أسماء الله الحسنى القدير والقادر والمقتدر
زكي اليوبي
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ ، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦوَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا﴾، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا﴾، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عِبَادَ اللَّهِ: إن الله عز وجل لا شريك له في جميع أسمائه صفاته، ولا مضاهي له في أفعاله وتقديراته، فهو (القدير والقادر والمقتدر)، قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ }، وقال تعالى: {قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ}، وقال تعالى: {وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقۡتَدِرًا}
أيها المسلمون: إن الله له ملك السماوات والأرض وما فيهما ملكًا وتدبيرًا وإحاطة، ذا قدرة عظيمة على كل شيء، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. روى الطبري في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ}، قال: "الذين يقولون: إن الله على كل شيء قدير". ومن أركان الإيمان بالله عز وجل، الإيمان بالقدر، قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ}، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل: (الإيمانُ أنْ تؤمنَ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخرِ والقدرِ كلِّه خيرِه وشرِّه)، وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أنَّ اللهَ عذَّبَ أهلَ سماواتِهِ وأهلَ أرضِه لعذَّبَهم وهو غيرُ ظالِمٍ لهم، ولو رحِمَهم لكانَتْ رحمَتُهُ لهم خيرًا من أعمالِهِم، ولو أنفقْتَ مثلَ أحُدٍ ذهبًا في سبيلِ اللهِ ما قَبِلَهُ اللهُ منكَ حتى تؤمِنَ بالقدَرِ، فتعلَمَ أنَّ ما أصابَكَ لم يكن ليُخْطِئَكَ ، وما أخطأكَ لم يكن ليُصِيبَكَ، ولو مِتَّ على غيرِ هذا لدخَلْتَ النارَ) أورده الألباني في صحيح الجامع، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (القدر نظام التوحيد، فمن وحَّد الله عز وجل وآمن بالقدر، فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن وحَّد الله تعالى، وكذب بالقدر، نقض التوحيد).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ووفقنا للاقتداء بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وجعلَنا من المتّقين الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلانية: قال الله تعالى: {وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ } [سورة البقرة: 281].
عباد الله: إن جميعَ قُلوبِ بَني آدمَ بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ إنْ شاء هَداها، وإن شاء أزاغَها. فعلى المسلم إكثار الدُّعاءِ بالثَّباتِ على الدِّينِ والهدى. عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال: قُلتُ لأمِّ سلمةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ؟ قالَت: كانَ أَكْثرُ دعائِهِ: يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت: فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ، فمَن شاءَ أقامَ، ومن شاءَ أزاغَ. فتلا معاذٌ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}. أخرجه الترمذي وصححه الألباني. وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل: "ومَن لا يقر بأن الله سبحانه كل يوم في شأن يفعل ما يشاء؛ لا يقر بأن الله على كل شيء قدير، ومَن لا يقرّ بأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء، وأنه سبحانه مقلب القلوب حقيقة، وأنه إن شاء أن يقيم القلب أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه لا يقر بأن الله على كل شيء قدير" ا.ه. {رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ }
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه فقال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا }، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وهيأ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اللهم كل من أراد بلدنا هذا بسوء وسائر بلاد المسلمين، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم، اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.