عناصر الخطبة
1/اشتداد الأذى على النبي بعد وفاة عمه وزوجه 2/إكرام الله لنبيه بالإسراء والمعراج 3/وقفات مع الآيات الأولى من سورة الإسراء 4/من فوائد الآيات ودلالاتهااقتباس
ففي المرةِ الثانيةِ يرسلُ اللهُ عليهم من عبادِه من يسوءُ وجوهَهم، فيغشاها الذلُّ والهوانُ بما أساؤوا لأنفسِهم، ويدخلُ أولئك العبادُ المسجدَ الأقصى كما دخلوه أولَ مرةٍ، ويدمُّرون كلَّ أسبابِ علوِّهم وأدواتِ إفسادِهم، فينقلبُ حالُ بني إسرائيلَ من العزِّ إلى الذلِّ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: جهرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالدعوةِ في مكةَ، وتبِعَ ذلك الجهرَ أعوامٌ من الأذى والقهرِ، والعداءِ والجفاءِ، حوصرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه في الشعبِ ثلاثَ سنينَ، ثم ماتَ أبو طالبٍ الذي كان يحمي النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- من صناديدِ قريشٍ، ثم ماتت خديجةُ -رضي الله عنها- حضنُ الرسولِ الدافئُ، التي كانت تسلي حزنَه، وتثبتُ قدمَه.
وكان آخرُ الشدائد رحلةُ الطائفِ التي كانت أشدَّ الأيامِ التي مرت على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في حياتِه، كما صرح بذلك بعد سنين لزوجِه عائشةَ -رضي الله عنها-، فلقي في تلكَ الرحلةِ من الأذى ما راكمَ أحزانَه، وضاعفَ بلاءَه.
وفي هذا الجوِّ الملبّدِ بالكروبِ والشدائد، يكرمُ اللهُ -سبحانه- عبدَه الصابرَ بما يسلِّي حزنَه، وينسيه غمَّه، فيتفضلُ عليه بالآيةِ الباهرةِ، والمعجزةِ الخارقةِ، فينزِلُ جبريلُ -عليه السلام- إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ومعه دابةٌ يقالُ لها: البراقُ؛ لترحل بالحبيبِ -صلى الله عليه وسلم- إلى موطنِ الأنبياء، ومهدِ الرسالاتِ، ثم ينطلقُ بعدَ ذلك إلى رحلةِ المعراجِ في رحلةٍ سماويةٍ علويةٍ.
معاشر المسلمين: اليومَ لن نقفَ مع تفاصيلِ تلك الحادثةِ العظيمةِ، ولكنّنا سنتدارس آياتٍ من السورةِ التي نزلتْ باسمِ هذه الرحلةِ، سورةِ الإسراء، فنقف مع أوائلِ آياتِها، نتعلمُ تفسيرَها، ونستنبطُ فوائدَها.
يبدأُ اللهُ -سبحانه- السورةَ بقوله -جل وعلا-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الإسراء: 1]، والتسبيحُ فيه تعظيمٌ للهِ -جلَّ وعلا-، وتنزيهُه من كلِّ المعايبِ والنقائصِ.
فاللهُ العظيمُ أسرى بعبدِه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ليريَه آياتِه ومعجزاتِه، وجاء الوصفُ بالعبوديةِ لأنها أشرفُ صفاتِ الخلقِ، فناسب أن يصفَه بذلك في هذا المقامِ الرفيعِ الذي ارتقى إليه في رحلةِ الإسراءِ والمعراجِ.
ثم ذكر -سبحانه- مُنطلقَ رحلةِ الإسراءِ ووجهتَها، فالمنطلقُ المسجدُ الحرامِ، والوجهةُ المسجدُ الأقصى، وكأنَّ تلك الرحلةَ المختارةَ من اللطيفِ الخبيرِ، تقصدُ إلى الربطِ بين الرسالاتِ من لدن إبراهيمَ إلى محمدٍ -عليهم الصلاة والسلام-، وتعلنُ وراثةَ الرسالةِ الخاتمةِ لمقدساتِ الرسالاتِ السابقةِ.
ثم يأتي ذلك الوصفُ الربانيُّ للمسجدِ الأقصى بقوله -سبحانه-: (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ)، فالبركةُ ليستْ في المسجد فحسبْ، بل فيه وفيما حولَه، فالبركة تحفُّ المسجدَ وتفيضُ عليه، قال ابن رجب: "واعلمْ أن البركةَ في الشامِ تشملُ البركةَ في أمورِ الدينِ والدنيا؛ ولهذا سُميت الأرضُ المقدسةُ".
