أَمْ جَنَّةُ الخُلْد

عبدالعزيز بن محمد
1446/10/26 - 2025/04/24 14:44PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيها المُسْلِمون: تَطْلُبُ النُّفُوسُ أَعلى المُشْتَهَياتِ، وتَتَمَنَّى أَوْسَعِ الأُمْنِياتِ، وتسْعَى حَثِيْثاً لبُلُوغِ أَكْمَلِ المَلذَّات. والنُفُوسُ إِلى مَا تَهْوَى تَوَّاقَةٌ، وإِلى ما تَشْتَهِي سَبَّاقَة. تَكِدُّ في طَلَبِ مُشْتَهياتِها وتَكْدَح. وتجْتَهِدُ في طَلَبِ رَغَباتِها وتَطْمَح.

فَلا يَكادُ طَالِبُ الدُّنْيا يَحُطُّ عَنْ المَسِيْرِ رِحالَه. كُلَما نَالَ مِنْ الدُنْيا مُبْتَغَى تَضَاعَفَتْ فيها أَمانِيْه. وكُلَّما حَقَّقَ فيها مَطْلَباً تَشَعَّبَتْ فيها مَساعِيْه. وفي الحَدِيْثِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (لَوْ كانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لابْتَغَى وادِيًا ثالِثًا، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ) متفق عليه

مَتَاعُ الدُّنْيا يَسْلِبُ، وزُخْرُفُها يَغْرِي، و (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ) رواه مسلم

ونَعِيْمُ الدُّنْيا مَهْما أَزْهَرَ فإِنَّهُ ذابِلٌ، ومَهْما أَغْرَى فَإِنَّهُ غُرُور. مُنَغَّصٌ بالكَدَر، سَرِيْعٌ زَوالُه، خادِعٌ بَهاؤُه، قَلِيْلٌ بَقاؤُه. يَكْتَنِفُهُ نَقْصٌ وتَذْهَبُ بِهِ آفَة، ويَعْقُبُهُ ضَعْفٌ ويخالِطُهُ أَلَم. إِنْ سَرَّ صَاحِبَهُ في مَوْقِفٍ أَبْكاهُ في آخَر. والمَوْتُ يَهْدِمُ زائِفَ اللذاتِ {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}

ولَو جُمِعَت الدُّنْيا كُلُّها، بِكُنُوزِها وثَرَواتِها، بِزِيْنَتِها وشَهَواتِها، بِقُصَورِها وعِماراتِها، بِمَناصِبِها وأَمْلاكِها. بِكُلِّ ما فِيْها مِنْ روافِدِ النَّعِيْمِ. لَو جُمِعَتْ في يَدِ رَجُلٍ واحِدِ يَتَصَرَّفُ فيها كَيْف يَشاءُ، ويَتَقَلَّبْ فيها كَيْفَ أَراد. فَإِنَّه لَنْ تُساوِيْ نَعِيْمَ لَحْظَةً واحِدَةً يَتَمَتَّعُ بِهِا المُؤْمِنُ في الجَنَّة. ولَنْ يُسَاوِيْ قَدْرَ شِبْرٍ واحِدٍ يُمْلِكُهُ المُؤْمِنُ في أَرْضِ الجَنَّة.  حَدِيْثُ صِدْقٍ لا كَذِبَ فيهِ، وخَبَرُ حَقٍّ لا مِراءَ فيهِ. قَالَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : (مَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا عَلَيْها) متفقٌ عَلَيْهِ   ــ أَي قَدْرُ مَساحَةِ عَصاً صَغِيْرٍةٍ في الجَنَةِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا عَلَيْها ــ  

وإِطْلالَةٌ واحِدَةٌ، تُطِلُّها مُنَعَّمَةٌ مِنْ مُنَعَّماتِ الجَنَّةِ على الأَرْضِ، تَغْلِبُ ما على الأَرْضِ مِنْ مَفاتِنِها، عَنْ أَنَسٍ رضي اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: (ولَو أنَّ امرَأةً مِنْ أَهْلِ الجَنةِ اطَّلَعَتْ إِلى أَهْلِ الأَرْضِ لِأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ــ  أَيْ ما بَيْنَ السَماءِ والأَرضِ، أَو ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِب ـــ ولَمَلأَتْه ريحًا ــ أَيْ رائِحَةً زَكِيَّةً طَيِّبَة ــ ولَنَصيفُها ــ أَيْ خِمَارُها ــ عَلَى رَأسِهَا خَيرٌ مِنَ الدُّنيا ومَا فِيْهَا) رواه البخاري

إِنَّها الجَنَّةُ، مَوعُودُ اللهِ للطَّائِعِيْن.  إِنَّها الجَنَّةُ، دارُ الجَزاءِ للمُتَّقِيْن {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ}

هِيَ دَارُ الفَوزِ وهِيَ دارُ الكَرامَة، وهِيَ دارُ النَعِيْمِ وهِيَ دارُ الخُلُود. خُلُودٌ لا فَناءَ لَه {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} {..خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} {.. خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}

* نَعِيْمُ الجَنَّةِ لا يُقَارِبُهُ نَعِيْم. لا يَفْنَى ولا يَزُول، ولا يَضْعُف ولا يَنْفَد. دائِمٌ بَاقٍ يَتَجَدَّد، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا» ثُم قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} رواه مسلم  {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ *وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ*لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ}

* نَعِيْمُ الجَنَّةِ لا يُقَارِبُهُ نَعِيْم {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}    

* نَعِيْمُ الجَنَّةِ لا يُقَارِبُهُ نَعِيْم {عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ* مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ* يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ *  وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ *  وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ *  وَحُورٌ عِينٌ *  كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *  لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا}

