أَحْكَامُ وَمَكَانَةِ صَلَاة الْجُمُعَةِ فِي الْإِسْلَامِ 8 - 8-1446هـ
عايد القزلان التميمي
1446/08/06 - 2025/02/05 15:15PM
أَحْكَامُ وَمَكَانةِ صَلَاة الْجُمُعَةِ فِي الْإِسْلَامِ 8 - 8-1446هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ يَوْم الْجُمُعَةِ خَيْرُ وَأَفْضَل وَسَيِّد الْأَيَّام. أَحْمَدُهُ سُبْحَانَه و أَشْكُرُه إِذْ هَدى لِهَذَا الْيَوْمِ أُمَّةَ الْإِسْلامِ، وَأَضَلّ عَنْهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَلَمْ يُوَفَّقُوا لَهُ عَلَى الدَّوَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمُلْكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مُرْسَل وَأَكْمَل إمَامٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
أَمَّا بَعْدُ فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ .
عِبَادَ اللَّه: سنتحدث اليَوْمَ عَنْ خَيْرِ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ، وَاخْتَصَّ اللَّهُ بِهِ أُمُّةَ الْإِسْلَام، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( أضَلَّ اللَّهُ عَنِ الجُمُعَةِ مَن كانَ قَبْلَنا، فَكانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وكانَ لِلنَّصارَى يَوْمُ الأحَدِ، فَجاءَ اللَّهُ بنا فَهَدانا اللَّهُ لِيَومِ الجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الجُمُعَةَ، والسَّبْتَ، والأحَدَ، وكَذلكَ هُمْ تَبَعٌ لنا يَومَ القِيامَةِ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِن أهْلِ الدُّنْيا، والأوَّلُونَ يَومَ القِيامَةِ، المَقْضِيُّ لهمْ قَبْلَ الخَلائِقِ. وفي رِوايَةٍ: المَقْضِيُّ بيْنَهُمْ. [وفي رواية]: هُدِينا إلى الجُمُعَةِ، وأَضَلَّ اللَّهُ عَنْها مَن كانَ قَبْلَنا)) رواه مسلم.
وَفِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ جَرَتْ إحْدَاثٌ عَظِيمَة، وَسِتِّجري فِيهِ إحْدَاثُ عَظِيمَةٌ كَذَلِكَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ)) أخرجه مسلم .
عباد الله، ويقول الله جل جلاله: (( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )).
أيها المسلم، نداءٌ من الله لأهلِ الإيمان، قائلاً لهم: إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ، اسعوا إلى صلاة الجمعة، واحضروا الجمعة، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فَأْتُوا الجمعة، فَإِتْيَانِها [فيه] الخير الكثير لكُم في الدنيا والآخرة.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُون : وَلِلْجُمُعَة أَحْكَام وَآداب كثيرة : وَمِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ الْغُسْلِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ أَحْسَنَ الثِّيَابِ وَاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم (( لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعةِ، ويَتَطَهرُ مَا استَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَو يَمَسُّ مِن طِيبِ بَيتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفرِّق بَيْنَ اثَنيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تكَلَّم الإِمَامُ، إِلاَّ غُفِرَ لهُ مَا بَيْنَه وبيْنَ الجُمُعَةِ الأخرَى )) رواه البخاري.
وَمَنْ أَحْكَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ التَّبْكِيرِ لَهَا لِقَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مَنِ اغتسل يومَ الجمعةِ غُسْلَ الجنابَةِ، ثُمَّ راحَ في الساعةِ الأولى، فكأنما قرَّبَ بدنَةً، ومَنْ راح في الساعَةِ الثانِيَةِ، فكأنَّما قرَّبَ بقرةً، ومَنْ راح في الساعةِ الثالثةِ، فكأنما قرَّبَ كبشًا أقرَنَ، ومَنْ راح في الساعَةِ الرابعَةِ، فكأنَّما قرَّبَ دجاجَةً، ومَنْ راح في الساعَةِ الخامِسَةِ، فكأنما قرَّبَ بيضَةً، فإذا خرج الإمامُ حضرتِ الملائِكَةُ يستمعونَ الذِّكْرَ)) متفق عليه وفي رواية (( فَإِذَا خَرَجَ الإمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، ويَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ )).