ففي ذلك إشارةٌ إلى فضلِ بيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المقدسِ، كما جاءتِ الأحاديثُ النبويةُ مؤكدةً على ذلك، فعن أبي ذرٍ -رضي الله عنه- قال: تذاكَرْنا ونحنُ عندَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أيُّما أفضلُ: مسجِدُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أو بَيْتُ المقدِسِ؟ فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "صلاةٌ في مسجِدي هذا أفضلُ مِن أربَعِ صلواتٍ فيه، ولنِعْمَ المصلَّى، هوَ أرضُ المَحشرِ والمنشَرِ، وليأتيَنَّ على النَّاسِ زمانٌ ولقَيْدُ سَوطِ الرَّجلِ حَيثُ يرى مِنهُ بيتَ المقدسِ، أحبَّ إليه مِنَ الدُّنيا جميعًا".
ثم قال -سبحانه-: (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)[الإسراء: 2 - 3]، فالمسجدُ الأقصى هو قلبُ الأرضِ المقدسةِ التي أسكنها اللهُ بني إسرائيلَ ثم أخرجهم منها بظلمِهم؛ ولذا ناسبَ ذكرُ موسى -عليه السلام- ورسالتِه إلى بني إسرائيل.
ومضمونُ تلكَ الرسالةِ توحيدُ اللهِ -سبحانه-، كما كان مضمونُ الرسالةِ الأولى التي جاء بها العبدُ الشكورُ نوحٌ -عليه السلام- وآمن بها من نجوا في السفينةِ، فكانت ذريةُ الأممِ بعدَهم منهم، وبذلك يتصل نسبُ الإيمانِ العريقِ من محمدٍ وأتباعِه، إلى موسى وأتباعِه، إلى نوحٍ وأتباعِه، تلك هي رابطةُ التوحيدِ المتينةُ والعروةُ الوثيقةُ.
ثم يقول -سبحانه-: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا)[الإسراء: 4]، فأخبر اللهُ -سبحانه- بني إسرائيلَ في كتابِهم أنه "لا بدَّ أن يقعَ منهم إفسادٌ في الأرضِ مرتينِ، بعملِ المعاصي، والبطرِ لنعمِ الله، والعلوِّ في الأرضِ والتكبرِ فيها"(تفسير السعدي).
ثم قال -سبحانه-: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا)[الإسراء: 5]، فإذا حصل منهم الإفسادُ الأولُ أنزلَ اللهُ عليهم عقوبتَه، وأحلَّ عليهم رجزَه، وذلك بأن يسلطَ عليهم من عبادِه، مِن أصحابِ البأسِ والشدةِ والشجاعةِ، مَن يستبيحونَ ديارَهم، ويرثونَ بيوتَهم، ويستلبونَ أموالَهم.
يقول -سبحانه- بعد ذلك: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا)[الإسراء: 6]، فقضى اللهُ -سبحانه- أن يردَّ لهم الكرةَ، ويمدَّهم بأسبابِ القوةِ، من الأموالِ والبنينَ والجيشِ الكثيرِ.
وقبل أن يتمَّ الحديثُ عن المرةِ الثانية، يخاطبُ اللهُ -سبحانه- بني إسرائيلَ فيقول لهم: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا)[الإسراء: 7]؛ ليبين لهم قاعدةَ العملِ والجزاءِ، فإن أحسنوا كما أحسن الله إليهم، فشكروا النعمَ؛ أُثيبوا ونالوا جزاءَ شكرِهم بأنفسِهم، وإن قابلوا الإحسانَ بالإساءةِ فبطروا النعمَ؛ عُذبوا وذاقوا عاقبةِ كفرهم بأنفسِهم.
وذلك ما حصل، فتكرر منهم الإفسادُ والعلوُّ، وتكرر من اللهِ الجزاءُ والعقابُ، قال -سبحانه-: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)[الإسراء: 7]، ففي المرةِ الثانيةِ يرسلُ اللهُ عليهم من عبادِه من يسوءُ وجوهَهم، فيغشاها الذلُّ والهوانُ بما أساؤوا لأنفسِهم، ويدخلُ أولئك العبادُ المسجدَ الأقصى كما دخلوه أولَ مرةٍ، ويدمُّرون كلَّ أسبابِ علوِّهم وأدواتِ إفسادِهم، فينقلبُ حالُ بني إسرائيلَ من العزِّ إلى الذلِّ، ومن العلوِّ إلى التتبيرِ والتدميرِ.
ثم يُختمُ السياقُ بقوله -سبحانه-: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا)[الإسراء: 8]، فيُرغّبُهم ويفتحُ لهم أبوابَ الرحمةِ، إن كان ذلك التدميرُ سبباً في عودتهم إلى اللهِ، وشكرِ نعمِه، ويُرهّبُهم ويهدِّدُهم بأنهم إن عادوا إلى الإفسادِ في الأرضِ والعلوِّ على عبادِه فالجزاء حاضرٌ والسنةُ ماضيةٌ؛ (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فلقد اختلفَ العلماءُ طويلاً في تحديدِ المرتينِ التي قضاها اللهُ -سبحانه- على بني إسرائيلَ وذكرها لهم في كتابِه، وقد حكى ابنُ كثيرٍ -رحمه الله- اختلافَ المفسرين، وذكر تعددَ الرواياتِ التاريخيةِ الإسرائيليةِ ثم قال بعد ذلك: "مِنْهَا مَا هُوَ مَوْضُوعٌ ومن وَضْعِ بَعْضِ زَنَادِقَتِهِمْ، وَمِنْهَا مَا قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَنَحْنُ فِي غُنْيَةٍ عَنْهَا -ولله الحمد-، وفيما قص الله عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ غُنْيَةٌ عَمَّا سِوَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْكُتُبِ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُحْوِجْنَا اللَّهُ وَلَا رسوله إليهم".