* نَعِيْمُ الجَنَّةِ لا يُقَارِبُهُ نَعِيْمٌ، ومُلْكُ أَهْلِها لا يُماثِلُهُ مُلْك {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} وَإِذَا رَأَيْتَ هُنَاكَ في الجَنَّةِ {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ* رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا}

* نَعِيْمُ الجَنَّةِ لا يُقَارِبُهُ نَعِيْم {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}  {..فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ..}

* نَعِيْمُ الجَنَّةِ لا يُقَارِبُهُ نَعِيْم {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}

* نَعِيْمُ الجَنَّةِ لا يُقَارِبُهُ نَعِيْم، في الحديثِ القُدْسِيِّ قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ) رواه البخاري ومسلم

وأَعَلْى نَعِيْمٍ يَتَنَعَّمُ بِهِ أَهْلُ الجَنَّةِ، النَّظَرُ إِلى وَجْهِ اللهِ الكَرِيْم، {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ} الحُسْنَى هِيَ الجَنَّةُ والزِّيادَةُ هِيَ النَّظَرُ إِلى وَجْهِ اللهِ الكَرِيم. وَعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُم: (تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟) فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ» رواه مسلم

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بارك الله ولي ولكم..

 

الخطبة الثانية


الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً  أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون

أيها المسلمون: ولَمَّا كانَ نَعِيْمُ الآخِرَةِ مُغَيَّبٌ مُؤَجَل، وَمَتَاعُ الدُّنْيَا مُشَاهَدٌ مُعَجَّل، آثَرَتِ النُّفُوسُ عَاجِلَ المَتاعِ وتَنافَسَتْ عَلِيْه، وتَباطَأَتْ عَنْ النَعِيْمِ الآجِلِ وتأَخَرَتْ في السَّعْيِ إِليه. وكُلَّما ضَعُفَ إِيْمانُ العَبْدِ بِمَوْعُودِ اللهِ، فَسَدَ في الدُّنْيا عَمَلُهُ، وطَالَ فيها أَمَلُه، ورَكَنَ إِليْها ورَضِيْها مُقَام. وكُلَّما قَوِيَ إِيْمانُ العَبْدِ بِمَوعُودِ اللهِ صَلُحَ عَمَلُهُ، وجَدَّ سَعْيُه، وقَاوَمَ شَهْوَتَهُ وهَواه {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : (وكَيْفَ يَكُوْنُ عَاقِلاً مَنْ بَاعَ الجَنَّةَ بِمَا فِيْهَا بِشَهْوَةِ سَاعَة) .

أَسْعَدُ النَّاسِ عَاقِبَةً.. مَنْ جَعَل الآخِرَةَ غَايَتُهُ ومُبتَغاه. يَبْتَدِرُ أَيامَ عُمُرِهِ في هذِهِ الحَياةِ لِيَعْمُرَ بِها مَنازِلَهُ في الآخِرَة.  يَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ في كُلِّ ما يأَتِيْ ويَذَر. لا يُضَيِّعُ فَرِيْضَةً ولا يَسْتَخِفُ في واجِبٍ. ولا يَقْتَرِفُ مُوْبِقَةً ولا يُصِرُّ على ذَنْب، ولا يُقِيْمُ على خَطِيْئَةٍ ولا يَتمادَى في مَعْصِيَة.  سَرِيْعٌ إِلى التَوبَةِ مُبادِرٌ إِلى الإِنابَة، إِنْ مَسَّهُ طائِفٌ مِن الشَّيْطانِ تَذَكَّرَ، وإِنْ غَلَبَهُ مَيْلٌ إِلى الهَوى أَفاق {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون}

يَرْجُو لِقاءَ اللهِ يَعْمَلُ لَه. يَحْفَظُ حَقَّاً أَوجَبَهُ اللهُ عليه. ولا يَتَجاوَزُ حَدًّا حَدَّهُ اللهُ لَه. لا يَظْلِمُ ولا يَبْغِيْ، ولا يُسِيْءُ ولا يَعْتَدِي. يَحْفَظُ سَمْعَهُ ويَحْفَظُ بَصَرَهُ، ويَحْفَظُ فَرْجَهُ ويَحْفظُ جَوارِحَه.  في جِهادٍ للنَّفْسِ، وفي مُصابَرَةٍ على الثَبَات.  بَيْنَهُ وبَيْنَ اللهِ أَسْرارٌ يُخْفِيْها عَنِ العِبادِ، دُعَاءٌ وصَدَقَةٌ وصِيامٌ وَتَطَوُّعٌ وصَلاة. يَنْهَى النَّفْسَ عَن الهَوى في الخلَوات. يَرْجُو رَحْمَةَ رَبِهِ ، يَرْجُو جَنَّةً عَرْضُها الأَرْضُ والسَّماوات.

كُلَّما نَازَعَتُهُ نفْسُهُ إِلى ارْتِكابِ هَوىً، زَجَرَها، وقَال لَها {.. أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًاْ}

عِبادَ الله: وكُلَّما اتَّسَعَتْ مُتَعُ الحَياةِ، غَلَبَتْ على النُّفُوسِ غَفْلَتُها. وضَعُفَتْ فيها عَزِيْمَتُها. وفَتَرَتْ عَنْ الجِدِّ في طَلَبِ الآخِرة. وآثَرَتْ أَنْ تَنالَ حَظَّها الأَوفَرَ مِن الدُّنيا، وحَظَّها الأَضْعَفَ مِنَ الآخِرة. {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} 

اللهم أحسن منقلبنا، واختم بالصالحات أعمالنا، وخذ بنواصينا إلى البر والتقوى..

 

المشاهدات 1489 | التعليقات 2

جزاك الله خير الجزاء


آمين وإياك