عباد الله وَمَنْ أَحْكَامِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ : الإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ لِلْخُطْبَة، وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ وَقْتَ إلْقَائِهَا وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((مَن تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ، فاسْتَمع وأَنْصَتَ، غُفِرَ له ما بيْنَهُ وبيْنَ الجُمُعَةِ، وزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، ومَن مَسَّ الحَصَى فقَدْ لَغا )) أخرجه مسلم. وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((مَنْ قالَ لصاحبِه يومَ الجمُعةِ والإمامُ يخطُبُ : أنصِتْ، فقَد لغا)) أخرجه البخاري ومسلم واللَّغوُ: هو الكلامُ الباطلُ السَّاقطُ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْصِتَ لِلْإِمَامِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ، إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ مِنْ الْكَلَامِ مَعَ الْخَطِيبِ ، أَوْ الرَّدِّ عَلَيْهِ ، أَوْ مَا دَعَتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ كَإِنْقَاذِ أَعْمَى مِنْ السُّقُوطِ أَوْ مَا شَابَهَهُ .
عباد اللَّه وَمَنْ أَحْكَامِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ : عَدَم تَخَطِّي الرِّقَابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّ تَخَطِّيَ رِقَابَ النَّاسِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فِيهِ أَذًى لِلنَّاسِ، وَأَشْغَالِهِمْ عَنْ الِاسْتِمَاعِ لِلْخُطْبَة، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (( جاءَ رجلٌ يتخطَّى رقابَ النَّاسِ يومَ الجمعةِ والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطبُ فقالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: اجلسْ فقد آذيتَ وآنيْتَ )). صححه الألباني . وَمَعْنَى: (آنَيْت) : أَبْطَأْت فِي الْمَجِيءِ ، وَأَخَّرْتَهُ عَنْ أَوَانِهِ.
عباد الله وَمَنْ أَحْكَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ سُورَةِ الْكَهْفِ، وَاغْتِنَام سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((التَمِسوا السَّاعةَ الَّتي تُرجَى في يومِ الجمُعةِ بعدَ العصرِ إلى غَيبوبةِ الشَّمسِ)) صححه الألباني .
وَمَنْ أَحْكَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي فَجْرِهِ بـ {الم} (السجدة) و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} فَإِنَّهُمَا تَضَمَّنَتَا مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ فِي يَوْمِهَا.(أي يوم القيامة).
ومن أحكام يوم الجمعة كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة دخل مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ سُنَّتَهَا، وَأَمَرَ مَنْ صَلَّاهَا أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أربعا. قال ابن تيمية رحمه الله: إذا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِنْ صَلَّى في بيته صلى ركعتين. وَمَنْ أَحْكَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جَمْعُ صَلَاةٍ الْعَصْرَ مَعَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، لَا فِي مَطَرٍ، وَلَا فِي سَفَرٍ، لِعَدَمِ وُرُودِ مِثْلَ هَذَا الْجَمْعِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ ــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ــ، وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ ــ رَحِمَهُمُ اللَّه ــ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/242) : " لَا يَجُوزُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَلَا رَدَّ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَلَامٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ " اهـ .
بارك الله لي ولكم ....
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
أَمَّا بَعْدُ
فَيَا عِبَادَ اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ أَنْ يَتَخَلَّفَ الْمُسْلِم عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِى صَحِيحَةٌ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( لَيَنْتَهينَّ أقْوامٌ عن ودْعِهِمُ الجُمُعاتِ، أوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ علَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكونُنَّ مِنَ الغافِلِينَ ))
وقال صلى الله عليه وسلم (( مَنْ ترَكَ ثلاثَ جُمَعٍ تَهاوُنًا بِها ، طبعَ اللهُ على قلْبِهِ )) صححه الألباني.
عِبَاد الله صَلَّوْا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.....
المرفقات
1738758199_أَحْكَامُ وَمَكَانةِ صَلَاة الْجُمُعَةِ فِي الْإِسْلَامِ.docx