فالتحقيقُ أنه لا سبيل للجزمِ بتعيينِ المرتينِ، ما دامَ لم يرد في ذلكَ نصٌ عن اللهِ ورسولِه، والذي يهمُّنا هو الاهتداءُ بتلك الآياتِ، واستخلاصُ ما فيها من الدروسِ والعبرِ، ولو كان في التعيينِ فائدةٌ لذكرَها الله -سبحانه-؛ (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)[مريم: 64].
فلعلنا نقفُ بعضَ الوقفاتِ مع ما في هذه الآياتِ من الفوائدِ:
فمن ذلك: مكانةُ المسجدِ الأقصى العظيمةُ لأهلِ الإسلام، فهو مسرى الرسولِ محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومهدُ الرسالاتِ قبلَه، وميراثُ الأنبياءِ الذي ورثته الأمةُ المسلمةُ بما أقامتْ من توحيدِ اللهِ، واتباعِ خاتمِ النبيين، فهو الوديعةُ الربانيةُ التي فزنا إن حافظْنا عليها، وخِبنا وخَسِرنا إن فرطنا فيها.
ولئن كادَ الغاصبون كلَّ كيد، ومكروا كلَّ مكرٍ لتهويدِ المسجدِ الأقصى، وهدمِه لبناءِ هيكلِهم المزعوم، فإن من الواجبِ على أهلِ الإسلامِ أن يبذلوا كلَّ طاقتِهم، ويؤدوا جميعَ وُسعِهم للمحافظةِ على أرض الموحدين، والدفاعِ عن ميراثِ النبيين ألّا يستأثرَ بها أحفادُ القردة والخنازير.
ومن فوائدِ الآياتِ: معرفةُ الطبيعةِ التي لا ينفكُّ عنها اليهودُ، والسمةِ التي لا تكادُ تفارقُهم، وهي سمةُ الإفسادِ في الأرض، فالتخريبُ شغلُهم، والإفسادُ لُعبتُهم، قال -سبحانه- يصفهم: (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[المائدة: 64]، وما ذكر الله ذلك إلا ليحذِّرَنا من خطرِهم، ولنكونَ على يقظةٍ تامةٍ، وانتباهٍ دائمٍ من مخططاتِهم المفسدةِ، ومؤامراتِهم الماكرةِ.
ومن فوائدِ الآياتِ: أن السننَ لا تحابي أحداً، فلا ينفعُ الإنسانَ مجردَ انتسابِه لنبيٍّ من الأنبياءِ، أو أمةٍ من الأممِ، فمن أحسن نال ثوابَه، ومن أساء نال عقابَه، قال -سبحانه-: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)[النساء: 123- 124].
ومن فوائد الآياتِ: ما فيها من وعيدِ اللهِ -سبحانه- لبني إسرائيلَ، بإنزالِ العقابِ عليهم كلما عادوا للإفسادِ، كما قال -سبحانه-: (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا)، ففي ذلك بشرى لأهلِ الإسلامِ بأن الأمرَ لليهودِ لا يتمُّ، وأن العلوَّ لن يدومَ، وأن الرجزَ الذي سيحلُّ بهم مسألةُ وقتٍ، فالله يمهلُ ولا يهملُ، وسيأتي اليومُ الذي يرسلُ اللهُ فيه عباداً له أولي بأسٍ شديدٍ؛ ليجوسوا الديارَ، ويسوؤوا الوجوهَ، ويدخلوا المسجدَ، ويتبروا ما علا الصهاينةُ تتبيرا.
فاللهم اجعلنا من عبادِك الصادقين، وأنصارِك الموحدين، وحزبِك المفلحين، اللهم مكن أهل الإسلامِ من رقاب اليهود المجرمين، واشف يا رب صدور قوم مؤمنين، اللهم أقر عيونَ المسلمينَ بتحرير المسجدِ الأقصى وتطهيره عاجلا غير آجل، اللهم ارزقنا صلاة فيه قبل الممات محررا مطهرا شامخا بعز الإسلام وراية التوحيد، اللهم نجِّ المستضعفين من المؤمنين في غزةَ وسائر فلسطين، اللهم كن لهم مؤيدا ونصيرا، وظهيرا ومعينا، ربنا أفرغ عليهم صبرا، وثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الكافرين، اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، مجريَ السحاب، سَرِيعَ الْحِسَابِ، هازمَ الأحزاب، اللهم اهْزِمِ أحزاب الكفر، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ يا قوي يا عزيز.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم