة كتابه، وحج بيته، وإن دينكم لا يتم إلا بوحدتكم واجتماعكم ومحبتكم وتآلفكم، ولسان كل واحد منا يقول: ألستُ على الإسلام فهو العز الذي لا ذل معه، والغِنى الذي لا فقر معه، والأُنس الذي لا وحشة معه، كل واحد منا يقول: واللهِ إني لَأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟!

 

وتذكروا -يا عبادَ اللهِ- أن أحكام الله جارية على غير مراد المخلوقين، لكنَّه -تبارك وتعالى- يختار لعباده المؤمنين ما هو خير لهم في العاجلة، ويبقى لهم في الآجلة، وربك يخلق ما يشاء ويختار.

 

ثم عَرَّض لجزيل الأجر مَنِ استسلم لواقع قضائه، وعوَّض جليل الذخر مَنْ صبر على نازل بلائه، وهَدَاك -أيها المسلم- الذي شرح للتقوى صدرك، ووسَّع في البلوى صبرك، وألهمك من التسليم لمشيئته والرضا بقضيته.

 

عبادَ اللهِ: إنَّ في العِلَل لَنِعَمًا لا ينبغي للعقلاء أن يجهلوها؛ فيها تمحيص الذنوب، والتعرض لثواب الصبر، والإيقاظ من الغفلة، والإذكار بالنعمة حال الصحة، واستدعاء التوبة، والحض على الصدقة، يا ربِّ أشكو إليك ضُرًّا أنتَ على كشفه قديرٌ.

 

نحن في زمن فيه حوَّمت المنية، وعظمت على المسلمين الرزية، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما صبَر أهلُ بيت على جُهد ثلاثًا إلا آتاهم الله -عز وجل- برزق"، لا جعلنا الله وإيَّاكم من الشاكين إلا إليه، ولا من المتوكلين إلا عليه، ولا من السائرين إلا إليه؛ فإن الذي أبقى لَأكثرُ مما أخذ، ومواهبه المحيطة بنا، ونِعمه التي مَنَّها علينا أكثر من أن تُعد أو تُحصى، فاشكروا الله -تبارك وتعالى- على نعمه؛ حتى تنالوا رضوانه وعطاياه وكرمه.

 

عبادَ اللهِ: الموت خَطْبٌ قد عَظُمَ حتى هان، ومَسٌّ قد خَشُن حتى لان، والدنيا قد تنكبت حتى صار الموت أخف خطوبها، وجَنت حتى صار أصغر ذنوبها؛ فلتنظر يُمنة هل ترى إلا محنة، ثم انظر يُسرة هل ترى إلا حسرة؟

 

والأسى في كل يوم جديد، وما كان ليندمل ذلك القرح حتى أعقبه هذا الجرح، بيوت خُرِّبت، ومعيشة أُبطِلت، وأموال أُتلفت، هلك العيال والأولاد، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يرفع عَنَّا هذه الغُمة.

 

عبادَ اللهِ: إن زلزلة الساعة شيء عظيم، ونحن -أمة الإسلام- لنا في رسول الله أسوة حسنة، لقد زُلزل المسلمون زلزالًا شديدًا؛ حفرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتدمع العين ويخشع القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا على أهلنا لَمحزنون.

 

قال رجلٌ يودِّع ابنه: "يا بني، إنما علينا من موتك غضاضة، ولا بنا إلى أحدٍ سوى الله حاجة، وما الدهر والأيام إلا كما أرى رذية مال أو فراق حبيبي، ولا خير فيمَنْ لا يُوطِّنُ نفسَه على نائبات الدهر حين تدور".

 

عسى الكرب الذي أمسيت فيه *** يكون وراءه فرج قريب

فيَأمن خائفٌ، ويُفك عانٍ *** ويأتي أهله النائي الغريب

 

ونحن نعتصم بالله من الهلكة، ونعوذ به من دواعي البغي ومصارع الخذلان، ونرغب إليه في السلامة دِينًا ودُنيَا بلطفه، والله -تعالى- يوفق للسعادة، ويُسهل الإرادة، لا رب غيره، ولا خير إلا خيره، نعوذ بالله من سوء القضاء وزوال نعمته وحلول نقمته، ونسأله الثبات على الإسلام.

 

اللهمَّ يسِّر أمرنا، واغفر ذنبنا، وارحم ضعفنا، وتولَّ أمرنا.

 

عبادَ اللهِ: توجَّهوا إلى المولى الكريم بالدعاء والتسليم، واستغفروا الله، وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة؛ فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على ما منح من آلائه، وفتح على أوليائه، وأمدنا بملائكة سمائه، نحمدك اللهمَّ يا من يُصرِّف القلوب، ويُفرِّج الكروبَ، نسأل الله أن يدلنا عليه من أقرب الطُّرق إليه.

 

ونشهد أن لا إله إلا الله، أقام لديننا ركنًا وظهيرًا، وجعل لنا من لدنه سلطانًا نصيرًا، نحمده في السراء والضراء، ونستعينه على شكر ما أسبغ من النعماء، ونستنصره على ما نحن فيه من اللأواء والبلاء.

 

سبحانك، ما أعظم شأنك وأظهر قرآنك، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه؛ نهَج سبيلَ النجاة لمن سلك طريق مرضاته، وأمر بالتفكر في آلاء الله ونهى عن التفكير في ذاته.

 

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه؛ الذين علا بهم منار الإيمان، وشَيَّد بهم من قواعد الدين الحنيفي ما شرع، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال إلى البدع.

 

أما بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: يقول المولى -تبارك وتعالى-: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)[الصافات:24]، ويقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "كُلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته".

 

فيا أيها المسؤول: إن أردتَ أن يكون عملك خيرًا كله؛ فاستعمِل أهل الخير، إن في جهنم حيات كالقلال وعقارب كالبغال تلدغ كلَّ أمير لا يعدل في رعيته.

 

إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجلٌ أشركه الله -تعالى- في سلطانه فأدخل عليه الجَوْر في حُكمه، إن الحاكم إذا ظلم أو هَمَّ بالظلم ذهبت البركة، أرضنا تقول في كل يوم: أنا الأرض المبارَكة، وما تجبَّر فيَّ أحدٌ إلا قصمه الله.

 

يقول أحد الولاة الصالحين: "والله، ما هِبتُ شيئًا قطُّ هيبتي لرجلٍ ظلمتُه وأنا أعلم أنَّه لا ناصرَ لهم إلا الله، فيقول: حسبك الله، الله بيني وبينك".

 

عبادَ اللهِ: الدنيا دُول، والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، ولمن بعدنا عبرة؛ فيا أيها المسلم، عِش في أمان الله مؤيَّدًا بالله، هائمًا بالله، رعاك الله وحفظك الله.

 

جعلنا الله وإيَّاكم ممن يَقتدي بالهُدى، ويأتم بالتقى، ويجتنب السخط ويحب الرضا، والله -تبارك وتعالى- خليفتنا عليكم، والمتولي لأمركم.

 

اللهمَّ يا الله يا حبيب التائبين، ويا سرور العارفين، ويا قرة عين العابدين، ويا أُنس المنفردين، ويا حرز اللاجئين، ويا ظهير المنقطعين، ويا من حنَّت إليه قلوب الصِّديقين، وأنست به أفئدة المحبين، وعُلِّقَتْ عليه همةُ الخائفينَ، نتوجه إليك أن ترحمنا برحمتك، وأن تُدخِلَنا في عصمتك.

 

اللهمَّ رب السماوات السبع ورب الأرض ذات القفر، نسألك بما سألك عبادُك المطيعون لأمرك، ونسألك بحرمة وجهك، ونسألك بحقك على جميع خلقك، وبحق الطائفينَ حولَ بيتِكَ أن تُفرج عَنَّا يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ إنك رحمن رحيم، نسألك برحمتك التي سبقت غضبك، ونسألك بقدرتك على جميع خلقك، ألا تُميتنا من الدنيا حتى توجب لنا الجنة، اللهمَّ يسر أمورنا واختم بالصالحات أعمالنا، واشف جرحانا، وداوِ مرضانا، وأطلِقْ سراحَ أسرانا، واحفظ لنا أقصانا، وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

عبادَ اللهِ: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

وصايا بالصبر والاحتساب لنيل الثواب.doc

وصايا بالصبر والاحتساب لنيل الثواب.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات