آفات اللسان والحذر من الغيبة والنميمة وبث الشائعات
عبدالرحمن سليمان المصري
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان , ونهى عباده عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾
عباد الله: إن اللسان من النعم العظيمة ، يعبر عن مستودعات الضمائر، ويخبر بمكنونات السرائر ، به يستبين الكفر والإيمان ، والطاعة والعصيان ، وهو صغير جرمه عظيم أثره ، و" لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه.
والعبد محاسب على كل ما ينطق به ، قال تعالى: ﴿ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ﴾ ق : 18، ومن أطلق لسانه في أعراض الناس ؛ سلك به الشيطان إلى شفا جرف هار ، " وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم ؛ إلا حصائد ألسنتهم»" ، و" أكثر ما يدخل النار ، الأجوفان: الفم، والفرج " ،"والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ، وكان ابن عباس رضي الله عنهم ا: يأخذ بلسانه ويقول: ويحك قل خيرا تغنم ، أو اسكت عن سوء تسلم ، وإلا فاعلم أنك ستندم .أ.هـ.
عباد الله: وإن من آفات اللسان ؛ التي تورط فيها كثير من الناس الغيبة ، وقد نهى الله عنها ووصف فاعلها بأبشع الأوصاف وأشنعها ، قال تعالى: ﴿ ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ﴾ الحجرات : 12.
والغيبة: "ذكرك أخاك بما يكره " ، سواء ذكرت عيوبه في خلقه أو خلقته ، أو في لباسه أو داره أو دابته، أو ولده أو أسرته ، وسواء عبته بالقول أو بالفعل ، من الهمز واللمز، فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته.
عباد الله :والغيبة من كبائر الذنوب ، قال صلى الله عليه وسلم : " أهون الربا كالذي ينكح أمه ، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه " حسنه الألباني في صحيح الجامع .
ولما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم ، مر على أقوام لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فأخبر أن هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم ، رواه أبو داود وصححه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " رواه أبوداود بسند صحيح.
عباد الله : والنميمة من منكرات اللسان ، وهي نقل الكلام على جهة الإفساد وإثارة الفتنة ، وهي من كبائر الذنوب ، قال صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة نمام " رواه مسلم.
ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، قال: "إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير؛- أي في نظر الناس- أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " رواه البخاري .
وقال صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بشراركم: المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة ، المبتغون للبرءاء العيب " رواه الطبراني .
قال أحد السلف : يفسد النمام في ساعة ، ما لا يفسد الساحر في سنة أ.ه .
عباد الله :
وينبغي لمن سمع غيبة أو نميمة في مسلم ، أن يغير الموضوع إن أستطاع ، أو يناصح المغتاب ويخوفه بالله، وإذا لم يستطع فارق ذلك المجلس ، و" من رد عن عرض أخيه ، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة "
قال بعض السلف: "أدركنا السلف الصالح وهم لا يرون العبادة في الصلاة والصيام ، ولكن في الكف عن أعراض الناس .أ.هـ. ، و " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس "
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله: وإن من آفات اللسان الخطيرة ؛ نشر الشائعات وترويج الأكاذيب ، وإن من أعظم الشائعات خطرا وأشدها ضررا ، ما يستهدف إيمان المسلمين وعقائدهم ، وإضعاف صلتهم بربهم ، أو إفساد ذات بينهم ، وتفريق كلمتهم ووحدتهم ، أو لنشر الفوضى وإثارة الأحقاد ، مما يشيعه المرجفين والمنافقين ، والمبتدعة وأعداء الدين .
وقد أمر الله عز وجل بالتثبت والتبين بالأخبار ، قال تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ﴾الحجرات :6. ، وأنكر الله على من يبادر إلى الأخبار فينشرها قبل التحقق من صحتها ، فذلك ممقوت شرعا وعقلا ، قال تعالى:﴿ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ﴾النساء:83.
عباد الله: وقد جاء الوعيد الشديد ، على من يتهافت على نقل كل معلومة ، قبل التأكد من صحتها ، قال صلى الله عليه وسلم:" كفى بالمرء إثما ، أن يحدث بكل ما سمع " رواه أبوداود بسند صحيح.
بل عده الشارع أحد الكذبة ، قال صلى الله عليه وسلم :" كفى بالمرء كذبا ، أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : أن عقوبة من يكذب الكذبة ، فتبلغ الآفاق ، بأن يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه " الحديث رواه البخاري.
عباد الله : حري بكل مسلم ، أن يحفظ لسانه وسمعه ، ويمسك عن الشر ، ويمسك عن الخوض في أعراض المسلمين ، فالغيبة والنميمة وبث الشائعات ، تؤذي وتضر ، وتذكي العداوة بين المسلمين ، وهي طريق موصل إلى النار ، وتدل على سوء الخاتمة.
فليراجع المسلم حساباته ، وينظر في عاقبة أيامه ، قال تعالى: ﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ﴾آل عمران:30.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المرفقات
1752168038_آفات اللسان خطبة جمعة 2.docx
1752168039_آفات اللسان خطبة جمعة 2.pdf